بعد 9 أشهر… الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

بعد أكثر من تسعة أشهر من الصمت، أقرّت حركة أنصار الله الحوثية بمقتل عدد من قادتها في وحدة الطيران المسيّر. جاء هذا الاعتراف عقب ضربة جوية أمريكية استهدفت مواقع للحوثيين في اليمن، وكشفت عن حجم الخسائر التي تكبدتها الحركة في أحد أهم أذرعها العسكرية، وهو الطيران المسيّر. وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وتأثير الصراع اليمني على الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
الضربة، التي وقعت في محافظة صعدة شمال اليمن، استهدفت وفقًا لبيانات رسمية أمريكية، مواقع قيادة وسيطرة مرتبطة ببرنامج الطائرات المسيّرة الهجومية للحوثيين. الاعتراف الحوثي جاء متأخرًا، مما أثار تساؤلات حول محاولات إخفاء حجم الضربة وتأثيرها على القدرات العسكرية للحركة. وتعتبر هذه الخطوة الأمريكية بمثابة تصعيد مباشر في مواجهة الدعم الحوثي للملاحة في البحر الأحمر.
تأثير الضربة على قدرات الحوثيين في مجال الطيران المسيّر
لطالما اعتمد الحوثيون على الطائرات المسيّرة كأداة رئيسية في هجماتهم، سواء داخل اليمن أو عبر الحدود. وقد استخدمت هذه الطائرات في استهداف منشآت نفطية، وقواعد عسكرية، وحتى مدن رئيسية في السعودية والإمارات. الضربة الأخيرة، وفقًا لمحللين عسكريين، استهدفت بشكل خاص الكفاءات التقنية والإدارية التي تشرف على تطوير وتشغيل هذه الطائرات.
الخسائر القيادية
الاعتراف الحوثي لم يقدم تفاصيل دقيقة حول أسماء القتلى ورتبهم، لكن مصادر إعلامية مقربة من الحركة ذكرت أن من بين القتلى مسؤولون كبار في وحدة الطيران المسيّر، بما في ذلك خبراء في مجال الصيانة والتوجيه. هذه الخسائر القيادية قد تؤثر بشكل كبير على قدرة الحوثيين على مواصلة تطوير وتصنيع الطائرات المسيّرة، وكذلك على دقة وفعالية هجماتهم المستقبلية.
تأثير على العمليات الهجومية
من المرجح أن تؤدي الضربة إلى تباطؤ وتيرة الهجمات الحوثية بالطائرات المسيّرة على الأقل في المدى القصير. إعادة بناء القدرات المتضررة، وتدريب كوادر جديدة، وتأمين قطع الغيار اللازمة، كلها عمليات تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين. ومع ذلك، من غير المرجح أن تتوقف هذه الهجمات بشكل كامل، نظرًا لأهمية الطائرات المسيّرة في استراتيجية الحوثيين العسكرية.
تأتي هذه الضربة في سياق جهود دولية أوسع نطاقًا للحد من الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، والتي أدت إلى تعطيل حركة الملاحة وارتفاع أسعار الشحن. وتعتبر الولايات المتحدة في طليعة هذه الجهود، حيث أعلنت عن تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات لحماية السفن في المنطقة. وتشمل هذه الجهود أيضًا فرض عقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بالحوثيين.
في المقابل، أدان الحوثيون الضربة الأمريكية، واصفين إياها بالعدوانية والانتهاك لسيادة اليمن. وحذروا من أنها ستؤدي إلى تصعيد الصراع وتوسيع دائرة المواجهة. كما أكدوا على استمرارهم في استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل حتى وقف “العدوان” على غزة. هذا التصعيد اللفظي يعكس التحدي الذي يواجهه الحوثيون في مواجهة الضغوط العسكرية والاقتصادية المتزايدة.
الوضع الإنساني في اليمن يظل مأساويًا، حيث يعاني ملايين الأشخاص من نقص الغذاء والدواء والخدمات الأساسية. الصراع المستمر، والضربات الجوية، والعقوبات الاقتصادية، كلها عوامل تساهم في تفاقم هذه الأزمة. وتدعو المنظمات الدولية إلى وقف فوري لإطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
بالإضافة إلى الطيران المسيّر، يمتلك الحوثيون ترسانة من الأسلحة الأخرى، بما في ذلك الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. وقد استخدموا هذه الأسلحة أيضًا في هجماتهم عبر الحدود، مما أثار قلقًا بالغًا في دول المنطقة. وتشير التقارير إلى أن الحوثيين يتلقون دعمًا عسكريًا من إيران، وهو ما تنفيه طهران باستمرار. هذا الدعم الخارجي يعزز من قدرة الحوثيين على مواصلة القتال، ويجعل من الصعب إيجاد حل سلمي للصراع.
التحالف بقيادة السعودية، الذي يقاتل الحوثيين منذ عام 2015، قلل في السنوات الأخيرة من عملياته العسكرية المباشرة، وركز بدلاً من ذلك على دعم الحكومة اليمنية. ومع ذلك، لا يزال التحالف يقدم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للحكومة اليمنية، ويحتفظ بحق التدخل في أي وقت إذا لزم الأمر. هذا الدعم المستمر يمثل عاملاً مهمًا في ميزان القوى في اليمن.
الخطر المتزايد من هجمات الطائرات المسيرة يثير تساؤلات حول مستقبل الأمن الإقليمي. فقد أظهرت هذه الهجمات قدرة الحوثيين على تجاوز الدفاعات الجوية التقليدية، وتهديد البنية التحتية الحيوية في دول المنطقة. وهذا يتطلب تطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة هذا التهديد، بما في ذلك الاستثمار في أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب. كما أن هناك حاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية للصراع في اليمن، وإيجاد حل سياسي شامل يضمن حقوق جميع الأطراف.
من المتوقع أن يستمر التوتر في اليمن خلال الأسابيع والأشهر القادمة. الضربات الجوية الأمريكية قد تتكرر، وردود الفعل الحوثية قد تتصاعد. كما أن المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية المتنازعة لا تزال متعثرة. ومع ذلك، هناك أمل في أن يؤدي الضغط الدولي المتزايد إلى إحياء هذه المفاوضات، وإيجاد حل سلمي للصراع. ما يجب مراقبته عن كثب هو رد فعل الحوثيين على المدى الطويل، وقدرتهم على استعادة قدراتهم العسكرية المتضررة، وتأثير ذلك على الملاحة في البحر الأحمر.

