المنطقة بأكملها على فُوّهة بُركان
مُرتبك ومُربك الوضع في إسرائيل، والأراضي الفلسطينية المحتلة عموماً، بحيث يصعب التكهُّن فيما إذا كان ما يجري من تطوّرات سيؤدّي إلى تفجير الأوضاع مع جبهة أو جبهات عديدة خلال الأسابيع المقبلة.
الثابت الواضح، هو أنّ إسرائيل ستواصل تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية و القدس ، خصوصاً في المسجد الأقصى، فيما يُواصل الفلسطينيون المقاومة والتصدّي لحملات الإرهاب الصهيونية.
على مدارِ يومين، شنّت الشرطة الإسرائيلية بحماية الجيش اقتحامات وحشية على المعتكفين في المسجد الأقصى. وبينما لم تتوقّف اقتحامات المستوطنين للمسجد خلال أيام «عيد الفصح» اليهودي، يدعو إيتمار بن غفير الشرطة والمستوطنين لاقتحامٍ واسع للمسجد الأقصى، الأربعاء القادم.
بعد عملية الأغوار، التي قُتِلت فيها مستوطنتان، ارتفعت حرارة الحكومة، التي حشدت المزيد من كتائب وفرق الشرطة و»حرس الحدود» والجيش، وكأنّ إسرائيل كلّها تقاتل على جبهة الضفة الغربية والقدس.
لم تضع إسرائيل في حُسبانها أن تتسع دائرة التهديد إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك انطلاقاً من تقييمٍ خاطئ لمكانة القدس، وردّات الفعل المحتملة جرّاء استهداف المسجد الأقصى.
أربعة وثلاثون صاروخاً من نوع «جراد»، أُطلقت من جنوب لبنان على الشمال، تدّعي إسرائيل أنّ «القبّة الحديديّة» أَسقطت خمسة وعشرين منها، كانت سبباً في جولةٍ من القصف المحدود على غزّة، وجنوب لبنان.
مُؤشّرات توسُّع التهديدات لم تقف عند هذه الحدود، وإنّما شملت تكرار دخول مُسيّرات من لبنان أسقطها الجيش الإسرائيلي، ثم إطلاق ثلاثة صواريخ من الجولان سقط واحد منها في إسرائيل.
هذه المُؤشّرات، ربّما كانت مجرّد رسائل ساخنة توطئة لما هو أكثر جدّية، وشكّلت اختباراً سقط فيه الجيش الإسرائيلي على نحو فاضح.
منذ اللحظة الأولى لسقوط الصواريخ من جنوب لبنان، بادر الجيش الإسرائيلي لتبرئة «حزب الله» ولبنان، في محاولة مكشوفة للتعبير عن رغبة إسرائيلية بتجنُّب الاشتباك مع «حزب الله».
إسرائيل تعوّدت ــ على سبيل المثال ــ تحميل حركة « حماس » التي تسيطر على قطاع غزة ، المسؤولية عن سقوط أي صاروخ، تطلقه جماعات ربّما بغير رغبة الحركة، ما استدعى دائماً قصف مواقع لـ»حماس»، ولكنها لم تفعل الشيء ذاته مع لبنان و»حزب الله».
تعرف إسرائيل أنّ إطلاق أربعة وثلاثين صاروخاً من لبنان لم يكن ليتمّ من دون تنسيق أو معرفة «حزب الله»، ولكنها تجنّبت تحميله المسؤولية، وادّعت أن «حماس» هي المسؤولة رغم أنّ الحركة نفت علنياً أنها من قامت بذلك.
كان لا بدّ في هذه الحالة أن يتمّ الردّ الإسرائيلي على قطاع غزة، في جولةٍ من القصف كانت محدودة، بعلم الوسطاء، وبمُؤشّرات الوضع الميداني، مُدّعية أنّ هذا الردّ جاء على إطلاق صواريخ من غزّة، كانت قد ردّت عليها في حينه.
الردّ الإسرائيلي على ما تدّعي أنّه بسبب إطلاق صواريخ من غزة قبل بضعة أيام قبل إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، لم يكن أكثر من استعراضٍ ضعيف من قبل حكومة بنيامين نتنياهو ، ما يُشير ويؤكد أنّ الردع الإسرائيلي يتآكل، وأنّ إسرائيل تخشى من الدخول في مواجهة سواء مع غزة أو لبنان كل على انفراد، أو على نحوٍ متزامن.
المسؤولون على المستويَين السياسي والعسكري، وكذلك الأمني لم يكفُّوا خلال الأشهر المنصرمة، عن التبجُّح بأنّ الجيش قادر على خوض معركة مع جبهات عديدة في الوقت ذاته، لكن الوقائع الأخيرة، لا تعطي مصداقية لمثل هذه التصريحات التي بدت جوفاء.
البعض يعتقد أن ضعف الردّ الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ ومُؤشّرات التحرُّش بها من لبنان والجولان وغزة، يقع في إطار حسبة سياسية يُديرها نتنياهو، لكن هذه الحسبة تصطدم بضعف جاهزية إسرائيل بسبب هشاشة الأوضاع الداخلية، وما ظهر من تداعيات الأزمة على قطاعات في الجيش والشرطة والمجتمع.
الخشية الإسرائيلية من تدهور الأوضاع إقليمياً تدفع الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات احترازية، في حال وجدت نفسها مُتورّطة في أحداثٍ كبرى بسبب التطرُّف الإسرائيلي، أبرز هذه الإجراءات إرسال غوّاصة «فلوريدا» القادرة على حمل مئة وخمسين صاروخاً من طراز «توما هوك» إلى البحر الأحمر، تقول المصادر الأميركية: إنها لدعم الأمن في المنطقة ولردع إيران عن شنّ هجمات ضد قواتها في الشرق الأوسط.
في الواقع، فإنّ الاستخلاص الأساسي هو أنّ إسرائيل ليست صاحبة مصلحة في تصعيد الاشتباك مع غزة، أو في المحيط، وأن تركيزها الأساسي يقع في الضفة الغربية والقدس.
مع ذلك لا يمكن أن نستبعد، أي مغامرة، من قبل حكومة على هذا المستوى من العنصرية والفاشية، بما أنها تمارس طبيعتها فهي مثل المُدمِن على المُخدّرات، الذي لا يستطيع الصيام عن تناولها لبضعة أيّام، أي أنّها حكومة مُدمِنة على الإرهاب وارتكاب المجازر من دون حساب.
لسنا الوحيدين الذين يقيّمون الوضع في إسرائيل على هذا النحو، فهذا أفيغدور ليبرمان يقول: «لم نشهد كل هذا الانهيار الداخلي من قبل، فالردّ على عملية غور الأردن نكتة مُضحِكة، ونتنياهو يواصل الضعف والانهزامية».
رئيس «المعارضة» يائير لابيد يقول: «مئة يوم قادت حكومة نتنياهو دماراً داخلياً غير مسبوقٍ، والمجتمع الإسرائيلي ينهار، إنّها أكبر أزمة وطنية في تاريخ إسرائيل».
وعلى الرغم من أنّ هذا التخبُّط تقوده الحكومة، فإنها لم تنجح في تحشيد «المعارضة» بدواعي مواجهة خطر على إسرائيل، فلقد انطلقت مسيرة بمئات الآلاف في «تل أبيب»، السبت الماضي، في سياق المعركة ضدّ ما تُسمّى «الإصلاحات القضائية» التي لم يتحوّل عنها نتنياهو وفريقه.
في كلّ الأحوال، فإنّ الحذر سيّد الموقف، لأنّ الذئب الجريح أشدّ خطراً.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر