من السينما إلى أكبر أدوات الهيمنة
استفادت هوليوود أيضًا من التقدّم التكنولوجيّ الّذي عزّز جودة أفلامها وجاذبيّتها، من الابتكارات مثل مزامنة الصوت، والأفلام الملوّنة، وتنسيقات الشاشة العريضة لم تجتذب الجماهير فحسب، بل عزّزت أيضًا مكانة هوليود كشركة رائدة في الابتكار السينمائيّ
لعبت هوليوود، مركز صناعة الترفيه العالميّة، دورًا محوريًّا في تشكيل ليس فقط الثقافة الأميركيّة ولكن أيضًا في التأثير على الثقافات في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، تحت واجهتها المضيئة يكمن تاريخ معقّد يثير تساؤلات حول دورها كأداة للهيمنة.
ويمكن أن يعزى صعود هوليوود إلى الشهرة إلى تقارب عدّة عوامل، بما في ذلك الجغرافيا، وريادة الأعمال، والابتكار التكنولوجيّ، حيث أثبت موقع هوليوود في جنوب كاليفورنيا أنّه حاسم لنجاحها المبكّر، إذ توفّر المنطقة مناظر طبيعيّة متنوّعة، ومثاليّة لتصوير مجموعة واسعة من الأفلام، من الأفلام الغربيّة إلى المغامرات الاستوائيّة، وعلاوة على ذلك، مكّن المناخ المشمس باستمرار التصوير على مدار العام، وهو تناقض مع الطقس الّذي لا يمكن التنبّؤ به في الساحل الشرقيّ، حيث سمحت هذه الميزة الجغرافيّة لهوليوود بالسيطرة على إنتاج الأفلام في أوائل القرن العشرين.
واتّسمت صناعة السينما المبكّرة بالمنافسة الشديدة بين الاستوديوهات، حيث اغتنم روّاد الأعمال أصحاب الرؤى مثل أدولف زوكر، وكارل ليمل، ولويس ماير الفرصة لتعزيز سلطتهم وإنشاء أنظمة استوديو متكاملة رأسيًّا، حيث سيطر هؤلاء الأباطرة على كلّ جانب من جوانب صناعة الأفلام، من الإنتاج إلى التوزيع والعرض، وقد منحهم هذا التكامل الرأسيّ تأثيرًا لا مثيل له على محتوى الأفلام ونشرها.
واستفادت هوليوود أيضًا من التقدّم التكنولوجيّ الّذي عزّز جودة أفلامها وجاذبيّتها، من الابتكارات مثل مزامنة الصوت، والأفلام الملوّنة، وتنسيقات الشاشة العريضة لم تجتذب الجماهير فحسب، بل عزّزت أيضًا مكانة هوليود كشركة رائدة في الابتكار السينمائيّ، وسمحت هذه الميزة التكنولوجيّة لهوليوود بالحفاظ على هيمنتها في سوق الأفلام العالميّة.
ويتشابك دور هوليود كأداة للهيمنة مع قدرتها على تشكيل وتعزيز الأعراف والأيديولوجيّات الاجتماعيّة، ومن خلال القصص الّتي ترويها والصور الّتي تعرضها، لعبت هوليوود باستمرار دورًا مهمًّا في تعزيز قيم ومعتقدات معيّنة، وإحدى الطرق الّتي عزّزت بها هوليوود الهيمنة هي من خلال تصوير مجموعات معيّنة، وخاصّة الأقلّيّات والنساء، وتاريخيًّا، عملت هوليوود على إدامة الصور النمطيّة العنصريّة وتهميش أصوات الأقلّيّات، وكثيرًا ما تمّ تصوير الأميركيّين من أصل أفريقيّ، والآسيويّين، والأميركيّين الأصليّين، وغيرهم من المجموعات المهمّشة بطرق نمطيّة ومهينة، ممّا عزّز التحيّزات القائمة، كما لعبت هوليوود دورًا مهمًّا في تعزيز الاستثنائيّة الأميركيّة والاعتقاد بأنّ الولايات المتّحدة فريدة ومتفوّقة على الدول الأخرى. ومن خلال الأفلام الّتي تصوّر الجنود والمخترعين والقادة الأميركيّين الأبطال، ساهمت هوليوود في أساطير العظمة الأميركيّة، إذ تمّ استخدام هذه الرواية لتبرير الإمبرياليّة الأميركيّة والتدخّل على المسرح العالميّ، وغالبًا ما يتمّ تأطير هذه الأعمال على أنّها أعمال بطوليّة وإحسان.
ولم تبتعد صناعة السينما من الانخراط في الخطاب السياسيّ، فخلال أوقات الحرب والاضطرابات السياسيّة، كان لهوليوود دور فعّال في تشكيل الرأي العامّ، على سبيل المثال، خلال الحرب العالميّة الثانية، أنتجت هوليوود العديد من الأفلام الدعائيّة الّتي روّجت للمجهود الحربيّ وشوّهت سمعة العدوّ، وبالمثل، خلال الحرب الباردة، كانت المشاعر المعادية للشيوعيّة غالبًا ما تكون جزءًا لا يتجزّأ من روايات هوليوود، ممّا ساهم في تفاقم الهستيريا المناهضة للشيوعيّة على نطاق أوسع في تلك الحقبة.
ويمتدّ تأثير هوليود إلى ما هو أبعد من حدود الولايات المتّحدة، إذ حقّقت هيمنة ثقافيّة عالميّة، حيث تهيمن القيم والأعراف والمنتجات الثقافيّة الأميركيّة على المشهد الثقافيّ للدول الأخرى، كما أدّى تصدير الأفلام والبرامج التلفزيونيّة الأميركيّة إلى شكل من أشكال الإمبرياليّة الثقافيّة، حيث تتأثّر الثقافات الأجنبيّة وغالبًا ما تطغى عليها المنتجات الثقافيّة الأميركيّة، وقد يؤدّي هذا إلى تجانس الثقافة العالميّة، حيث يستهلك الجمهور الأجنبيّ محتوى هوليود الّذي غالبًا ما يروّج للقيم وأساليب الحياة الأميركيّة.
وترتبط هيمنة هوليوود الاقتصاديّة ارتباطًا وثيقًا بتأثيرها الثقافيّ، حيث تتصدّر الأفلام الأميركيّة باستمرار قوائم شبّاك التذاكر العالميّة، وتتمتّع استوديوهات هوليوود بقوّة كبيرة في سوق الأفلام العالميّة، ويسمح هذا التأثير الاقتصاديّ لهوليوود بإملاء شروط التوزيع والعرض في العديد من البلدان، ممّا يعزّز دورها كأداة للهيمنة.
المصدر: عرب 48