بكاء السيسي أمام ضريح الرّسول
أدى الرّئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مناسك العُمرة في مكة المكرمة، ونشرت لهُ صور في ملابس الإحرام، وأخرى وهو يبكي أمام ضريح الرّسول، صلى الله عليه وسلم، في المدينة المنورة، وذلك على هامش مؤتمر القمة العربية الأخير في جدّة.
أن يعتمر رئيس مسلم عند زيارة السعودية فهذا مفهوم وعادي، ولكن البكاء عند قبر الرسول يثير التساؤل.
الذين يبكون عند قبر الرّسول عادة هم مؤمنون غلبهم الشوق إلى رسول الله، ويثير مشاعرهم ما سمعوا وقرأوا عنه، ويعتبرونه شفيعهم يوم القيامة.
بعض من يبكون هم أولئك الذين يحلمون بلقائه في الآخرة، يبكون شوقًا، وربما يبكي بعضهم ندَما على ما فاته من طاعة الله ورسوله، ويكون البكاء نوعًا من التطهير الروحي والراحة النفسية والجسدية.
وهناك من يبكون عند الرسول، صلى االله عليه وسلم، على الحال الذي وصلته الأمة من ضعف وتشتّت واستقواء الأمم عليها، هؤلاء يبكون كمدًا وحسرة على ما أصاب هذه الأمة من وهن من بعد قوّة، يبكي هؤلاء كأنّهم يشكون أمرهم إلى الرسول.
البعض يبكي حزنا على أموال خسرها في تجارته، وعلى ذنوب اقترفها هو نادمٌ عليها، والبعض ظلمه جاره، أو زوجه، أو أحد أبنائه، أو أشقائه، وأكثرهم يبكي فرحًا، لأنّه تمكّن أخيرًا من الوصول إلى هذا المكان المقدّس.
من المثير فعلا أن يبكي السّيسي عند ضريح الرسول كأنّه درويش من الدراويش.
أغلب الظن أنّه بعمرته ومنظره الباكي أراد أن يبعث رسالة إلى الشّعب المصري، لكسب رضى وتعاطف فئات عريضة من المجتمع المصري المؤمن والبسيط.
الجنرال عبد الفتاح السّيسي بعد انقلابه على السلطة، وكي يظهر فقيرا من عامة الشعب المصري، أقسَم بالله العظيم ثلاثًا، بأنّه لم يدخل ثلاجته سوى الماء على مدار ثماني سنوات، أي أنّه كان يعيش تحت الفقر بدرجات كثيرة، كل هذا وكان قد عينه د. محمد مرسي وزيرًا للدفاع.
هذا ليس مهمّا أمام الثمن الذي جباه السّيسي من الشعب المصري والأمة العربية عند اغتصابه السلطة من رئيس منتخب، وثق به وعينه وزيرا للدفاع، فانقلب عليه ثم قتل وجرح واعتقال الآلاف من معارضي الانقلاب في ساحتي رابعة والنهضة، وصدرت الأحكام الكثيرة في السجن لمدد طويلة وبالإعدام لآلاف المصريين! ثم رفعت جثث المصريين بالجرافات من ساحة رابعة كأنّها قُمامة، واعتقل الرئيس المنتخب في ظروف قاسية، حتى فاضت روحه قهرًا في السّجن، ودفن من غير جنازة شعبية، بل بحضور عددٍ محدود جدًا من أبناء أسرته. استمرت الاعتقالات لمدد طويلة وحتى إصدار أحكام الإعدام بتهمة الانتماء إلى منظمات إرهابية حتى يومنا هذا.
انقلاب السيسي على أول رئيس مصري مدني منتحب شكّل طعنة هائلة إلى ظهر الأمّة المتعطشة إلى الديمقراطية، والتي انتظرت طويلا الوصول إلى مرحلة حرية التعبير وانتخاب رئيس بصورة سرية وديمقراطية وشرعية.
انتزع الشّعب المصري تلك اللحظة بعدما كانت تبدو مستحيلة، وشكلت نورًا في آخر النفق، لعلّ وعسى أن تكون مصر الدولة العربية الأكبر قدوة ونموذجًا لغيرها من الدول العربية، إلا أنّ طعنة السيسي للرئيس المنتخب ثم الزّج به في السجن أعادت الوضع إلى ما سبق ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، خصوصًا وأنّه في البداية زعم أنه لا يريد كرسي السلطة، إلا لفترة وجيزة كي يعيد الأمور إلى نصابها، ومن ثم يعيدها إلى السُّلطة المدنية، ولكنه ما لبث أن سن قوانين تسمح له بالبقاء في السلطة، بعد انتخابات شكلية أجراها عام 2014 وبعد سجن معارضيه، ثم انتخابات شكلية عام 2018 ومرة أخرى تعديلات دستورية تتيح له البقاء في السلطة حتى 2030، على نهج جميع الدكتاتوريات. وبلغ عدد السجناء السياسيين بتهم شتى منذ الانقلاب عشرات آلاف السجناء، تدخل أفواجٌ وتخرج أفواج، أحيانا بسبب ضغوط دولية، وقد ازداد عدد السجون الكبيرة في مصر حوالي أربعين سجنًا إضافية منذ 2011 بحسب اعتراف السُّلطات نفسها، لتحتوي عشرات آلاف المعتقلين.
أما التهم التي توجه للمعتقلين، فهي إثارة الفتنة، ودعم الإرهاب، والتحريض على التمرّد، والمسّ بأمن مصر، والإساءة لأعضاء برلمان، والإساءة إلى سمعة مصر وغيرها من ابتكارات الدكتاتوريات لقمع المعارضين.
السيسي اغتصب السّلطة بالقوة، وقطف ثمرة جهود الشعب المصري وتضحياته، أرواح الآلاف من الضحايا، لن تطهرها دموع أغلب الظن أنها زائفة واستعراضية، والله أعلم.
المصدر: عرب 48