كيف تختلف قصائد النثر عن قصائد الشعر الموزون؟
قصائد النثر محاولات شعرية تحررت من الوزن والقافية
يقول قدري لـ”سيدتي”: قصيدة النثر عبارة عن محاولات شعرية تحررت من الوزن والقافية اللذيْن كانا سائديْن في الشعر العربي القديم، واعتمدت بعض نصوص الشعر النثري على السجع، واعتمد بعضها الآخر على لغة شبيهة بلغة الشعر، وقصيدة النثر على العكس من القصيدة الحرة، فهي ولدت على الورقة؛ أي كتابياً، وليس لها أصل شفوي، كما هو حال قصيدة الشعر الموزون أو الحر، وهي غير موزونة، وتأتي القافية فيها في مناطق مختلفة من الأبيات، وأحياناً تكون غير مقفاة، وتحمل صوراً ومعاني شاعرية، ولكنها كيان مستقل بحد ذاته مبنيّ على مادة نثرية بعيداً عن السرد والإطالة، وتكون غايتها الشعر وإظهار جمالية الكلمة وإيقاعها المضبوط والمتوازن الذي يرافق النص من أول القصيدة إلى آخرها، والشعر الموزون هو ذلك الشعر الذي يلتزم ببحر من بحور الشعر العربي، والتي يتكون كل بحر منها من تفعيلات، وتتكون كل تفعيلة من مجموعة من الحركات والسكنات لا بد من الالتزام بها لكي يكون الشعر موزوناً.
بداية قصيدة النثر وأبرز شعرائها
بدأت قصيدة النثر عام 1960، وكانت تعبّر عن التجارب والمعاناة التي تواجهها المجتمعات، وكانت تتضمن صوراً شعرية كثيرة وكثيفة ومليئة بالأحاسيس والشفافية ونقل الواقع، وخلال الخمسين عاماً الماضية؛ ظهر في مصر رواد قصائد النثر وهم أجيال شعرية، فمن جيل الرواد: صلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطي حجازي، ومحمد مهران السيد، وعبدالمنعم عواد يوسف، مروراً بجيل الستينيات؛ متمثلاً في: محمد عفيفي مطر، وأمل دنقل، وفاروق شوشة، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وجيل السبعينيات؛ متمثلاً في تجارب: حلمي سالم، وحسن طلب، ورفعت سلام، وجمال القصاص، وفريد أبو سعدة، ومحمد سليمان، وعبدالمنعم رمضان، وماجد يوسف، وجيل الثمانينيات؛ وتمثله أسماء عدة، منها: إبراهيم داود، والسماح عبدالله، وفاطمة قنديل، وصولاً إلى جيل التسعينيات، والذي عُرف بـ”جيل قصيدة النثر”، حيث بلغ النثر مكانة بارزة، ومنهم: إيمان مرسال، وهدى حسين، وعزمي عبدالوهاب، وعاطف عبدالعزيز، وعلي منصور، وغيرهم.
كيف تختلف قصائد النثر عن قصائد الشعر الموزون؟
الشعر يحتاج إلى جهد كبير في نظمه والالتزام بالقواعد العامة، مثل البحور والموازين وأحكام القوافي والالتزام بالفكرة والمضمون، أما النثر ليس كذلك؛ فهو حرّ من أي التزام، يمكن الشاعر أن يبحر منطلقاً في فضاءات الخيال بحرية تامة، بعيداً عن القيود والأسوار وكل ما يقف أمام إبداعه.
هل للنثر أوزان وأبحر؟
غالباً لا يستخدم الشعر المنثور القافية بشكل صريح وواضح، ولكنه يتبع بعض القواعد الشبيهة بالقوافي؛ مثل الاستعانة ببعض الأدوات اللغوية المشتركة في نهاية السطر، مثل الإيقاع والتكرار، والتناغم والجناس. ومع ذلك، يمكن استخدام القافية في الشعر المنثور إذا اختيرت هذه الخاصية لغرض ما من قِبل الشاعر.
القصائد النثرية أكثر ملاءمة لواقع العصر الحديث
يؤكد الشاعر أحمد قدري أن قصيدة النثر قد تكون أكثر ملاءمة لواقع هذا العصر لسهولة التناول، والذي يتيح لها التوافق مع مقتضيات العصر ولغته التكنولوجية بأبعادها الافتراضية وفضاءاتها الحرة.
بعض الأمثلة لقصائد نثرية
يقول الشاعر محمد عفيفي مطر بإحدى قصائده:
من أي مقلاع يطير النيزك الكوني مشتملاً
بشال حريره الناري وهو يشق في لحم الظلام
سبيله ويُجرر الحبب الدخاني المضيء وراءه
فالأُفق طاووس يُرفرف في متاهات الفلك
المجد لك
اهبط خفيفاً، وانطفئ شيئاً فشيئاً
وانتشر كحلاً يفتق أعين الأحياء والموتى
لكل آية مما يخط جناحك المنثور في
الألواح تَنبض في جوارح مَن هلك
ويقول الشاعر حلمي سالم:
خذوا الإوزة من عنقي
هنا عصر يسير عكس صناعه اليدويين
على سرير توت عنخ آمون قلت:
أنت امرأتي التي كتبها الله لي
جرثومة الرعب آكله
لكنني سأضع قشدة على قشدة
في بقعة مجهولة سنحفظ الشرائط
حيث الباليه الذي اقترحناه على جذعين
خذوا الإوزة من عنقي
ويقول الشاعر محمد الماغوط:
عكازك الذي تتَّكئ عليه يوجع الأسفلت
فالآن في الساعة الثالثة من هذا القرن
لم يَعُد ثمَّة ما يفصل جُثث الموتى
عن أحذية المارة.