الموساد يكشف عن “المعلومة الذهبية” خلال حرب 73 وتفاصيل الاتصال بأشرف مروان
نشر الموساد، الخميس، دراسة جديدة ومجموعة من الوثائق التاريخية، تتعلق بأنشطته إبان حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، في محاولة لدحض “تقارير مختلفة نشرت في الصحافة والأوساط الأكاديمية” خلال العقود الماضية، وصفها بأنها “مضللة”، وأشارت إلى فشل الجهاز في التحذير من اندلاع حرب كانت تلوح بالأفق آنذاك.
وبدا أن المعلومات الجديدة التي كشف عنها الموساد تأتي قبل كل شيء للرد على التقارير التي صدرت خلال الأعوام الماضية عن شعبة الاستخبارات العسكرية للجيش الإسرائيلي (“أمان”)، في ظل تلاقف المسؤولية بين الجهازين عن الفشل في توقع الحرب.
وقال الموساد إنه “قبل ‘حرب يوم الغفران‘ (حرب تشرين)، قدم الموساد الكثير من المواد الاستخباراتية عالية الجودة في المجالين السياسي والعسكري، والتي عبرت عن قرار مصر وسورية بخوض الحرب ضد إسرائيل”، وتسلط المعلومات التي كشف عنها الموساد الضوء على إدارة المصدر الأرفع والأبرز للجهاز حينها، وفقا للرواية الإسرائيلية، والذي تمثل بالمصري أشرف مروان، صهر الزعيم المصري الراحل، جمال عبد الناصر.
وبحسب الموساد، فإن هذه المواد “تضمنت الكثير من المعلومات حول جيشي مصر وسورية، بما في ذلك تحذيرات ملموسة حول الموعد المتوقع لبدء الحرب”. وأضاف أنه “لسوء الحظ، فإن هذه المعلومات الاستخبارية عالية الجودة لم تمنع المفاجأة الإستراتيجية للجيش الإسرائيلي ودفع ثمن هذه الحرب باهظا بالدماء”.
وتضمنت المواد الأرشيفية التي كشف عنها الموساد وثائق وصور من تشغيل أشرف مروان، الذي لقبه الموساد بـ”الملاك”، ويعتبر بنظر الكثيرين أفضل عميل للموساد على الإطلاق، فيما يرى آخرون أنه كان عميلاً مزدوجًا يعمل لصالح مصر وإسرائيل في آن واحد، أو يعمل لصالح مصر في إطار مساعيها لتضليل الجانب الإسرائيلي حينها.
وكان مروان صهر الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ومستشارًا مقربًا للرئيس أنور السادات. وبدأ العمل في الموساد عام 1970. وفي ليلة 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، عشية اندلاع الحرب، بحسب الرواية الإسرائيلية، قد وجه التحذير الأخير لإسرائيل بشأن اندلاع الحرب التي بدأت في اليوم التالي.
انطباع الموساد الأولي عن مروان
ومن بين الوثائق التي كشف عنها الموساد، تقرير قدمه ضابط الموساد الإسرائيلي الذي كان يدير العلاقة بمروان، ويتلقى منه المعلومات، ويدعى “دوبي”، في نهاية الجولة الأولى من اللقاءات معه في كانون الأول/ ديسمبر 1970، بعيد “تجنيده للجهاز”، أي قبل حوالي ثلاث سنوات من اندلاع الحرب، علما بأن مروان هو من توجه للموساد وعرض خدماته على الموساد.
ويوثق التقرير قدرة مروان غير العادية على الوصول إلى القيادة المصرية واستعداده “لإرسال رسائل تحذير حول نوايا مصر لبدء حرب ضدنا”. ويذكر التقرير أن جميع البريد يمر عبر مكتب مروان “قبل أن يصل إلى الرئيس (السادات)”، وأنه مسؤول عن “نقل تعليمات رئيس الجمهورية إلى جميع الأجهزة الحكومية”، و”تقديم معلومات كافة الأجهزة الاستخبارية إلى رئيس الجمهورية”.
وكتب “دوبي” هذا في تقريره أن أن مروان كان حاضرًا في جميع مؤتمرات رؤساء الدول العربية التي عقدت في القاهرة وفي جميع الاجتماعات التي يعقدها رئيس الوزراء المصري، وأنه “يحتفظ بعلاقات شخصية في جميع قطاعات الجيش المصري”. فيما تطرق تقرير آخر لـ”دوبي” إلى تفاصيل شخصية عن مروان، بما في ذلك “علامات خاصة: ندبة على ظهر كف يده”.
ونشر الموساد صورتين لمروان مع “دوبي”، وذلك لأول مرة، علما بأن الموساد لم يسمح بعد بالكشف عن اسم “دوبي” الحقيقي.
كتاب للموساد.. خال من النقد الذاتي
وعلى نحو استثنائي، نشر الموساد كتابا يتطرق جزئيا إلى حرب 73 تحت عنوان “ذات يوم، حين يكون الحديث مسموحا”، كتبته إحدى موظفات قسم التاريخ التابع لشعبة الاستخبارات في الموساد، وجاء في بيان الموساد أن الحديث عن أول كتاب يصدر عن الموساد ويُكشف لعامة الجماهير.
وكان من الفترض أن يشكل الكتاب دراسة تاريخية تعتمد على مصادر سرية للموساد، غير أنه ليس سوى كتاب يكيل المديح للجهاز، ويضخم من إنجازاته ويروج لها، وخاصة رئيس الموساد في حينه، تسفي زامير، ولا يحتوي تقريبا “على أي نقد ذاتي أو داخلي” بحسب ما أفادت صحيفة “هآرتس”.
من جهة أخرى، يتضمن الكتاب الجديد عناوين مختارة من الوثائق الأصلية التي قدمها مروان، لتوضيح درجة وصوله إلى المواد ذات أهمية استخباراتية عالية، بما يشمل محاضر اجتماعات السادات مع القادة السوفييت، وتقريرًا عن زيارة وزير الحرب المصري إلى سورية، وتوثيق للقاء السادات بـ”اللجنة العليا للإعداد للمعركة” التي كان قد شكلها في كانون الأول/ ديسمبر 1972.
مروان يطلب اجتماعا عاجلا برئيس الموساد
كما نشر الموساد وثيقتين استخباراتيتين مركزيتين. الأولى هي وثيقة داخلية للموساد، كتبت يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر الساعة 00:30، وتوثق طلب قدمه مروان للموساد قبل ساعات قليلة، طالبا مقابلة رئيس الموساد، تسفي زامير، بشكل عاجل.
وجاء في هذه الوثيقة: “اتصل (مروان) الليلة الساعة 9:30 مساءً هاتفيًا… في المحادثة قال… سيصل غدًا الجمعة، مساء الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر، لعقد لقاء، سيقدم خلالها معلومات… يقول إنها ذات أهمية كبيرة… وسأل عما إذا كان من الممكن أن يشارك رامساد (اختصار لرئيس الموساد) في اللقاء، لأهمية الموضوع… وألمح إلى أن المعلومات التي جاء ليوصلها تخص… (هذا الجزء من الوثيقة لا يزال محظورا) بحوزته. هذه القائمة كما هو معروف هي رمز للإنذار”.
واعتبرت صحيفة “هآرتس” أن “على خلفية طلب مروان لقاء عاجل مع رئيس الموساد وبسبب رمز التحذير (الإنذار) الذي أرفقه والذي يعني احتمال اندلاع الحرب، تثار تساؤلات حول السبب الذي منع الموساد من إصدار تحذير عاجل على الفور من خطر الحرب، خلال ليلة بين يومي 4 – 5 تشرين الأول/ أكتوبر، حتى قبل انعقاد الاجتماع مع مروان، في الليلة التالية”.
اللقاء في لندن عشية الحرب
أما الوثيقة الثانية التي كشف عنها الموساد، فهي عبارة عن بروتوكول والنص الكامل للاجتماع الذي عقد في لندن في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بين رئيس الموساد، زامير ومروان، والذي تم فيه التحذير من اندلاع الحرب قبل 16 ساعة من بدءها.
علما بأن الصحافيين الإسرائيليين يوسي ميلمان وموشيه شفاردي كانا قد كشفا عن الوثيقة العام الماضي ونشرت في صحيفة “هآرتس”، وتم رفعها لاحقا بكاملها على موقع “مركز حرب يوم الغفران” الإلكتروني، لكن هذه هي المرة الأولى التي ينشرها الموساد بمبادرته الذاتية لاطلاع الجمهور.
إخفاقات بالجملة للموساد
وتكشف مراجعة الوثيقة عن إخفاقات إضافية محتملة في سلوك الموساد في ما يتعلق بنقل التحذير للقيادة السياسية في إسرائيل من احتمال اندلاع الحرب، وأشارت تقارير إسرائيلية إلى ضعف قدرة زامير على تقدير أهمية الموقف حينها، إذ لم يستهل اجتماعه مع مروان بشأن التحذير الذي وجهه الأخير من اندلاع الحرب، وفضل الحديث عن “إحباط عملية” قبل شهر من ذلك اللقاء.
وكان مروان هو من طلب تغيير الموضوع قائلًا: “لكن دعنا نتحدث عن الحرب”، وقال له إن “هناك احتمالا بنسبة 99% أن تبدأ الحرب غدا السبت”. فسأله زمير “لماذا غدا؟”، فأجاب مروان: “لأن هذا ما تقرر، وهو يصادف يوم عيد بالنسبة لكم”، وأوضح مروان أن الحرب ستبدأ على الجبهتين السورية والمصرية.
,يوضح البروتوكول أن مروان أكد في البداية أن الحرب ستبدأ “في المساء”، لكنه حدد لاحقًا الساعة 16:00 موعدًا لاندلاع الحرب، وتبين لاحقا أن هذا التوقيت كان أكثر دقة، حيث أن الحرب اندلعت حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، لكن الموساد لم ينقل هذه المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي، بل تمسك بمقولة مروان الأولى “قبيل المساء”.
“المعلومة الذهبية”
وكشف الموساد في وثائقه الجديدة عن “المعلومة الذهبية” التي نقلها مصدر للجهاز في الجيش المصري في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وبحسب “المعلومة” المكتوب باللغة الإنجليزية، “خطط الجيش المصري لشن هجوم في 13 أو 14 تشرين الأول/ أكتوبر، يتضمن إسقاط ثلاثة ألوية مظلية بالإضافة إلى هجوم بري واستخدام صواريخ بروغ”.
وتلقى زامير “المعلومة الذهبية” خلال جلسة لدى رئيسة الحكومة الإسرائيلية حينها، غولدا مئير، اقترح خلالها القادة العسكريين خطة اختراق قناة السويس وتدمير القوات المصرية المتمركزة هناك والسيطرة على المنطقة. وعقب تلقي المعلومة اقترح زامير على مجلس الوزراء تأجيل الخطة لمدة يومين “للسماح للقوات المصرية بالتوغل في سيناء والوقوع في فخ الجيش الإسرائيلي”.
وتم قبول الاقتراح، وبحسب الموساد فإن “المعلومة حالت دون سقوط محتمل وأدت إلى تحول وانتصار في معركة حاسمة على الجبهة مع مصر”. وفي 14 تشرين الأول/ أكتوبر دمر الجيش الإسرائيلي حوالي مئة دبابة تابعة للجيش المصري شرق القناة، وفي اليوم التالي بدأ جيش الإسرائيلي في عبورها.
مواجهة مع الاستخبارات العسكرية
وفي كتابه، يشن الموساد هجوما حادا على الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وقيادات الجيش عموما وتقييمهم الاستخبارات، الذي أشار “حتى اللحظة الأخيرة” إلى أن احتمالات اندلاع الحرب “منخفضة”، وشدد الموساد على أن “الصورة الشاملة والمفصلة والتحذيرية، التي تم رسمها في أكتوبر 1973 من مصادر الموساد ومصادر الاستخبارات العسكرية معًا، كان ينبغي أن تؤدي إلى تغيير في التقييم الاستخباراتي في ما يتعلق باحتمال الحرب”.
وقال الموساد إنه “في العام أو العامين السابقين لحرب يوم الغفران، حصل الموساد من مصادره على قدر كبير من المعلومات القيمة حول الخطط الحربية لمصر وسورية”، وأشار أن “التحذير من الحرب لم يكن مبنيًا على مصدر واحد فقط” وإنما على “مصادر جيدة أخرى”.
ويشير الموساد إلى أنه كان لديه “عشرات المعلومات التحذيرية ذات الأهمية القصوى، والتي جاءت من أهم مصادر الموساد وأكثرها تقديرا”.
المصدر: عرب 48