تواصل المعارك في الخرطوم عشية عيد الفطر والبرهان يرفض أيّ حوار مع دقلو
عبر آلاف السودانيين الحدود إلى تشاد للفرار من القتال في منطقة دارفور الغربية وهرب آلاف آخرون من العاصمة الخرطوم إذ تجدد إطلاق النار بكثافة يوم الخميس مع انهيار أحدث وقف لإطلاق النار، وسط دعوات لهدنة خلال عيد الفطر.
من المواجهات في الخرطوم (أ.ب.)
تواصل إطلاق النار ودويّ الانفجارات في الخرطوم، اليوم الخميس، عشية عيد الفطر، فيما أكّد قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتّاح البرهان، رفضه “أيّ حديث في السياسة” مع حليفه السابق الذي بات عدوّه اللدود، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو.
وبينما يحاول المجتمع الدولي انتزاع وقف لإطلاق النار من قائدي الجيش وقوات الدعم السريع في نزاعهما على السلطة، حذّر البرهان في حوار عبر الهاتف مع قناة “الجزيرة” من أنّه “لا خيار إلا الحسم العسكري” إذا لم تَعُد قوات الدعم السريع إلى مواقعها في كانون الأول/ ديمسبر الماضي.
وشدّد قائد الجيش، في الوقت ذاته، على رفضه أيّ حديث “مباشر” مع دقلو الملقّب بـ”حميدتي”، ملمّحًا إلى أنّ الطموحات الشخصية للأخير بحكم السودان هي الدافع الأساسي لهذا النزاع، وقال البرهان إنه لا يمكنه أن يرى شريكا في الوقت الحالي في المفاوضات بشأن إنهاء الصراع.
وصرح البرهان في مداخلته الهاتفية، بأنه لا يوجد خيار آخر غير الحل العسكري. واتهم عناصر في قوات الدعم السريع شبه العسكرية بإغلاق الطرق ومنع الناس من حرية التنقل في العديد من المناطق. وأضاف أنه لا يمكن تنفيذ هدنة حقيقية في ظل هذه الظروف.
دعوات لهدنة خلال العيد
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، في أعقاب اجتماع افتراضي عقده مع مسؤولين من الاتّحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمات إقليمية أخرى، طرفي القتال في السودان إلى الالتزام بهدنة “لمدة 3 أيام على الأقلّ” لمناسبة عيد الفطر الذي يحتفل به السودانيون يوم غد، الجمعة.
وجاءت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة في وقت خلّفت فيه الاشتباكات المستمرّة منذ 15 نيسان/ أبريل الجاري، خصوصًا في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور (غرب)، “أكثر من 330 قتيلاً و 3200 جريح”، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وحثت وزارة الخارجية الأميركية طرفي الصراع في السودان على تمديد وقف إطلاق النار حتى نهاية عطلة عيد الفطر. وقالت إن واشنطن ترى أن وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة الذي أُعلن أمس الأربعاء صمد إلى حد كبير على الرغم من تجدد إطلاق النار الكثيف.
آلاف السودانيين يفرون مع احتدام القتال
وفي الخرطوم التي يبلغ عدد سكانها أكثر من خمسة ملايين نسمة، تسرع العائلات بالخروج إلى الطرق والفرار هربًا من الغارات الجوية والرشقات النارية والمعارك في الشوارع.
وقال أحد النازحين الذين فروا من العاصمة بحثا عن مكان أكثر أمانًا، إن “رائحة الموت والجثث تخيّم على بعض أحياء وسط العاصمة”.
وعلى بُعد عشرات الكيلومترات من العاصمة، تستمرّ الحياة بشكل طبيعي وتفتح المنازل لاستقبال النازحين الذين يصلون في حالة صدمة، بسياراتهم أو مشيا لساعات على الأقدام مع ارتفاع سعر البنزين إلى عشرة دولارات لليتر الواحد في أحد أفقر بلدان العالم.
وللوصول إلى مكان آمن، خضع هؤلاء لأسئلة وتفتيش رجال متمركزين على نقاط مراقبة تابعة لقوات الدعم السريع وأخرى تابعة للجيش.
وكان عليهم خصوصا التقدم في مسيرهم وسط جثث على أطراف الطريق ومدرعات وآليات صغيرة متفحمة بعد احتراقها في المعارك بالأسلحة الثقيلة، وتجنب أخطر المناطق التي تتصاعد منها أعمدة الدخان الأسود الكثيفة.
ومنذ تحول النزاع على السلطة الكامن منذ أسابيع بين الفريقين إلى معركة ضارية، السبت الماضي، يبدو الوضع ملتبسا للسودانيين البالغ عددهم 45 مليون نسمة.
ولا يكفّ الطرفان عن إطلاق وعود بهدنات لم تتحقّق.
ودوّت الانفجارات مجدّدًا، الخميس، في الخرطوم وفي الأبيّض على بُعد 350 كيلومترًا جنوب العاصمة.
وفي الشوارع المليئة بالركام، من المستحيل معرفة من الذي يسيطر فعليا على مؤسسات البلاد.
ويطلق كلّ من الجانبين إعلانات عن انتصارات واتهامات للطرف الآخر. لكن لا أحد يستطيع التحقق ممّا يتم تداوله على الشبكات الاجتماعية.
توقف 70% من مستشفيات الخرطوم عن الخدمة
وذكر أطباء أنّ سلاح الجو الذي يستهدف قواعد ومواقع قوات الدعم السريع المنتشرة في المناطق المأهولة بالخرطوم، لا يتردّد في إلقاء قنابل على مستشفيات أحيانًا.
وقالت نقابة أطباء السودان المستقلة إنه خلال خمسة أيام “توقف عن الخدمة 70% من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضررة من القتال”، إمّا لأنها قُصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى.
واضطرت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية.
ومنذ السبت في الخرطوم، استنفد عدد كبير من العائلات مؤنها الأخيرة وتتساءل متى ستتمكن شاحنات الإمداد من دخول المدينة.
وقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور في بداية القتال. ولم تعد الأمم المتحدة تحصي عمليات “النهب والهجمات” على مخزونها وموظفيها، وهي تدين “العنف الجنسي ضد العاملين في المجال الإنساني”.
ووسط هذه الفوضى العارمة، أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري، صباح الخميس، أنّ ثلاث طائرات وصلت الأربعاء من السودان وعلى متنها غالبية العسكريين المصريين الذين كانوا في مهمة في السودان.
وشدّد المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري على “صحة وسلامة كافة العناصر المصرية التي وصلت الى أرض الوطن وكذا المتواجدة بمكتب الدفاع بالسفارة المصرية بالخرطوم”.
والخميس، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنّ الولايات المتّحدة بصدد إرسال عسكريين إلى المنطقة تحسّبًا لاحتمال إجلاء طاقم سفارتها في الخرطوم.
وفرّ ما بين 10 آلاف و20 ألف شخص من المعارك الجارية في السودان بحثاً عن ملاذ في تشاد المجاورة، وفقاً لفرق تابعة لمفوضية الأمم المتّحدة السامية لشؤون اللاجئين موجودة على الحدود.
المصدر: عرب 48