يكسبون رزقهم من عيون الناس !
وعرفت البشرية طب العيون، منذ القرون الوسطى، وكان طبيب العيون أو (الکحّال) عضواً شرفياً في مهنية الطب برعاية الدولة العباسية، ويحتل طبيب (الأحداق) مكانة مرموقة في المجتمع، واعتبر العلماء المسلمون في القرون الوسطى أنه من المهم الجمع بين العلوم النظرية والممارسة، بما في ذلك صناعة الأدوات اللازمة للمعالجة البصرية؛ ووصل عدد الأدوات المتخصصة المستخدمة في عمليات العين إلى العشرات، وكانت من تلك الأدوات (إبرة الحقنة) التي اخترعها عمار بن علي الموصلي، وتم استخدامها أداة لاستخراج وشفط العدسة المعتمة (السّاد) من العين المصابة، وكانت عمليّة شائعة.
وعمل يوحنا بن ماسويه على (تحوير العين) في القرن الثامن الميلادي، ولعلها أول عملية في طب وجراحة العيون، وله كتاب (دغل العين) كتاب تعليمي في تاريخ طب العيون عند العرب، ويتميز أسلوب هذا الكتاب بحيوية بارزة، ويعطي أهمية كبيرة إلى عملية استجواب المريض، ويسرد الأعمال الجراحية؛ ثم حنين بن إسحاق، واشتهر في الغرب في القرن التاسع الميلادي، بكتبه (المقالات العشر في العين) و(حكمة العين) و(مسائل في العين). وفي القرن العاشر الميلادي اشتهر علي بن عيسى الكحال، وهو من أعظم الأطباء في تاريخ طب العيون عند العرب، وله كتاب (تذكرة الكحالين) انطلق فيه على منهج علمي حسب تشريح العين، بدأ بأمراض الأجفان وأمراض جهاز الدمع، والتهاب الملتحمة، وأمراض القرنية والقزحية، ويشخص ماهية المرض وطبيعته، ثم يذكر أعراضه، وعلاماته، وأوصافه، وميزاته، وأسباب هذا المرض، وكيفية معالجته بأسلوب علمي واضح.
فيما شخص قدماء المصريين الكثير من أمراض العيون، واكتشفوا العديد من الأعشاب التي تعالج أمراضها، واستعملوا أدوية من أصل معدني أو حيواني، وعرفوا أيضاً بعض الطرائق الجراحية، واستفاد الإغريق من الطب المصري القديم بشهادة المؤرخين القدامى.
وأسس الإيطالي (سقراط بولارا) أول عيادة متخصصة لطب العيون في صقلية في عام 1829.
البسام والحجار رائدا طب العيون في المملكة
يعد الدكتور حمد عبدالله الحمد البسام، أول طبيب عيون في المملكة، وتخرج من كلية الملك إدوارد الطبية؛ التابعة لجامعة بومباي الهندية، والدكتور حيدر عثمان الحجار هو أول طبيب سعودي في المنطقة الغربية، درس في دمشق، وأتم طب العيون في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) ويعد رائد طب العيون في المملكة، وأول مدير مستشفى في العاصمة الرياض، وأول مدير عام للتعليم الطبي، طبقاً لما ورد في وثائق دارة الملك عبدالعزيز.
نصائح لسلامة العين
أكد ابن عباس على ضرورة الفحص الدوري للعين كل عام أو عامين للتأكد من سلامة ضغط العين، خصوصاً عند ثبوت الإصابة بالسكر فالشبكية تحتاج مراجعة دورية، وكذلك مع وجود: احمرار، حكة، إفرازات، آلام، أو أعراض غريبة في العين، وارتداء النظارات الشمسية عند التعرض لأشعة الشمس خصوصا في وقت الذروة، وعدم لمس العين إلا بعد غسل اليدين بالماء والصابون، والحذر من استخدام أدوات المكياج منتهية الصلاحية، أو أنواعها الرديئة، أو المعروضة في المحلات التجارية للتجربة، أو تلك التي تخص الآخرين، وعدم الجلوس لوقت طويل أمام شاشة الحاسوب أو التلفاز، واستخدام إضاءة مناسبة في الغرفة عند القراءة، والحصول على فترة كافية من النوم في الليل، وتجنب السهر، والمحافظة على رطوبة العين؛ وذلك بشرب كميات كافية من الماء، واستخدام القطرات المرطبة (الدموع الاصطناعية) في حالة جفاف العين، وذلك بعد استشارة الطبيب، وتناول الطعام الصحي الذي يحتوي على الفيتامينات المهمة للعين، وضع كمادات ماء ساخن على العين مفيد في بعض حالات الجفاف، ووضع كمادات ماء بارد على العين مفيد في بعض حالات احمرار العين، والقيام بتمارين العين التي تسهم في تقوية النظر، ومن هذه التمارين: الإمساك بقلم وتركيز النظر عليه، وتقريبه إلى الأنف بشكل تدريجي، ثم إبعاده عن العين لأقصى مدى؛ إذ إن هذا التمرين يساعد على تقوية النظر.
طبيقي: «الصب تفضحه عيونه»
عد استشاري أمراض العيون الدكتور فيصل الطبيقي؛ العين نافذة للدماغ، والعصب الوحيد الذي تراه عصب العين، ويمكن من العين لرؤية كامل الجسم، إذ من خلال فحص العين يستطيع الطبيب تشخيص الكثير من الأمراض منها السكري وارتفاع ضغط الدم وبعض أمراض الدم والأمراض المعدية وبعض أنواع السرطانات والأورام، وأوضح أنه يمكن اكتشاف العاشق من عينيه بدون أجهزة؛ مستعيداً قول المتنبي «وإذا خامر الهوى قلب صبٍّ، فعليه من كل عينٍ دليلُ» وقول أحمد رامي «الصبّ تفضحه عيونه»، فالعاشق سهل رصد ردة فعله بتوسع حدقة العين وقت الخوف والعاطفة الجياشة، مشيراً إلى أن هناك عمليات تجميل للعين من خلال تثبيت الجفن النازل، والدهون الزائدة تحت العين، والتجعدات والترهلات، وحقن للعيون الغائرة، وعن العدسات اللاصقة والتدليس على العرسان قال ليس فيها تدليس شأنها شأن المكياج، وأوصى مستخدمي العدسات التجميلية والطبية ألا يناموا بها، وألا تنشف، وألا تغسل إلا بمحلول خاص بالعدسات، ولا تغسل بموية حماية للقرنية من التقرحات، وأكد أن مهنة الطب وطب العيون مهنة إنسانية بصرف النظر عن المردود المادي، مؤكداً أنه لا يفلح من يقدم الماديات على الواجب المهني والأخلاقي، وعدّ معالجة المرضى تسخير رباني ومهني كونها خدمة إنسانية وأداء الدور المناط بكل متخصص.
الشعر العربي
يكحّل أبياته بالحَوَر
اعتنى الشعر العربي بالعيون ولا يكاد يخلو عصر من العصور من تشبيب بذات الخمار، وتكحيل أبياته بالحور فالمتنبي العظيم قال «فلا أمرّ برسمٍ لا أسائلهُ، ولا بذات خمارٍ لا تُريقُ دمي» وذو الرمة وصف العين وصفاً شفيفاً بقوله «وعينان قال الله كونا فكانتا، فعولان بالألباب ما تفعل الخمر» وجرير خلدته أبياته «إِنَّ العُيونَ الَّتي في طَرفِها حَوَرٌ؛ قَتَلنَنا ثُمَّ لَم يُحيِينَ قَتلانا، يَصرَعنَ ذا اللُبَّ حَتّى لا حِراكَ بِهِ، وَهُنَّ أَضعَفُ خَلقِ اللَهِ أَركانا». ولبشارة الخوري «جفنه علّم الغزل، ومن العلم ما قتل».
يؤكد استشاري أمراض وجراحة العيون الدكتور صالح بن عباس أن المهن والحرف تقوم على تبادل منافع، ولا يتبرم من مقولة «رزق طبيب العيون يأخذه من عيون الناس»، موضحاً أن تخصص طب العيون كان من التخصصات النادرة، وبعيد عن الاهتمام ولم يكن يدرس طالب الطب طيلة دراسته أكثر من شهر واحد (كورس طب عيون) ومعظم الأطباء كانوا وافدين، أو شعبيين يقشعون المياه البيضاء. وعد مستشفى الملك خالد من أرقى المستشفيات، وكانت التوقع أنه سيغطي احتياجات المملكة وزيادة، إلا أن المعطيات والتنامي المتسارع أثبت العكس، زادت أعداد المحتاجين لخدمة طب العيون، وأوضح أنه من اللافت اليوم ارتداء النظارات، بحكم ما لحق بالعيون من متاعب بحكم تغير العادات الاجتماعية والحياتية، فزادت نسبة الإصابات بالسكري، إلى 25%، ودخول الأجهزة الحديثة، التي أضعفت قوة النظر، لافتاً إلى أن أشهر أمراض العيون تتمثل في (المياه البيضاء، والزرقاء، جفاف العين، القرنية المخروطية، التهاب القرنية، انفصال الشبكية، حساسية العين، انحراف النظر، والعيوب الانكسارية؛ قصر النظر، طول النظر، اللابؤرية الاستجماتيزم). وتيبس العدسة بسبب المياه البيضاء، وارتفاع ضغط العين، يسبب يميت ألياف العصب البصري، وعتامة النظر عند الأطفال، والحول، وورم العين، مؤكداً أن كثيراً من أمراض العيون غدا من ذكريات الماضي بسبب تقدم المملكة طبياً ومنها التراخوما والأمراض الناجمة عن الجدري والحصبة.
أشهر
أمراض العيون وأسبابها