ظاهرة تمزيق الطلاب لدفاترهم وكتبهم عند انتهاء العام الدراسي
حقا نحن أمام ظاهرة غريبة .. بدأت تنتشر منذ عدة سنوات في مجتمعنا .. ألا وهي ظاهرة تمزيق التلاميذ لكتبهم ودفاترهم بل وتحطيم بعض محتويات القرطاسية الخاصة بهم في بعض الأحيان عند نهاية العام الدراسي.. ربما يتحدث الكثير من الناس والمهتمين بالشأن التعليمي خاصة عن هذا السلوك المُشين، ويكيلون الشتائم والمَسَبّات لأولئك الطلاب غير المُهَذَّبِين والحمقى والفَشَلَة وغير ذلك من الصفات الرديئة والمشينة بحق أولئك الطلبة ..
ولكن من خلال متابعتي للأمر يمكنني تلخيص ما حصل في النقاط التالية:
1- في الحقيقة إن ظاهرة تمزيق الكتب والدفاتر أو الكراسات والملازم التعليمية في نهاية العام الدراسي ما هي إلا تفريغ للكبت والقهر الذي يسيطر على الطلبة طوال عامهم الدراسي، فهي نوعٌ من الانتقام وتعبير عن حالةٍ من السخط تنتاب طلبتنا، ولا يملكون مواجهتها إلا بهذا السلوك الهستيري عقب انتهاء العام الدراسي الكئيب والطويل، وما يجب أن نؤكد عليه هنا أننا لا نستطيع عزل هذه الظاهرة عن محيطها التعليمي والتربوي والمجتمعي.
2- إن عدد الطلاب الذين يقومون بتلك التصرفات المشينة ليس بالقليل، بل لقد أصبح يشير إلى ظاهرة عامة، لا تكاد تستثني منها أحدا…، ورُبّ قائل إن فلانا أو علانا من الطلبة النُجباء لم يفعل ذلك، حسنا، ربما منعه من ذلك تربيته وأخلاقه، ولكن اسأله إذن عن رأيه فيما تلقّاه من معلميه على امتداد السنة الدراسية، وعن عدد الحصص وزمنها، وعن الامتحانات وما يواجهه من أعباء ومسؤوليات خلال الدراسة ..!!
3- هنا أودّ التأكيد أننا نحن ضد مثل هذا السلوك السلبي المُشين، ولكننا في الوقت نفسه نلتمس العذر لطلابنا؛ لأنها ردة فعل طبيعية على ما يعيشه الطلاب داخل فصولهم، وفي مدارسهم، فهم يشعرون بالكبت والضغط الشديد من كمّ الحصص الدراسية المرهق والمتواصل، وما يتبعها من واجبات منزلية وأعباء تجعل الطالب مدفونا بين جنباتها، فجُلُّها يركز على الجوانب النظرية في التعليم، ويهمل الأنشطة الترفيهية واللعب والمسابقات وورش العمل والرحلات الاستكشافية والحفلات التي تنمّي لدى الطالب الكثير من المهارات الاجتماعية والخُلُقية والتربوية المختلفة، وتهتم بالصحة العقلية والبدنية والنفسية للتلاميذ.
مما سبق يتضح لنا أنه لابد من إعادة النظر في المناهج التعليمية، التي يشكو الكثير من الطلاب وأولياء الأمور من كِبَر حجمها وصعوبتها، وعدم قدرة الطلاب على فهمها، فهي لا تراعي الفروق الفرديّة بينهم، وهي أكبر من قدرات معظم الطلاب، ودليل ذلك أن الأهالي يجدون صعوبة كبيرة في تدريس أبنائهم لتلك المناهج، وهنا لا ننكر أن مناهجنا تعتمد الاستقراء والاستقصاء في عرض المادة التعليمية، ولكنها تخاطب الطالب المتفوق في معظم الأحيان. كما أنها تفتقر إلى الجوانب العملية والتطبيقية، أضف إلى ذلك أنّ توظيف التكنولوجيا في مدارسنا غير فعّال، بسبب افتقارها إلى الإمكانيات المادية اللازمة لذلك، فالطالب يجد نفسه أمام نظام رتيب ومُمِلّ .. يفتقر للتنوع ولا يتماشى مع متطلبات العصر وحاجاته، ولا يعزز مهارات الطلبة وقدراتهم، ولا يصنع تفاعلا بين أطراف العملية التعليمية، ولا يخفى على أحد أن استخدام التقنيات الحديثة يساهم في تبسيط المادة التعليمية ويساعد الطلاب على فهمها، والأهم من ذلك إحداث التغيير والتشويق والتفاعل أثناء العرض والشرح والتدريس.
5- أعتقد أن المنهاج الدراسي ينبغي أن يركز على الأساسيات الضرورية للحياة، بحيث ينتقل الطالب من الصفوف الأساسية إلى الصفوف العليا وقد أتقن القراءة والكتابة والتعامل مع الحاسوب بشكل مبدئي، والأهم من ذلك كله لابد من التركيز على غرس القيم والمبادئ والأخلاق النبيلة، وتعزيز السلوكيات الحسنة في نفوس أبنائنا، فمن شبّ على شيءٍ شاب عليه.
6- كما هو معروف فإن هناك حصة واحدة مخصصة للرياضة، وأخرى للفن أسبوعيا، هنا لابد أن نؤكد أن تلك الحصة لا تكفي على الإطلاق لتلبية حاجات الطلاب، وتفريغ ما لديهم من إبداع وطاقات وإبعادهم عن الروتين اليومي الذي تفرضه المنظومة التعليمية العقيمة في بلادنا. ولعل من الواجب أن نستذكر في هذا المقام افتقار منظومتنا التعليمية للجانب الحِرفي أو المهني الذي كان يلبي حاجة ماسّة لدى الكثير من طلابنا ذكورا وإناثا الذين يبدعون في العمل المهني، أو التدبير المنزلي، حيث يحققون ذواتهم من خلاله، ومما يجدر ذكره في هذا المقام أننا كنا ننتظر بلهفة شديدة حصة الصناعة بشقيها النجارة أو الحدادة، حيث كنا نتنافس مع بعضنا – كطلاب- على إتقان ما يكلفنا به المعلم عقب تقديم الشرح النظري، وكم هي السعادة التي كانت تغمرنا عقب كل إنجاز نقوم به في تلك الدروس الشيِّقة..!!
7- إن فصولنا تكتظّ بالطلبة بما يفوق طاقتها الاستيعابية، الأمر الذي يُعسِّر مهمة متابعة الطلاب وتعليمهم وضبطهم، ويزيد من أعباء المعلم، مما يترك أثرا سلبيا على العملية التعليمية، ويسبب إحباطا لدى المعلم، فهو يعمل في بيئة تغص بالتحديات والمشكلات التي تستعصي على الحل وتعقد المشهد، تجعل من التعليم مهنة قاسية ومتعبة للغاية.
8- إن المدرسة – بشكلها الحالي- المحاطة بالأسوار العالية، والمشتملة على العديد من المباني الحجرية بشكلها الحالي أشبه ما تكون بالسجن أو مركز التأهيل والإصلاح ..، ربما يستخف البعض بهذا الأمر، ولكن البيئة التعليمية – كما تعلمنا- بحاجة للكثير من المقومات والشروط التي يجب تحقيقها للوصول إلى المبتغى أو الغاية المنشودة منها، أجل إن هذا أمر مهم جدا، إذ لابد أن تحتوي المدرسة على حدائق وأشجار وشيء من الخضرة تريح الطالب نفسيًّا فضلا عن أنها تُضفي جمالا وروعة للمكان الذي يقضيه الطالب في أحضان العلم والمعرفة.
9- إن من أهم الأمور التي أفقدت المعلم هيبته، وضيعت ثمرة التعليم هو تجريد المعلم من الصلاحيات التي كان يتَّكِئُ عليها، وقضية الترفيع الآلي التي أفقدت المعلم احترامه وأضاعت هيبته ووقاره، الأمر الذي خلقَ حالة من اللامبالاة والاستهتار لدى الطلاب وأولياء أمورهم، وقد ترسَّخ في أذهان العامّة والخاصّة أن دور المعلم يقتصر على إعطاء الدروس التعليمية وحسب.
10- يعاني الكثير من الطلبة من القلق والاضطراب أثناء فترة الامتحانات نتيجة لأسباب عدة منها: صعوبة الأسئلة، وعدم القدرة على فهم المنهج الدراسي، أو فقدان القدرة على تنظيم الوقت، وربما عدم تحديد أولويات الدراسة، وهناك مشتتات أخرى فرضتها الظروف والواقع، ولا سيما في الحالة الفلسطينية، ولا ننسى دور وسائل التواصل الاجتماعي الهدَّام في كثير من الأحيان.
ختاما إن النهضة بالتعليم وبالجيل الجديد تتطلب تدارك المعلم وتهيئة كافة السبل التي تكفل الحصول على بيئة تعليمية محفزة ومشجعة ونشطة.. ولو عدنا للوراء – لسنوات طويلة خلت- لوجدنا معلما مُهابا ومُقدّرًا، ومتابعة أسرية جيدة تحتكم لمنظومة سديدة من العادات والتقاليد الرائعة التي كنا نعتزّ ونفتخر بها تقوم على احترام الكبير وتوقيره، فكيف إذا كان معلمًا ومربيًا يصقل العقول ويهذّب النفوس؟!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر