مرض الدول المتقدّمة الذي ينخر في المجتمعات النامية
انتشار العبوديّة في هذه الصناعات، غالبًا ما يكون مدفوعًا بالطلب على العمالة الرخيصة، إذ أنّه في كثير من الحالات، تسعى الشركات إلى خفض التكاليف عن طريق الاستعانة بمصادر خارجيّة للوظائف في بلدان منخفضة التكلفة، حيث تكون قوانين العمل ضعيفة أو
لطالما اعتُبرت العبوديّة الحديثة ظاهرة عالميّة، وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، والتي تشير إلى استغلال الأفراد لتحقيق مكاسب اقتصاديّة، مثل العمل القسريّ، والاتّجار بالبشر وغيرها، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لاستئصالها، فلا تزال العبوديّة الحديثة منتشرة، وتؤثّر على ملايين الأشخاص حول العالم.
وساهم الشكل الحاليّ للاقتصاد العالميّ، الّذي يتّسم بالسباق نحو مصادر خارجيّة للوظائف في البلدان منخفضة التكلفة، في انتشار العبوديّة الحديثة، وبحسب دراسات، فإنّ الجهود المبذولة للقضاء على العبوديّة الحديثة، يجب أن تهتمّ بالأسباب الجذريّة للمشكلة، مثل الفقر، وعدم الوصول إلى التعليم والفرص الاقتصاديّة، والمواقف والممارسات الثقافيّة، وهذا يتطلّب جهدًا تعاونيًّا من قبل الحكومات ومنظّمات المجتمع المدنيّ والقطاع الخاصّ لتعزيز التنمية الاقتصاديّة المستدامة وضمان حماية العمّال من الاستغلال وسوء المعاملة، بما في ذلك مواجهة السياسات والممارسات الاقتصاديّة الّتي تديم عدم المساواة، وتغذّي الطلب على العمالة الرخيصة.
ويتّسم الاقتصاد الحديث بالعولمة، ممّا أدّى إلى زيادة المنافسة والاستعانة بمصادر خارجيّة للوظائف في البلدان منخفضة التكلفة، وقد أدّى ذلك إلى سباق نحو القاع، حيث تسعى الشركات إلى خفض التكاليف وتعظيم الأرباح من خلال استغلال العمّال في البلدان النامية، وبحسب دراسات عديدة، فإنّ إنّ أحد أهمّ نتائج هذا السباق هو انتشار العبوديّة الحديثة، فوفقًا لتقرير صادر عن منظّمة العمل الدوليّة (ILO)، كان هناك ما يقدّر بنحو 25 مليون شخص يعملون بالسخرة في جميع أنحاء العالم في عام 2016، ممّا أدّى إلى تحقيق أرباح غير مشروعة تقدّر بنحو 150 مليار دولار.
ووجدت دراسة أجرتها مؤسّسة Walk Free أنّ العبوديّة الحديثة أكثر انتشارًا في صناعات مثل الزراعة والبناء والتصنيع، حيث يوجد طلب كبير على العمالة الرخيصة، وفي القطاع الزراعيّ، غالبًا ما يتعرّض العمّال للعمل القسريّ، حيث يطلب منهم العمل لساعات طويلة في ظروف خطرة مقابل أجر ضئيل أو بدون أجر، كما وجدت دراسة أجرتها جمعيّة العمل العادل أنّ العمّال في صناعة صيد الأسماك التايلانديّة تعرّضوا للعمل القسريّ والاتّجار بالبشر، مع احتجاز بعضهم في الأسر لسنوات.
وتنتشر العبوديّة الحديثة في قطاع صناعة الملابس أيضًا، فوفقًا لتقرير صادر عن حملة الملابس النظيفة، غالبًا ما يتعرّض العاملون في صناعة الملابس للعمل القسريّ، حيث يعمل الكثير منهم لساعات طويلة مقابل أجر زهيد في ظروف غير آمنة وغير صحّيّة، وووجد التقرير أيضًا أنّ العمّال غالبًا ما يتعرّضون للإساءة الجسديّة واللفظيّة، ويحرمون من حقوقهم الإنسانيّة الأساسيّة.
وانتشار العبوديّة في هذه الصناعات، غالبًا ما يكون مدفوعًا بالطلب على العمالة الرخيصة، إذ أنّه في كثير من الحالات، تسعى الشركات إلى خفض التكاليف عن طريق الاستعانة بمصادر خارجيّة للوظائف في بلدان منخفضة التكلفة، حيث تكون قوانين العمل ضعيفة أو غير موجودة، ما يسمح لهم باستغلال العمّال دون خوف من التداعيات القانونيّة، وعلاوة عن ذلك فإنّ سلسلة التوريد العالميّة تجعل من الصعب على الشركات مراقبة ظروف العمل والتأكّد من أنّ منتجاتها لا تصنع باستخدام العمالة القسريّة.
وتركّزت الجهود المبذولة للقضاء على العبوديّة الحديثة على استراتيجيّات مختلفة، بما في ذلك التدابير التشريعيّة ومسؤوليّة الشركات. في عام 2015، أدخلت حكومة المملكة المتّحدة قانون العبوديّة الحديثة، والّذي يتطلّب من الشركات الكشف عن جهودها لمنع العبوديّة الحديثة في سلاسل التوريد الخاصّة بهم، كما حدّد القانون دور المفوّض المستقلّ لمكافحة الرقّ، وهو المسؤول عن تنسيق الجهود في هذا المجال للقضاء على هذه الظاهرة. وبالمثل، أصدرت حكومة الولايات المتّحدة قانون حماية ضحايا الاتّجار، والّذي يوفّر الحماية القانونيّة لضحايا الاتّجار بالبشر، ويفرض عقوبات على الجناة.
واضطرّت العديد من الشركات إلى وضع مدوّنات قواعد السلوك وتدابير الشفّافيّة في سلاسل التوريد الخاصّة بها، لضمان عدم تصنيع منتجاتها باستخدام العمالة القسريّة، ومع ذلك، تمّ انتقاد هذه الإجراءات لكونها غير كافية، لأنّها تعتمد على التقارير الذاتيّة من قبل الشركات، ولا توفّر الحماية الكافية للعمّال.
المصدر: عرب 48