ألعاب الذاكرة: الطريق لذاكرة أفضل
كيف ستصبح ذاكرتكم أفضل؟ الممارسة ثمّ الممارسة سرّ التذكّر، لذلك إليكم بعض التقنيّات لتحسين ذاكرتكم مهما كان عمركم.
كسر منحنى النسيان
منحنى النسيان هو رسم هندسيّ تخيّلي للأشياء الّتي نتذكّرها قبل أن يلتهمها النسيان عندما نتجاهلها، وفي الغالب كلّ شيء لا نودّ حفظه يذهب نهبًا للنسيان، لكن يمكن مواجهة نزيف الذكريات هذا من خلال اختبار ذاكرتنا دوريًّا. ولا نحتاج وفقًا لخبير الذاكرة وصاحب الرقم القياسيّ لجينس في التذكّر نيشانت كاسيبهاتلا لتذكّر كلّ شيء بعينه كي تكون ذاكرتنا قويّة، إذ يؤكّد على ضرورة تحسين ذاكرتنا من خلال التذكّر والاستدعاء الدائم لا المرحليّ. إليكم هذه التجربة البسيطة عند زيارة أيّ مقهى: (هل تتذكّرون شكل من وقفوا معكم في الطابور؟ ما لون الملصق المعلّق على جدار المقهى؟ ماذا كان في القائمة أيضًا غير الّذي طلبتم؟)
خذوا كفايتكم من النوم
تتجاوز هذه الخطوة أهمّيّتها كقاعدة حياتيّة لصحّة أفضل، حيث تؤكّد الدراسات العلميّة الحديثة على محوريّة النوم الصحّيّ في تعزيز الذاكرة. خاصّة وأنّ نمط النوم ومراحله يؤثّران في عمليّة فرز الذكريات بين ما يجب الاحتفاظ به وما يجب التخلّص منه، لذلك يجب اتّباع نمط صحّيّ للنوم والالتزام به.
البطاقات التعليميّة
إذا ما أردتم تعلّم شيء ما وتذكره لفترة طويلة، عليكم بالبطاقات التعليميّة فهي أداة رائعة من أدوات (التكرار المتباعد): حيث نتعلّم عند كتابة البطاقات، ولاحقًا عند اختبار أنفسنا على حفظ ما كتبناه على مراحل زمنيّة مختلفة لنتأكّد من أنّنا حفظنا هذه الموادّ التعليميّة. ويمدح في هذا الجانب طلّاب وطالبات الأقسام الطبّيّة في بريطانيا تطبيق Anki Flashcards على تسهيله لعمليّة الحفظ، خاصّة أنّه يعمل بخوارزميّة تدرّبكم على المواضيع الّتي يلزمكم التركيز عليها أكثر عند الحفظ.
اللعب والذاكرة
يعود تاريخ ألعاب التذكّر في بريطانيا لبطاقات المطابقة من نظام التذكّر المسمّى Pelmanism، وهو نظام تدريب عقليّ من أوائل القرن العشرين صمّم لتصحيح «ميول التراخي والكسل» كما شاع حينها. لدينا اليوم بعض الإصدارات المعقّدة من هذا النوع من الألعاب، مع صور لترتيب أشكال هندسيّة وصوريّة مثل تصاميم أنماط البلاط البرتغاليّ، أو تصميمات هندسيّة للمهندس المعماريّ فرانك لويد رايت. كما يمكن لجمعيّة الزهايمر (في بريطانيا) أن ترسل إليك «تمرينًا عقليًّا» شهريًّا مقابل التبرّع لهم، بل حتّى أحاجي تجميع الصور لديها مفعول السحر حيث أثبت الأبحاث فائدتها للوظائف المعرفيّة للعقل.
بناء (قصر الذاكرة)
منهج لوسي أو قصر الذاكرة كذلك الّتي قرأنا عنه لدى شارلوك هولمز، وتعود بتاريخها للعام 80 قبل الميلاد، وما زالت مستخدمة من قبل رياضيّ الذاكرة التنافسيّة اليوم استراتيجيّة ممتازة للتذكّر. الفكرة بسيطة جدًّا كما تقول رياضيّة الذاكرة التنافسيّة كاتي كيرمود: «نضع ما نريد تذكّره ضمن رحلة (مجموعة من المواقع الّتي تعرفها جيّدًا، مثل غرف منزلكم أو معالم شهيرة في مدينتكم أو حيّكم)» وتستخدم كيرمود المنازل الّتي تنقّلت بينها في حياتها، وتردف: «ثمّ أضع ما أريد تذكّره في تلك المواقع، وفي أنحاء المنزل في مخيّلتي، وهكذا عندما أريد تذكّر شيء ما أسير داخل هذا المنزل، وأتنقّل في أنحائه لأجد ما وضعته هناك، يمكن التدرّب على أمور بسيطة مثل تذكّر قائمة التسوّق، بل أحيانًا أضع ما أريد تذكّره في أطراف جسدي، كتفي وجيبي، وذراعي، إلخ. وأخصّص لكلّ عضو شيئًا ما ليتذكّره.»
مواعيد مرئيّة
بالنسبة لأعياد الميلاد والتواريخ الهامّة الأخرى، تقترح كيرمود ربط كلّ شهر برمز معيّن «أكتوبر مثلًا قد يكون قرعة، وفبراير رأس قلب» من ثمّ ربط صورة باليوم المحدّد، مثلًا، عندما تودّ تذكّر عيد ميلاد أحدهم في الرابع من فبراير، تنصح كيرمود «لا داعي لتعقيد الأمور، الرقم 4 يشبه المراكب الشراعيّة، ليصبح بذلك تاريخ الميلاد قارب حبّ (مركّب شراعي ورأس قلب) وهكذا دواليك». أمّا فيما يتعلّق بالجداول الزمنيّة، فعليكم ربط كلّ يوم بحدث أو فعّاليّة ما، حيث تكمل كيرمود: «يوم الأربعاء (بالإنجليزيّة) قريب من لفظ زفاف، لذلك يمكن وضع كلّ فعاليّات يوم الأربعاء كأنّها في حفل زفاف وهكذا، من ثمّ نتذكّرها كأنّنا في حفل زفاف ونسير بين تفاصيله.»
رفع الأثقال
على ما يبدو يعزّز هرمون الأوستيوكالسين الّذي تفرزه العظام عند رفع الأثقال قابليّة العقل لتخزين الذكريات عند كبار السنّ وفقًا لبحث أجرته جامعة كولومبيا، لكن ما زالت الأبحاث إلى الآن في طور العمل (على الفئران)، إلّا أنّ هذا لا يمنع من ضرورة الإشارة إلى ذلك لمن يهمّهم الأمر.
لكلّ اسم رسم
عند سؤالها عن حفظ الأسماء قالت كيرمود: «لا يهمّ الاسم نفسه… عليكم أن تجدوا لكلّ اسم معنى خاصّ بكم، عندما أودّ تذكّر شخصه اسمه براين أفكّر في كلمة “دماغ” (برين بالإنجليزيّة)، أو شخص اسمه دومينيك، فأفكّر في “الدومينو” وهكذا.» وقد حقّقت كيرمود أربع أرقام قياسيّة عالميّة من ضمنها حفظ ٢٢٤ اسمًا في ١٥ دقيقة.
عازفة البيانو
يعزف عازفو البيانو المقطوعات الموسيقيّة الكلاسيكيّة لساعات في الحفلات بالاعتماد كلّيًّا على ذاكرتهم. على سبيل المثال لدى عازفة البيانو والمؤلّفة سوزان تومز أسلوب قويّ يجمع بين الذاكرة العضليّة القائمة على التكرار، والاستدعاء البصريّ لصفحات مقطوعاتها، وثالثًا ما تسمّيه «الإدراك العقليّ لجسد المقطوعة»، أي كيف تصبح المقطوعة جسدًا واحدًا، أو بنيّة المقطوعة الموسيقيّة، ويمكن تطبيق الأمر نفسه في الخطابة، أي بنيّة الخطاب المنطقيّة من أوّله لآخره، مع الترتيب اللازم لكلّ فكرة، وكيف ستتحرّك على المسرح مع كلّ فكرة، مع التدرّب أمام جمهور بالتأكيد، حيث تخبرنا تومّز: «للجمهور أثر هائل على وعينا، وعلينا التدرّب على الوقوف أمامهم كيلا نتعثّر وقت العرض.»
الذاكرة والعتاب
لا داعي لعتاب الذاكرة فكما يقول كاسيبهاتلا: «كرروا التالي عندما تنسون: لا بأس، المرّة القادمة سأتذكّر.» لأنّ التوتّر من النسيان يضعف الذاكرة أكثر، بل ويشجّعنا كاسيبهاتلًا على الاحتفال بما نتذكّره، حتّى لو كانت كلمات أغنية من عام ١٩٨٦، حينها علينا أن نهتف: «ذاكرتي رائعة». ويضيف كاسباتلا: «لكلّ ذاكرة نجاحتها، فلماذا الانتقاص من قوّتها؟»
لنحفظ قصيدة
لحفظ قصيدة جميلة متعة خاصّة كما تشاركنا إستر سانديز: «للشعر بنيّته الفنّيّة الجميلة، وهو ما يساعد على تعلّمه وتذكّره»، وتعمل سانديز معلّمة لغة إنجليزيّة، وتشجّع طلّابها وطالباتها على حفظ الشعر عن ظهر قلب، ومن نصائحها حفظ الشعر على مراحل ابتداء بأبيات قصيرة قبل الانتقال للقصائد الكاملة، إذ تضيف: «ستصبح القصيدة الّتي تحفظون جزءًا منكم إلى الأبد.» ويمكن حفظ القصيدة بعدّة طرق تجمع بين السمع والحركة والبصر، إذ يمكننا كتابة القصيدة بتنسيق جميل، أو تخزينها على الهاتف ومراجعتها في أثناء المشي أو ركوب الحافلة أو المترو… إلخ. استمعت لنصيحة سانديز يوم الجمعة عندما قابلتها، واستطعت بنهاية يوم السبت أن أحفظ قصيدة (الثلج للويس مكانيس)، وأعتقد بأنّي أدمنت هذه الطريقة، وأخطّط لحفظ قصائد أخرى.
استخدام الصور
يقدّم كتاب الذاكرة الصوتيّ لديرين براون مثالًا رائعًا على استخدام الصور، استطاع عبرها دماغي، تلك الخزانة المغبرّة، وفي خضمّ فترة ما قبل انقطاع الطمث، تذكّر قائمته المكوّنة من 12 كلمة عشوائيّة (هاتف، نقانق، قرد، زرّ، كتاب، ملفوف، زجاج، فأر، معدّة، كرتون، عبارة، عيد الميلاد) بسهولة وتكرارها بالعكس، ويعود الفضل في ذلك إلى الصور الغريبة الّتي يرسمها براون، رابطًا كلّ كلمة بالكلمة التالية، والقواعد كالتالي: اختاروا صورًا أو مشاهد معبّرة تتذكّرون من خلالها، وكلّما كانت الصور أغرب كان أفضل، وعليكم أن تخلقوا رابطًا عاطفيًّا معها (صورة مضحكة أو مقزّزة، لا فرق)، المهمّ أن تذكركم الصورة هذه بما ترغبون بحفظه.
الاستمراريّة مهما كان عمركم
يبلغ متوسّط أعمار المتقدّمين ليصبحوا سائقي الأجرة في لندن في الأربعينات، ويحفظون عن ظهر قلب 25000 شارع و20000 معلّم عند تقديم امتحان الرخصة، بل قابلت أحد المرشّحين الحاليّين وهو رجل في أواخر الستّينيّات من عمره. وقد أكّدت لي مديرة اختبارات القيادة وسائقة الأجرة السابقة كاتي تشينيلز بأنّه «يمكن لأيّ شخص اجتياز اختبار القيادة.» وترى بأنّ التحدّي الأكبر هو «تعلّم كيف نتعلّم» أمّا الباقي فهو الالتزام وحسب. لا يوجد سحر وراء الموضوع كما تؤكّد «التكرار، ثمّ التكرار، ثمّ التكرار.» لنتمكّن بعد ذلك من تصوّر كلّ طريق نقود السيّارة فيه. هناك بالتأكيد بعض الحيل اللغويّة من خلال ربط المعالم بأشياء وكلمات أخرى، أو القراءة عن تاريخ بعض المعالم، وتظهر الأبحاث أنّ عمليّة الحفظ هذه توسّع من منطقة الحصين في الدماغ لدى السائقين.
الأخطاء وارتكابها
يعالج بحث علميّ نشر في وقت سابق من هذا العام ظاهرة “تأثير الانحراف” (الخطأ المتعمّد)، حيث من المحتمل أن يؤدّي ارتكاب الأخطاء عن قصد إلى تعزيز الفهم وشحذ الذاكرة، حيث تعلّم المشاركون في الدراسة ممّن ارتكبوا الأخطاء عن قصد، ثمّ صحّحوها ضعف ما تعلّمه أولئك الّذين اختاروا الإجابة الصحيحة من المرّة الأولى. ليظلّ بذلك العقل الإنسانيّ والذاكرة البشريّة من الظواهر الّتي ما زلنا نحاول فهمها والإحاطة بأسرارها.
المصدر: عرب 48