الأَزْمَات تُحِيطُ بِنَا.. غَزَّةَ فِي قَبْضَةِ الِإنْهِيَار

مِنْ بَين أَطْلَال المَنَازل المَهْدُومَة وَرَائِحَةِ البَارُود، تُعَانِقُ غَزَّة كَارِثَة إِنْسَانِيَّة مُرَكَّبَة لَا سَابِقَ لَهَا. ليسَت حَربًا فَقَطْ، بَل انهِيَار كَامِل لِأَركَان الحَيَاةِ. الجُوعُ يُذْبِلُ الأَجْسَادَ، وَالمَاءُ الآسِنُ يَنْقُلُ الأَمْرَاضَ، وَالأَدْوِيَةُ تَذوِي عَلَى رُفُوفِ الصَّيْدَلِيَّات الفَارِغَة، والتعَليم يُصارع بقائهُ، وَشِبَاكُ العُزْلَةِ تُشَدِّدُ الخِنَاقَ بِفَقْدِ وَسَائِلِ النَّقْلِ. تَحْتَاجُ البَشَرِيَّةُ أَنْ تَسْمَعَ صَرْخَةَ غَزَّةَ اليَائِسَةَ
“الأَزْمَاتُ تُحِيطُ بِنَا مِنْ جَمِيعِ الاتِّجَاهَاتٍ!”.
في هذا التقرير نعرض لكم اهم القطاعات المتأثرة بالحرب والتي تتمثل في قطاع الغذاء، المياه، الصحة، التعليم والمواصلات.
أَزْمَةُ المَوَارِدِ الغِذَائِيَّةِ – مَجَاعَةٌ صِنَاعِيَّةٌ تَتَجَاوَزُ الحُدُود.
تَأَرجَحَت حَالَةُ الأَمنِ الغِذَائِيِّ فِي غَزة لِعُقودٍ بِسَبَبِ الحِصَارِ المُفرَطِ (مُنذ عَام 2007)، لَكِنَّ نُقطَةَ التَّحَوُّلِ الكَارِثِيَّةَ كَانَتْ فِي 9 تِشْرِينِ الأَوَّلِ (أُكْتُوبِر) عَام 2023، حِينَ أَغلَقَت السُّلُطَاتُ الإِسْرَائِيلِيَّةُ كَامِلًا مَدَاخِلَ الغِذَاءِ وَالوَقُودِ.
أَوَّلُ المواد نفاذاً الدَّقِيقُ وَالقَمْحُ، لِارْتِبَاطِهِمَا المُبَاشِرِ بِصِنَاعَةِ الخُبْزِ – قُوتِ الغَالِبِيَّةِ العُظْمَى.
• الإِحصَائِيَّاتُ المُفزِعَةُ (مَصَادِر دَوْلِيَّةٌ):
_مَايُو (أَيَّار) عام 2024: أَعلَنَتْ “الهَيئَةُ الدَّوْلِيَّةُ لِتَصْنِيفِ المَرَاحِلِ المُتَكَامِلَةِ لِلأَمْنِ الغِذَائِيِّ (IPC)” أَنَّ 96% مِنْ سُكَّانِ غَزَّةَ (نَحْوُ 2.2 مِلْيُونِ نَفْسٍ) يُعَانُونَ مِنْ مُسْتَوَيَاتٍ “غَيْرِ مَسبُوقَةٍ” مِنْ الجُوعِ الحَادِّ، بَيْنَمَا دَخَلَ 577,000 شَخْص مَرْحَلَةَ “المَجَاعَةِ الكَامِلَةِ” (المَرْحَلَةُ الخَامِسَةُ – الأَعْلَى).
_(يونيسيف حَزِيرَان عام 2024): أَكَّدَتْ أَنَّ 40% مِنْ أَطْفَالِ غَزَّةَ تَحْتَ سِنِّ الخَامِسَة يُعَانُونَ مِنْ نَقْصِ الوَزْنِ الشَّدِيدِ – مَا يُعَرِّضُ حَيَاتَهُم لِخَطَرٍ فَوْرِيٍّ.
أَزْمَةُ المِيَاهِ الصَّالِحَةِ لِلشُّرْبِ – شُرْبُ السُّمِّ بِلاَ بَدِيلٍ.
تَعُود مَشَاكِل المِيَاه فِي غَزة لِعُقُود (تَلَوُّثٌ بِمِيَاهِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ، نُضُوبُ الخَزَّانِ الجَوْفِيِّ)، لَكِنَّ الأَزمَة الحَادةَ بَدَأَت مَعَ الحِصَارِ الشَّامِلِ فِي تِشرين الأَول (أُكتوبر) عام 2023، وَتَدمير البُنيَة التَّحتِيةِ.
• أَهَم الأَسبَابِ:
_انعِدَام الوَقودِ لِتَشغِيل مَحَطاتِ تَحلِيَةِ المِيَاهِ وَمَضَخاتِها.
_تَدمِير كَبِير لِشَبَكَات تَوزِيعِ المِيَاه وَخَزانَاتِ التخزِين.
_تَلَوث ِمِيَاه الصرفِ الصحيِّ غَيرِ المُعَالَجَةِ الَّتِي تَتسرُبُ إِلَى الخَزَّانِ الجَوْفِيِّ وَتُلَوث القَلِيل البَاقِيَ مِنَ المِيَاهِ.
• الإِحصَائِيَات:
95% من السكان (2.1 مليون نسمة) لا يحَصِلون على مياه صَالحة للشُرب (UNICFF يونيو عام 2024).
1. 70% من شبكات المياه والصَرف الصحي مُدمرة (سلطة الفلسطينية، مايو عام 2024).
2. 66% من عيِنات المياه ملوثة بالبكتيريا والفيروسَات (WHO مارس 2024).
3. المصَادر المُوثوقة: (OCHA)، (UNICFF)، (WHO)، (PWA).
أَزْمَة الأَدْوِيَة وَالعِلَاجَاتِ – مَرضَى بِلاَ أمَل في الوِقَايَة من الامراض
تَصَاعَدَت هَذِهِ الأَزمَة إِلَى مُستَوَى الكَارِثَي فِي تِشرين الثانِي (نُوفِمبِر) عام 2023، عَقِب تَدمِيرِ مَخَازن الأَدوِيَةِ وَانهِيَار جُزء كَبِير مِن مُستَشفَيَات القطَاع، وَاستِمرار مَنع دُخول المَادة الطِّبِّيَّةِ بِحُجج أَمنِيّة.
• مَجَالاَت الأَزمَة:
1. نُقص حَاد فِي أَدوِيَة الأَمرَاض المُزمنَةِ: (السُكرِي، الضغط، القَلبِ، السرَطَان) – نِسَبُ النقِص تَصِلُ إِلَى 90-100% حَسَبَ مَنَظَّمَةِ الصِّحَّةِ العَالَمِيَّةِ.
2. انعِدَام مُعَدات الطوَارِئ وَالمُخَدّرَاتِ: يَتِم إِجرَاءُ عَمَلِيات جِرَاحِيَة مُعَقَّدَة بِدُون تَخْدِير كَافٍ.
3. انهِيَار شِبه كَامِل لِلنظَام الصحيِّ: أَكثَر مِن 70% مِنَ المُستَشفَيَاتِ خَرجت أَوْ غَير قَادِرَة عَلَى الخِدمَةِ.
إِحصَائِيات صَادِمَة:
(مِنظَمَة الصِحة العَالَمِيَة، نِيسَان (أَبريل) 2024): فَقَط القيل من المِخْيَطَاتٍ جِرَاحِيَّة (الغُرز الجِراحية) تَصِل إِلَى غَزة لِمُوَاجَهَة آلاف الجَرحَى! نِسبَة المَوَاد الطِبية الداخِلَة تُعَد أَقَل مِن 20% مِنَ الحَاجَة الضرُورِيةِ.
أزمة التعليم _ أصبحَ القلمُ منكسِراً.
غزة وسط الدمار.png” class=”img-fluid” src=”https://palsawa.com/uploads/images/2025/03/fgDD0.png” />
أزمَة التعليم فِي قطاع غَزة مُنذ 7 أكتوبر عام 2023، تُشكل كَارثة إنسانية وتعليمية غير مسبوقة، أقلام تتحول إلى شظايا ودفاتر تُحترق، ويصبح التعليم رحلة بطولية والنجاح مُعجزة، أطفال غزة يخترعون طُرُقاً للتعليم بينما يُخُترع حولهم الموت يومياً، وتَم تدميِر الْمؤسسات التعَليمية، وأصبحَ بعضِها ملجئ لمن لا مأوى لهُم.
• الإحصَائِيات:
1. 437 مدرسة دُمرت كلياً أو جزئياً حَسب تقرير (UNCIFF مايو عام 2024).
2. 100% من الجامعَات تضَررت، مع تدمير كَامل ل 3 جَامعات حسب تقرير (اليونسكو).
3. 625,000 طالب محرومُون من التعليم بشكل مُستمر (UNCIFF).
أَزمَة الموَاصَلَات – وهو شَلَلٌ ومَعَانَاةَ.
بَدَأَت هَذِه الأَزمَة بِشكل حَاد جِداً مَع بدَايَة الحَرب وَالحِصَار فِي تشرِين الأَول (أُكتوبر) عام 2023، حِينَ تَوَقف دُخُول الوَقُود كُليا. ً
• مَظاهِرُ الأَزمَة:
_ انعِدَام الوقُود: تَوَقف جَمِيعِ وَسَائِلِ النقل العَام وَالخَاص عن العَمَل، وحتى بعض سيارات الإسعاف والهِلال الأحَمر.
_ تَدمِير الطرُق: تَحَولت الطرُق الرئِيسِيةُ إِلَى أَطْلَالٍ بِفِعلِ القَصف، مِمَّا جَعَلَ حَتى السَّير عَلَى الأَقدَام خَطِراً.
_انقطَاع الاتصَالَات: تَكرَارُ انقِطاعِ شَبَكَات الهَاتِف وَالإنتَرنِتِ يُعَزِزُ العُزلَةَ وَيُعَطلُ قدرة طلب النجدةَ والمساعدةَ.
غَزة لَيْسَت مُجرَد سَاحَة حَربٍ، بل وطَن وتاريخ وحضَارة وأرض تحمِل تُراثاً ثقافياً عَريقاً وروحاً صَامدة ترفضُ الانكسار.
إِنهَا نَمُوذَجٌ مَريرٌ لِكَيفَ يُؤَدي تداخل الأزمات (الغِذَاء، المَاء، الصحَة، التعَليم، النقل) إِلى انهِيارٍ شَامِلٍ لِكُل مَا يَجعَلُ الحَيَاةَ البَشَرِيَّةَ مُمكِنَةً.
وَأَخِيراً السُّؤَالُ الَّذِي يُطَرِحُ للعَالَمَ اليَوْمَ:
هَل من إِنسَانِيَّةٍ كَافِيَةٍ لِكَسرِ هَذَا الحِصَارِ المُمِيت قَبلَ أَن تُصبِحَ غَزة مَقبَرَةً جَمَاعِيَّةً؟ الوقت ينفد..
ملاحظة : هذا مخرج عملي لدورة ” الصحفيات والقيادة الإعلامية” التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة في الفترة من 22 إلى 30 يونيو 2025