الأيّام حبلى والقادم أسوأ…
فاجأت كتائب القسّام الإسرائيليّين والفلسطينيّين والعرب، وكلّ من يتابع حلقات الصراع العربيّ الصهيونيّ، وقارن محلّلون هذه العمليّة الّتي أطلقوا عليها “طوفان القدس” بمفاجأة حرب السادس من أكتوبر عام 1973.
الجديد في هذه الجولة هو أنّ الفلسطينيّين الّذين كانوا مدافعين طيلة الوقت، ويحاربون من موقعهم، وفي مخيّماتهم ومدنهم، كانوا هذه المرّة مهاجمين، وحربهم في الأراضي المحتلّة منذ عام 1948، وعدا عن العدد غير المسبوق من القتلى في يوم واحد على مدار عقود الصراع، فإنّ العدد الكبير من الجنود الأسرى لم يكن له مثيل من قبل إلّا في حرب أكتوبر وبمشاركة جيوش كبيرة.
سوف يحاول نتنياهو استعادة توازن وكرامة المؤسسة العسكريّة والسياسيّة، وهذه الضربة، تظهر أمرًا جليًّا، وهو أنّ التجاهل والأوهام بالقدرة على تجاوز حقوق الشعب الفلسطينيّ بثمن قليل قد تبخّرت!
هنالك مطالبات بالتريّث والاستعداد جيّدًا ثمّ احتلال قطاع غزّة وإنهاء حكم حماس فيها، لكنّ هذا يتطلّب حربًا طويلة ترافقها خسائر فادحة، فالمقاومة محصّنة ومسلّحة ومدرّبة جيّدًا، إضافة إلى أنّ الحالة المعنويّة الّتي تعيشها المقاومة والهدف الّذي تقاتل لأجله، مختلف تمامًا وبصورة جذريّة عن الهدف الّذي يقاتل لأجله الإسرائيليّون الّذين يدركون في أغلبهم سبب حربهم هذه، وهو هذه الحكومة الّتي تمثّل التطرّف المتشدّد، ولا تمثّل أكثريّة الشعب الّتي تؤمن بإدارة مختلفة للصراع أقلّ عدوانيّة واستفزازيّة، وخصوصًا فيما يتعلّق بالاستفزازات في المسجد الأقصى.
احتلال القطاع برًّا يعني خسائر كبيرة في صفوف الجنود، ورغم خسائر المقاومة الكبيرة المتوقّعة والخسائر في المدنيّين، إلّا أنّ المقاومة ستكون مستعدّة ومتوقّعة ردّ الفعل الأعنف والأطول، وسوف تطيل أمد الحرب وتكلفتها البشريّة.
لن يستطيع الجيش الإسرائيليّ حسم حرب عصابات بسرعة، ولا بأسابيع، وهذا يرفع من احتمالات تدخّل حزب اللّه وفتح جبهة شماليّة، إضافة إلى فتح باب زيادة العمليّات في الضفّة الغربيّة.
لقد كانت القذائف صبيحة اليوم الأحد في الشمال، إنذارًا لاستعداد حزب اللّه لدخول المعمعة في حال طال أمد المواجهة، وقد يدخلها مبكّرًا، لأنّه لن يستطيع ترك مقاومة غزّة وحيدة، وخصوصًا أنّ الدافع لعمليّة “طوفان الأقصى” الّذي تعلنه قيادة غزّة هو الدفاع عن مسرى الرسول والأقصى، وهذا يعني أنّ الخسائر البشريّة والمادّيّة ستتضاعف لدى الأطراف كلّها، إلّا أنّ قدرة الطرف الإسرائيليّ على امتصاص مئات أخرى من القتلى، أقلّ من قدرة الفلسطينيّين والمقاومة اللبنانيّة على التضحيات.
ولا بدّ أنّ تنسيقًا جرى ويجري بين قيادة غزّة وحزب اللّه اللبنانيّ، ولا ننسى أنّ إسماعيل هنيّة شكر إيران على الدعم المادّيّ والمعنويّ، وذلك عام 2021 بعد انتهاء معركة سيف القدس.
تلقّى نتنياهو صفعة صاعقة، وبات وحشًا جريحًا، هو والقيادات المحيطة به، ولكنّه لن يفلح في محو العار مهما أغرق في القتل والتدمير، والوقت سوف يضيق معه خلال أيّام، فهناك دول وأنظمة عربيّة لن تستطيع الصمت أمام الغضب الشعبيّ العربيّ الّذي سينفجر في حال ظهور صور دمار وشهداء بأعداد كبيرة، وستضغط كلّها مباشرة وغير مباشرة لأجل وقف القتال، وخصوصًا أنظمة مثل الأردنّ ومصر والمغرب، أي الدول الّتي أبرمت اتّفاقات سلام مع إسرائيل.
إنّ أعداد الأسرى الإسرائيليّين الكبيرة في يد المقاومة، ستشكّل عقبة حقيقيّة، إذ ستؤخذ في عين الاعتبار خلال العمليّات العسكريّة الواسعة، وسوف يكون أهالي الأسرى، في حالة هستيريا وضغط، سوف يضغطون مطالبين بالتفاوض لأجل سلامة أبنائهم.
من جهة أخرى، فإنّ جزءًا من المعارضة في إسرائيل على استعداد للدخول في حكومة وحدة وطنيّة، ولكنّها تشترط إقالة بن غفير وسموطرتش، وهذا يعني نهاية حكومة نتنياهو وإنشاء حكومة وحدة طوارئ.
بغضّ النظر عن استمرار هذه الحكومة كما هي أو غيرها، فإنّ عمليّة طوفان القدس أظهرت أنّ القدرات العسكريّة والتحديث في الأسلحة ومليارات الدولارات الّتي تقدّمها أميركا ومختلف الدول الغربيّة لإسرائيل والصناعات العسكريّة الدقيقة وغيرها ليست ضمانة لا للتفوّق الميدانيّ، ولا هي ضمانة للعيش بسلام مع بقيّة شعوب المنطقة، وأنّ صاحب الحقّ يبدع في عمله؛ لأنّه يشعر بالظلم الفادح الّذي يتعرّض له، ولهذا، لا بدّ من تغييرات جذريّة في السياسة الإسرائيليّة والعربيّة والدوليّة تجاه الصراع والقضيّة الفلسطينيّة، وتركها بلا حلّ جذريّ، لن يؤدّي إلّا إلى الأسوأ، وكما هو واضح، فإنّ الأيّام القادمة حبلى بالكثير الكثير.
المصدر: عرب 48