كيف تؤثّر التكنولوجيا على الذاكرة البشريّة؟
ثبت أنّ للتكنولوجيا تأثيرًا سلبيًّا على الذاكرة طويلة المدى، حيث وجدت دراسة نشرت في مجلّة “ساينس”، أنّ الأفراد الّذين سمح لهم بالتقاط صور للأشياء واجهوا صعوبة في تذكّرها أكثر من أولئك الّذين لاحظوا الأشياء ببساطة دون التقاط الصور
أحدث ظهور التكنولوجيا ثورة في الطريقة الّتي نعيش بها ونعمل ونتفاعل مع بعضنا البعض، وفي حين أنّ التكنولوجيا قد جلبت بلا شكّ العديد من الفوائد، فقد كان لها أيضًا تأثير كبير على العقل البشريّ، لا سيّما فيما يتعلّق بالذاكرة.
وأحد أهمّ الآثار السلبيّة للتكنولوجيا على العقل البشريّ هو تأثيرها على مدى الانتباه، ومع ظهور الهواتف الذكيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ والمشتّتات الرقميّة الأخرى، أصبح الأفراد أكثر عرضة للإلهاء، ويواجهون صعوبة في التركيز على مهمّة لفترة طويلة من الزمن، يعرف هذا باسم “الهاء الرقميّ” وقد ثبت أنّ له تأثيرًا سلبيًّا على الذاكرة.
ووجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا، أنّ التشتيت الرقميّ يمكن أن يؤدّي إلى انخفاض سعة الذاكرة العاملة، كما خلصت الدراسة إلى أنّ الأفراد الّذين تمّت مقاطعتهم بواسطة إشعار رقميّ أثناء أداء مهمّة كان أداؤهم أسوأ بكثير من أولئك الّذين لم تتمّ مقاطعتهم، ويشير هذا إلى أنّ الوابل المستمرّ من المشتّتات الرقميّة يمكن أن يضعف قدرتنا على تذكّر المعلومات ومعالجتها.
وثبت أنّ للتكنولوجيا تأثيرًا سلبيًّا على الذاكرة طويلة المدى، حيث وجدت دراسة نشرت في مجلّة “ساينس”، أنّ الأفراد الّذين سمح لهم بالتقاط صور للأشياء واجهوا صعوبة في تذكّرها أكثر من أولئك الّذين لاحظوا الأشياء ببساطة دون التقاط الصور، واقترحت الدراسة أنّ التقاط صور للأشياء قد يؤدّي إلى “التفريغ المعرفيّ”، حيث يعتمد الأفراد على التكنولوجيا لتذكّر الأشياء من أجلهم، بدلًا من الاعتماد على ذاكرتهم الخاصّة، كما وجدت دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة ويسكونسن ماديسون أنّ الأفراد الّذين يعتمدون على التكنولوجيا لتذكّر المعلومات قد يواجهون صعوبة أكبر في الاحتفاظ بهذه المعلومات على المدى الطويل، ووجدت الدراسة أنّ المشاركين الّذين قيل لهم إنّ بإمكانهم الرجوع إلى جهاز كمبيوتر للحصول على معلومات لاحقًا، واجهوا صعوبة في تذكّر تلك المعلومات أكثر من أولئك الّذين لم يتمّ منحهم هذا الخيار.
وفي سياق متّصل، وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة “ستافنجر” النرويجيّة، أنّ الأفراد الّذين قرأوا من كتاب مادّيّ كانوا قادرين على تذكّر المعلومات بشكل أفضل من أولئك الّذين يقرؤون من جهاز إلكترونيّ، كما قالت الدراسة إنّ الأفراد الّذين يقرؤون من جهاز إلكترونيّ يواجهون صعوبة في تذكّر ترتيب الأحداث وتفاصيل القصّة، ويشير هذا إلى أنّ التنسيق الّذي نستهلك به المعلومات يمكن أن يكون له تأثير كبير على قدرتنا على تذكّر تلك المعلومات.
ومن التأثيرات التي يتمّ إجراء الاختبارات والتجارب عليها، هي ظاهرة “فقدان ذاكرة غوغل”، ويشير هذا المصطلح إلى ميل الأفراد إلى الاعتماد على محرّكات البحث لتذكّر المعلومات، بدلًا من الاعتماد على ذاكرتهم الخاصّة، حيث وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة “كولومبيا” أنّ الأفراد من المرجّح أن يتذكّروا مكان العثور على المعلومات على الإنترنت أكثر من تذكّر المعلومات نفسها، وأشارت الدراسة إلى أنّ سهولة الوصول إلى المعلومات من خلال محرّكات البحث قد تؤدّي إلى الاعتماد على التكنولوجيا لتذكّر الأشياء بالنسبة لنا، بدلًا من الاعتماد على ذاكرتنا الخاصّة، كما وجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة “نوتردام” أنّ الأفراد الّذين قرأوا من كتاب مادّيّ كانوا أكثر قدرة على تذكّر وفهم المعلومات الّتي قرأوها من أولئك الّذين قرأوا من جهاز إلكترونيّ، حيث أنّ التجربة اللمسيّة لقراءة كتاب مادّيّ قد تساعد الأفراد على تكوين علاقة أعمق بالمعلومات الّتي يتعرّضون لها، ممّا يؤدّي إلى الاحتفاظ بهذه المعلومات بشكل أفضل.
وبحسب خبراء، فلا تقتصر الآثار السلبيّة للتكنولوجيا على البالغين فحسب، وإنّما تمتدّ إلى الأطفال أيضًا، حيث أظهرت بعض الدراسات أنّ الوقت المفرط أمام الشاشات يمكن أن يكون له تأثير سلبيّ على التطوّر المعرفيّ والاجتماعيّ للأطفال، حيث أنّ الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين أمام الشاشات، كان أداؤهم أسوأ في اختبارات اللغة والتفكير من أولئك الذين يقضون وقتًا أقلّ أمام الشاشات.
المصدر: عرب 48