حول الأهداف السياسية الإسرائيلية المعلنة للحرب على غزة!
“الرغبة الجامحة لنتنياهو، غالانت ووزراء آخرين، بضرورة قتل عناصر حماس وإبادة سلاحهم، تهدف بالأساس إلى إشباع رغبة الرأي العام الإسرائيلي في أعقاب الغضب والصدمة وفقدان التوازن الذي أصابه”.
رغم السقف العسكري العالي الذي وضعته إسرائيل لعمليتها، التي تحولت إلى حرب دموية ضد قطاع غزة، والذي يجد التعبير عنه بتصريحات على غرار “القضاء على حماس وسحقها” و”تفكيك حماس وتقويض سلطة حكمها”، فإن الأهداف السياسية لهذه الحرب، كما يرى الكثير من المعلقين والمراقبين، ما زال يشوبها الغموض وعدم الوضوح، وبالتالي فإنها تفتح الباب على العديد من التفسيرات والتأويلات المتباينة وحتى المتناقضة للأهداف والمهمات العسكرية، وتجعل سقفها العالي المعلن عنه مسألة مفتوحة وقابلة للنقاش.
وأورد موقع “واينت” التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أن بعض الوزراء الأعضاء في “المجلس الأمني الموسع” اشتكوا من أن الخطة المتعلقة باستمرار الحرب والمناورة البرية هي خطة مقلصة جدا، بينما برزت خلافات عميقة في الرأي بين الوزراء الأعضاء في المجلس الأمني المصغر (كابينيت الحرب) الذين دافعوا عن هذه الخطة، وبين الوزراء غير الأعضاء فيه، في حين أوضح وزير الأمن، يوآف غالانت، أن إسرائيل غير معنية باحتلال قطاع غزة.
ويثير التلكؤ في الانتقال إلى العملية البرية العديد من علامات السؤال المتعلقة بتردد وتخوف الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية التي يقف على رأسها نتنياهو، من تعثر هذه العملية وإلحاقها خسائر كبيرة في صفوف جنوده، وهو ما سيضيف فشلا أخر على الفشل الذي ألحق بهم وكان سببا للحرب.
وفي هذا السياق، أورد المحلل السياسي في صحيفة “هأرتس”، يوسي فيرتر، أن أوساطا مختلفة في حزب الليكود الحاكم غير واثقة بأن نتنياهو سيذهب هذه المرة حتى النهاية وينفذ ما وعد به عام 2008 بالقضاء على حماس، ويقولون إنه “يخاف من القيام بذلك”. هذه الأوساط أعربت عن تخوفها من قيام نتنياهو بمناورة لكي لا ينهي المهمة في قطاع غزة، على حد تعبيرها، ونقلت “هآرتس” على لسان مصدر ليكودي مطلع على قضايا الأمن والاستخبارات، قوله إن “نتنياهو يقصد القيام بعملية جدية في قطاع غزة لكنها موضعية، وهو يتحدث عن عملية إستراتيجية وتاريخية، لكن مما أسمع من مصادر مختلفة فإن ذلك لن يحدث”.
المصدر أضاف أن نتنياهو سيقول “قوضنا وقضينا وجلبنا هدوءا لأجيال قادمة”، ولكن سيقوم مرة أخرى بعمل جزئي فقط، وهوما أكده لـ”هآرتس” عضو كابينيت ليس من الليكود، قال إنه لا يرى تطابقا بين التصريحات وبين الخطط العسكرية، بينما يذكر عضو كنيست آخر من الليكود بما حدث خلال عملية “الجرف الصامد” عندما طالب الجمهور بعملية واسعة فقام نتنياهو بتسريب عارضة تشير إلى مقتل 400 جندي في هكذا عملية، ما أدى إلى الخوف وتراجع الضغط الشعبي.
في إسرائيل يلومون نتنياهو ويحملونه مسؤولية تعاظم قوة حماس بصفته صاحب توجه تقوية حماس وإضعاف السلطة الفلسطينية، وفي الحقيقة فإن سياسته هي جزء من إستراتيجية اليمين الإسرائيلي التي تقوم على تفكيك القضية الفلسطينية بواسطة تكريس الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني وبالتالي عزل غزة وضم أجزاء واسعة من الضفة لإسرائيل، والقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة.
بالإضافة إلى مثول هذه الإستراتيجية أمام نتنياهو في التعاطي مع الحرب على غزة رغم دافع الانتقام الكبير، فإنه هو الوحيد من بين القيادة السياسية والعسكرية الذي لم يعترف بالفشل ويأخذ مسؤوليته على عاتقه مثلما فعل الآخرون، وهو ينظر إلى ما بعد الحرب على غزة وتأثيرها على مستقبله السياسي، خاصة وأنه فشل في ضم جميع أحزاب المعارضة إلى حكومة الطوارئ التي شكلها وفي مقدمتها حزب المعارضة الأكبر “يش عتيد”، الذي اشترط دخوله بإخراج أحزاب الصهيونية الدينية، سموترتش وبن غفير، منها، وهو ما رفضه نتنياهو.
في السياق، يقول يوسي ميلمان ردا على التصريحات الإسرائيلية المجلجلة، إن الشعور بالانتقام ليس بديلا عن الإستراتيجية واتخاذ قرارات عقلانية تستند إلى رجاحة الرأي وليس على الممكن والمرغوب فيه، وهو يرى أن الرغبة الجامحة لنتنياهو، غالانت ووزراء آخرين، بضرورة قتل عناصر حماس وإبادة سلاحهم، تهدف بالأساس إلى إشباع رغبة الرأي العام الإسرائيلي في أعقاب الغضب والصدمة وفقدان التوازن الذي أصابه.
ويشير الخبير في قضايا الأمن في مقال نشرته “هآرتس”، إلى أن إسرائيل تراوح مكانها رغم تجنيد 350 ألف جندي ومرور أسبوعين تقريبا، فإن العملية البرية لم تخرج إلى النور بعد، وهو يرى أن هذا الانتظار يعكس ضعفا وترددا ويضعف من التفويض والشرعية العالمية الممنوحة لإسرائيل حتى الآن.
ويقول ميلمان إن حماس تمتلك 20 ألف مقاتل و30 ألف صاروخ وبحساب بسيط فإن القضاء على قوتها البشرية والصاروخية يحتاج إلى شهرين من القتال في قلب قطاع غزة، والسؤال المطروح هنا: هل تستطيع إسرائيل تجنيد احتياطي 350 ألف جندي لمدة شهرين؟ وهل هي تضمن أن تكون نتيجة الحرب القضاء على القوة البشرية والصاروخية لحماس وألا تطلق في نهاية الحرب الصواريخ إلى تل ابيب مرة أخرى؟ ويذكر في هذا السياق إلى معارك سابقة في لبنان وفي غزة بدأت بجلجلة مدوية وانتهت بضعف وانكسار.
المصدر: عرب 48