جنين ومخيال الوحدة الوطنية |
في ظل عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة المتصاعدة في الضفة الغربية، منذ نحو عام ونصف، وما سطرته المقاومة وتسطره من عمليات فدائية ومعاني البطولة والفداء، اربكت دولة الاحتلال ومؤسستها الامنية والسياسية.
وصمود جنين ومخيمها ومقاومته ألة القتل الوحشي البربري بارتكاب مجزرة ضد مخيم جنين والتدمير الهائل لكي وعي الناس وصمودهم، وعدم قدرته على كسر ارادة المخيم.
في ظل ذلك يتصاعد الحديث عن أن الانقسام الفلسطيني لم يعد قائماً، بين صفوف وجموع الشعب الفلسطيني.
وأن الواقع على الارض في الضفة الغربية واستمرار المقاومة وتوسعها وجرأتها، اعادت للفلسطينيين الثقة بالنفس، وأن وحدتهم كشعب لم تتأثر حتى برغم الانقسام والخلافات السياسية، واختلاف البرامج فهم يقاومون الاحتلال، وقدرة المقاومة على تدفيع الاحتلال الثمن وتكبيده خسائر كبيرة خاصة ضد المستوطنين، وجنود جيش الاحتلال اللذين ينفذون الاعتداءات الارهابية الروتينية ضد الفلسطينيين في عموم الاراضي الفلسطينية.
حصار قطاع غزة ودورات العدوان الاجرامية، وفي الضفة الغربية، و القدس المحتلة، والتطهير العرقي المستمر، و ما يجري في الضفة الغربية المحتلة، الاعتقالات الجماعية والمذابح من قبل المستوطنين، كل ذلك جزء من السياسة الإسرائيلية الكبرى، التي تمت صياغتها بدقة في “خطة الحسم”. الذي وضعها ويقوم بتنفيذها وزير المالية ووزير الامن في وزارة الامن المتطرف بتسلئيل سموتريتش.
مشاهد الدمار وتجريف البنية التحتية في جنين، ومشهد نزوح الالف العائلات التي اجبرت على مغادرة منازلهم تحت تهديد الجيش الاسرائيلي للنجاة بانفسهم وعائلاتهم واطفالهم وسط ظلام الاحتلال وظلمه.
وهي سياسة صهيونية لتكرار مشاهد النكبة واحياء ذكراها بطريقة اجرامية، لترسيخها في الوعي الفلسطيني، الذي يقاوم تكرارها مرة أخرى، ولم ينسى ذكراها العالقة في ارواح وعقول وقلوب عموم الفلسطينيين.
وبرغم كل تلك المشاهد فهم مصممون على الاستمرار في الدفاع عن حقوقهم ولن يسمحوا بتكرار النكبة، ويقاتلون دولة بلا حدود ولا موانع، وتمارس الاستيطان والنهب والقتل اليومي، والتطهير العرقي. ومع ادراك الفلسطينيين ووجود حكومة فاشية عنصرية، أن الأسوأ لم يأت بعد.
وفي انتظار الاسوء يدافع الفلسطينيين عن كرامتهم، والالتفاف حول المقاومة وبثقة عالية في النفس، وترسيخ فكرة حالة الاجماع الوطني حول المقاومة والالتفاف الشعبي حولها، وتشكيل حاضنة شعبية من عموم الشعب الفلسطيني والوقوف خلف المقاومة ودعمها كخيار.
في وقت فشل فيه خيار الواقعية وانتظار السلام من قبل الرئيس محمود عباس وفريقه، وامتهان سياسة الانتظار، ويبدو انهم غير مدركين انها من دون جدوى، وحجم التغيرات الكبيرة على هذا الصعيد، وحالة الغضب الشديد في صفوف الفلسطينيين، وحالة الانكار للتغيرات التي تجري في الساحة الفلسطينية خاصة في صفوف الشباب.
جسدت جنين النموذج الوطني في المقاومة والصمود والوحدة الوطنية، وسطرت الكثير من المعاني والعلاقات الوطنية التي يجمع عليها الفلسطينيين. وقدرة المقاومة على الصمود ومقاومة الاحتلال، واعاد الاعتبار للفلسطينيين وقدرتهم على العمل الجماعي وايذاء الاحتلال.
وفي ضوء ذلك، هذا ما يجعل كثيرين من الشعب الفلسطيني يعتقدون أن الانقسام لم يعد قائماً، وتجلي الوحدة بينهم، ذلك صحيح، لكن ايضا قد يكون هذا تعبير عن حالة وجدانية عاطفية في مخيال كثير من الفلسطينيين حول تراجع الانقسام الفلسطيني، وتجليات الوحدة الميدانية في جنين، والتفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة المسلحة.
الواقع هذا الاحساس يراود غالبية من الفلسطينيين، لكن لا أحد من اطراف الانقسام يسعى بشكل حقيقي لاتخاذ خطوات حقيقية لانهاء الانقسام، بل أن الشروط القديمة لا تزال قائمة، ويتم تعزيزه من خلال التحريض والكراهية، والتمسك برؤية وموقف الرئيس محمود عباس، ومن خلفه حركة فتح ولجنتها المركزية التي طرد بعض اعضاء منها من جنازة تشييع الشهداء في جنين. وهي خطوة مدانة، ورد الفعل الغاضب من بعض اعضاء اللجنة المركزية اللذين هددوا بالويل والثبور، وكسر ايدي من اقدم على التحريض والطرد.
هؤلاء الغاضبين وبعض منهم كان مهدداً بالطرد والفصل من اللجنة المركزية، وتمت تسوية وضعه بصفقة مع الرئيس عباس.
وبدل من مواجهة غضب المشيعين بحكمة واستيعاب الموقف، ولملمة الجراح واستغلال صمود وبطولة جنين كفرصة لتعزيز صمود الناس والوحدة الوطنية، بعد أن تركت جنين والمدن والقرى الفلسطينية وحيدة من دون حماية حماية، ودافعت المقاومة عن نفسها وعن كرامة وحقوق الفلسطينيين، كما ترك عموم الشعب الفلسطينين وحيداً في الضفة، يواجه العدوان والقتل اليومي وهدم البيوت، والتدمير والتهجير.
وفي وقت تبحث فيه دولة الاحتلال عن تقوية السلطة الفلسطينية، من أجل القيام بدورها كوكيل أمني لملاحقة المقاومة واعتقالهم واحباط عملياتهم، وتتعامل معها كدائرة من دوائر الادارة المدنية.
وفي ظل هذه الحكومة الفاشية، وسياساتها وخططها واتفاقياتها الائتلافية، والشراهة التي تعبر عنها في تسريع عمليات الاستيطان والضم. لم يعد هناك حجج للقيادة الفلسطينية وحركة فتح، لانتظار نتيجة المداولات وقرارات المجلس الوزاري الامني السياسي، وجهاز الأمن الإسرائيلي، لدعم السلطة وانعاشها، برشاوى اقتصادية للحفاظ عليها كسلطة امنية تقف ضد مصالح شعبها وقضيته الوطنية.
ليس متوقعا أن تغير حكومة الاحتلال ولا الجيش الإسرائيلي سياسته تجاه السلطة الفلسطينية، وتجربة حركة حماس في قطاع غزة ماثلة، من خلال التسهيلات التي تقدمها لتحافظ فيها على الفلسطينيين والبقاء بين الحياة والموت.
ليس لأن نتنياهو يخضع لتوجهات ايتمار بن غفير وسموترتش، بل لأنه اكثر خطورة منهما، وان هذه الحكومة مثلها مثل الحكومات المتعاقبة تتنكر للحقوق الفلسطينية، وتريد سلطة خانعة ضعيفة.
وتسعى إلى اعادة الردع في الضفة الغربية والقضاء على المقاومة، وقيام السلطة بدورها الامني فقط، من خلال الحفاظ على واقع تكون فيه السلطة ضعيفة، وخائفة وتحافظ على مصالحها.
يبدو أن المتحمسين لفكرة ان الانقسام لم يعد قائماً، فكرة طوباوية، واحلام وتمنيات، وأن البطولة والصمود التي جسدها مخيم جنين، وفكرة انهاء الانقسام. ومشروع التحرر الوطني، بحاجة الى اشتباك حقيقي لفضح اصحاب رفض فكرة المقاومة بوسائلها المختلفة لشعب تحت الاحتلال.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر