تهديد حيواني مستمر للصحّة العامّة
الحمّى المالطيّة متوطّنة في أجزاء كثيرة من العالم، مع ما يقدّر بنحو 500000 حالة بشريّة جديدة يتمّ الإبلاغ عنها سنويًّا
تعرف الحمّى المالطيّة أو “حمّى البحر الأبيض المتوسّط” بأنّها مرض حيوانيّ المنشأ شديد العدوى تسبّبه بكتيريا من جنس البروسيلا، وتؤثّر هذه الحالة المنهكة على أنواع مختلفة من الثدييّات، بما في ذلك البشر، وتشكّل مخاطر صحّيّة كبيرة. وينتقل داء البروسيلات في المقام الأوّل من خلال الاتّصال المباشر مع الحيوانات المصابة أو استهلاك منتجات حيوانيّة ملوّثة، وعلى الرغم من التقدّم في الرعاية الصحّيّة، لا يزال مرض البروسيلا مصدر قلق عالميّ مستمرّ، لا سيّما في البلدان النامية حيث ممارسات إدارة الثروة الحيوانيّة والبنية التحتيّة للصحّة العامّة محدودة.
والحمّى المالطيّة متوطّنة في أجزاء كثيرة من العالم، مع ما يقدّر بنحو 500000 حالة بشريّة جديدة يتمّ الإبلاغ عنها سنويًّا، والمرض له توزيع جغرافيّ واسع، منتشر في المناطق الّتي تنتشر فيها تربية الماشية، حيث أظهرت الدراسات أنّ بعض المجموعات المهنيّة، مثل الأطبّاء البيطريّين وعمّال المجازر والمزارعين، أكثر عرضة للإصابة بداء البروسيلات بسبب اتّصالهم الوثيق بالحيوانات المصابة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ استهلاك منتجات الألبان غير المبسترة، وخاصّة في المجتمعات الريفيّة، يساهم بشكل كبير في انتقال المرض.
وتشمل أنواع البروسيلا الّتي تصيب الإنسان بشكل شائع البروسيلا ميليتينسيس، البروسيلا أبورتس، البروسيلا السويسريّة ونادرًا البروسيلا الكانيس، ويتنوّع العرض السريريّ لداء البروسيلات بشكل كبير، ويتراوح من الأعراض غير المصحوبة بأعراض أو أعراض شبيهة بالأنفلونزا الخفيفة إلى المضاعفات الشديدة الّتي تؤثّر على أعضاء متعدّدة، وأشارت الدراسات إلى أنّ بعض السكّان، مثل الأطفال والنساء الحوامل والأفراد الّذين يعانون من نقص المناعة، أكثر عرضة للإصابة بأشكال حادّة من المرض.
والتشخيص الدقيق أمر بالغ الأهمّيّة للإدارة الفعّالة لمرض البروسيلا ومكافحته، حيث تتوفّر العديد من الاختبارات المعمليّة، بما في ذلك المقايسات المصلية والطرق الجزيئيّة والتقنيّات المستندة إلى الثقافة، والاختبارات المصلية، مثل اختبار Rose Bengal، واختبار التراص الأنبوبيّ القياسيّ (SAT)، ومقايسة الممتزّ المناعيّ المرتبط بالإنزيم (ELISA)، تستخدم على نطاق واسع في الفحص الأوّليّ نظرًا لحساسيّتها العالية وخصوصيّتها، وغالبًا ما يتطلّب تأكيد الإصابة عزل وتعريف نوع البروسيلا من خلال زرع الدم أو نخاع العظام، على الرغم من أنّ هذه العمليّة قد تستغرق وقتًا طويلًا وتتطلّب مرافق متخصّصة.
ويعدّ البدء المبكّر في العلاج المناسب بمضادّات الميكروبات أمرًا ضروريًّا لتقليل مخاطر حدوث مضاعفات مزمنة، والدوكسيسيكلين بالاشتراك مع الريفامبيسين أو الستربتومايسين هو أكثر نظم العلاج الموصى بها شيوعًا لمرض البروسيلا، ومع ذلك، ظهرت مقاومة الأدوية كمصدر قلق كبير في السنوات الأخيرة، ممّا يؤكّد الحاجة إلى المراقبة الدقيقة لنتائج العلاج وتطوير خيارات علاجيّة جديدة.
وتتطلّب الوقاية من الحمّى المالطيّة اتّباع نهج شامل للصحّة الواحدة يشمل صحّة الحيوان والإنسان، حيث
أثبت تطعيم الماشية، باستخدام اللقاحات الحيّة المضعّفة في المقام الأوّل، فعاليّته في الحدّ من انتشار داء البروسيلات في الحيوانات، على سبيل المثال، تمّ استخدام لقاح Rev-1 بنجاح للسيطرة على Brucella melitensis في المجترّات الصغيرة، وتعتبر ممارسات تربية الحيوانات المحسنة، مثل اختبار الحيوانات المصابة وإعدامها، والحجر الصحّيّ على الإضافات الجديدة للقطعان، وممارسة تدابير الأمن البيولوجيّ الجيّدة، ضروريّة لتقليل انتقال العدوى إلى البشر.
ولا يزال داء البروسيلات مصدر قلق كبير للصحّة العامّة في جميع أنحاء العالم بسبب استمراره، والعروض السريريّة المتنوّعة، واحتمال حدوث مضاعفات مزمنة، حيث ألقت الدراسات الحديثة الضوء على جوانب مختلفة من المرض، بما في ذلك علم الأوبئة والتشخيص والعلاج والوقاية، ويعدّ تحسين ممارسات إدارة الثروة الحيوانيّة، وتنفيذ استراتيجيّات التطعيم الفعّالة، وتعزيز البنية التحتيّة للصحّة العامّة من الأمور الحاسمة للسيطرة على انتشار داء البروسيلات.
المصدر: عرب 48