صاروخ “أريان 5” يقلع بنجاح إلى المشتري بحثا عن بيئات مؤاتية للحياة
تمكّن المسبار من فتح ألواحه الشمسية التي تبلغ مساحتها 85 مترا مربعا، أي ما يعادل حجم ملعب لكرة السلة، جُهز بها توخيا للحفاظ على الطاقة، إذ إنّ ضوء الشمس أضعف بخمس وعشرين مرة مما هو على الأرض
نجحت الجمعة المحاولة الثانية لإطلاق صاروخ “أريان 5” حاملا المسبار الفضائي الأوروبي “جوس” في مهمة إلى كوكب المشتري وأقماره المتجمدة، بحثا عن بيئات مؤاتية للعيش خارج الأرض.
وأُطلق الصاروخ التابع لوكالة الفضاء الأوروبية من قاعدة كورو الجوية في غويانا الفرنسية عند الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش، حاملا في الجزء الأعلى منه المسبار الذي يعتبر من أبرز المهام العلمية لوكالة الفضاء الأوروبية.
وكانت عملية الإطلاق أرجئت في اللحظة الأخيرة الخميس لمدة 24 ساعة بسبب خطر حصول صواعق.
وقد انفصل “جوس” (اسم مؤلف من الأحرف الأولى لعبارة “مستكشف أقمار المشتري الجليدية” – Jupiter Icy Moons explorer) عن الصاروخ بحسب الخطة الموضوعة بعد 27 دقيقة من الإقلاع، على علوّ يقرب من 1500 كيلومتر. وأعلن مدير العمليات في قاعة التحكم “جوبيتر” وسط التصفيق أن “الانفصال نجح”.
وقال المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية، جوزف أشباخر “كنت متوترا جدا (…) وأنا فخور جدا لأوروبا لأن ’جوس’ أهم بعثة في هذا العقد، والأكثر اتقانا على الإطلاق من المسبارات التي أرسلت حتى اليوم إلى كوكب المشتري”.
أمّا رئيس المركز الوطني الفرنسي لدراسات الفضاء الذي يتولى إدارة مركز غوايانا، فيليب باتيست، فاعتبر عشية الإطلاق أنّها “مهمة استثنائية تُبيّن قدرات أوروبا”.
وخرج كثر من المدعوّين، بينهم الملك البلجيكي فيليب إلى الشرفة، لمشاهدة عملية إطلاق “أريان 5” فوق غابة غويانا.
واعتبر رئيس شركة “أريان سبايس”، ستيفان إسرائيل، في بيان أن مهمة “أريان 5” نجحت. وقال “حظا سعيدا لـ’جوس’ في الرحلة المذهلة التي سينفّذها”.
وأعلنت الفرق بعد دقائق من الانفصال أن تلقّت إشارة من المسبار، مما أثار ارتياحها.
كذلك تمكّن المسبار من فتح ألواحه الشمسية التي تبلغ مساحتها 85 مترا مربعا، أي ما يعادل حجم ملعب لكرة السلة، جُهز بها توخيا للحفاظ على الطاقة، إذ إنّ ضوء الشمس أضعف بخمس وعشرين مرة مما هو على الأرض.
أما المسؤول عن المهمة بأكملها، نيكولا ألتوبيلي، فأوضح أن المسبار “سيفتح هوائياته بعد 17 يوما”. وأضاف “سنحصل على التشخيص النهائي لأدائه بعد ثلاثة أشهر”.
وزُوّدَ “جوس” الذي صممته شركة “إيرباص” عشر أدوات علمية، من بينها كاميرا بصرية ومقياس للطيف التصويري ورادار ومقياس للارتفاع ومقياس للمغنطيسية.
ويشكّل “جوس” الذي بلغت تكلفته الإجمالية 1,6 مليار يورو، أول مهمة أوروبية تدخل النظام الشمسي الخارجي الذي يبدأ بعد المريخ.
وقال رائد الفضاء الفرنسي، توما بيسكيه، الذي حضر الإطلاق إلى جانب رائدة الفضاء الفرنسية، كلودي إينيوريه، وزميلهما الألماني، ماتياس مورر، إن “استكشاف الفضاء يساهم بخطوات صغيرة في توسيع حدود المعرفة”.
واضاف “إذا كنّا في وضع يسمح لنا بالعودة إلى القمر في غضون سنوات قليلة، فذلك بسبب وجود بعثات روبوتية سبقتنا”. واعتبر أن “الاستكشاف الآلي والمركبات المأهولة ذراعان للجهد عينه”.
ورأت رئيسة مشروع “جوس” في المركز الوطني الفرنسي لدراسات الفضاء، كارول لاريغودري، أن إقلاع المركبة الجمعة ليس سوى تمهيد لرحلة “لن تكون هادئة على الإطلاق”.
ولن يبلغ “جوس” قبل سنة 2031 وجهته النهائية الواقعة على مسافة تفوق 620 مليون كيلومتر من الأرض. وستكون رحلة المسبار طويلة ومتعرجة لأنه لا يمتلك طاقة كافية للوصول إلى المشتري عبر مسار مباشر.
وسيتمكن “جوس” من مواصلة رحلته مستفيدا من الجاذبية، معوّلا على استخدام قوة جذب الكواكب الأخرى لاكتساب السرعة.
فهو سيحلّق أولا فوق القمر والأرض، ثم فوق كوكب الزهرة سنة 2025، ثم فوق الأرض مجددا سنة 2029، قبل أن يتوجه نحو عملاق النظام الشمسي وأقماره الجليدية التي اكتشفها غاليليو قبل 400 عام، وأبرزها البركاني آيو والأقمار الثلاثة المتجمدة المواكبة له أوروبا وغانيميد وكاليستو.
وشرحت مديرة العلوم في وكالة الفضاء الأوروبية، كارول مونديل، إلى أن “منظومة المشتري تحتوي على كل مكونات نظام شمسي مصغّر”، واعتبرت عالمة الفيزياء الفلكية أن استكشافه “سيجعل من الممكن دراسة كيفية عمل نظامنا الشمسي، وسيحاول الإجابة على السؤال” هل نحن وحدنا في الكون؟”.
وتتمثل مهمة “جوس” الرئيسية في العثور ليس على الحياة مباشرة، ولكن على بيئات تتيح وجودها. وإذا كان كوكب المشتري نفسه، وهو كوكب غازي، غير صالح للحياة، فإن قمريه أوروبا وغانيميد من أفضل الأقمار التي يمكن درس إمكان قابليتها للسكن، إذ يخفيان تحت سطحهما الجليدي محيطات من المياه السائلة التي تُعدّ الشرط الرئيسي لظهور أشكال الحياة.
ويركّز المسبار على غانيميد، أكبر أقمار المجموعة الشمسية، والوحيد أيضا الذي يمتلك مجالًا مغناطيسيا خاصا به يحميه من الإشعاع. ومن المقرر أن يدخل “جوس” مدار غانيميد سنة 2034، وهو ما سيكون سابقة.
وقال جوزف أشباخر إن المحيطات التي قد تُكتشف تحت الجليد ستكون “بعمق عشرات الكيلومترات، أعمق بكثير من المحيطات على كوكب الأرض”.
ويكمن تحدي “جوس” في معرفة تكوين هذه المحيطات، لمعرفة ما إذا كان من الممكن أن تنمو فيها منظومة بيئية. وقالت لاريغودري “نعلم أن على كوكب الأرض بحيرة تحت جليدية (في أنتاركتيكا) حيث وجدنا نوعًا من المخاط الذي ينمو – وبالتالي وجدنا أحد أشكال الحياة”.
ويأتي إطلاق المسبار في خضمّ أزمة صواريخ فضائية تعانيها أوروبا، إذ لم تعد لديها تقريبا القدرة على إجراء رحلات مستقلة إلى الفضاء، نظرا إلى سحب صواريخ “سويوز” الروسية من كورو، وتأخّر “أريان 6” وفشل رحلة “فيغا سي” التجارية الأولى.
ورحلة الجمعة هي ما قبل الأخيرة لصاروخ “اريان 5” قبل دخول خلفة “أريان 6” الخدمة في نهاية 2023.
المصدر: عرب 48