«دبسا» في جبهة أخي ولا «مشعاب» بقفاتي
ركزت أربعة أعواد في رماد الملة، ونشرت ثوب والدها على ما بقي من دفء جمرات القرض، وأسهمت تتابع دخاناً متصاعداً فيه من عبق روح وجسد أبيها؛ واستفقدت أمها؛ فخرجت تتلمح لها، وإذا بها مقبلة من قدام بيت (الخياط الأعمى) وطاستها النحاسية، فوق رأسها، انتظرتها حتى وصلت أعلى الدرجة، فلمحت فيها، بعين الريبة؛ ونشدتها؛ وين كنتِ من عصرا؟ أجابتها؛ كنت أعشّي ضعيف الله، (عميان) ما حد يلتهمه، ولا يلمح له، فاستفسرت البنت؛ ويش لأمها عند بوها؛ يوم تلمحين له وتعشينه؛ فقالت؛ أمي وأمه أخوات من الرضاعة، وأضافت: تراه قرا لك البخت، قالت: كيف يقرأ البخت وهو ما يشوف؟ فعبّرت بامتعاض حركي بفكيها.
بات (أبو ذيبة) في ليل أسود من لون الباذنجان؛ انشحب صوته من كثر المهاداة والمناداة، ونشف ريقه؛ كانت (ذيبة) ترقب والدها، وكلها قلق أن تكون هي السبب، فشرحت لأمها ما وقع منها، قالت: لا، لا الطشت ما يرزاه لو فوقه كماه؛ لكن الركيب اللي كان ينجّم فيه النجل، مقسوم بين أهله وبين الجنّ بسم الله علينا، وتلقينه قد زهق في نصيب الجنّ فعجموه، قالت لها: وش البُصر، فقالت؛ خذي الطاسة، امليها ماء، وافلحي بها عند الخياط الأعمى، خليه يقرأ عليها، وما صدق الخياط أنها دخلت عليه، فقام يتخبط ويتدهشر؛ وهي متعافية، رثمته بكوعها على خشمه، لا ون الأعمى؛ يزفر، وصبت ماي الطاسة فوقه، وهو يردد اعقبي يا الكلبة، قالت: تخسى يا البرطم المشتور، وصفقت بالباب؛ وعوّدت على أمها، أبلغتها بتجاوز عميان، فهوّنت الموضوع، وعلّقت؛ الله يأخذ عقلك إن كان صادقة، الكفيف ضعيف، وما يخيّط لي إلا هو وما قد خذ ريال، وتناولت طاسة الرعبة، وانطلقت ما فوق رأسها إلا شيلتها، وما ردّت الرأس إلا نُص الليل، ولقيت الشايب يهلل ويكبّر ويروّي لذيبة رويّة (الناقة المشوّلة) اللي كل ما حملت سقط ذراها.
انتهرها فين كنتِ يا العايبة، فقالت: كنت أسوي لك طاسة الرعبة أربّ الله الحمى تفك عنك، وانفلتت عليه؛ وشبك تنافخ، ما كنك إلا كنت تحوق نثله، ما هلا، منكعر وتنادي الموتان، فقال: الله يجعلك لحوقتهم، وطلب من ذيبة تنقل فراشه من الشقيق، وتاهبه ورا الزافر. وأضاف: أمك تيه كما الغرب المخروق ما يصل القُفّ وفيه نُشفه، كنها ما قد شافت هيله في حياتها، اقترب منها؛ فقالت: فيك صنّه كما صنّة التيس القارح.
أقبل عليه أخوه صبح اليوم التالي؛ يعسّه، ومعه ثلاث حبات خوخ فدري؛ لاحظ مشيته ما هي العادة؛ فسأله: وشبك تكلع، فقال: طحست، ولكن جت عوافي، فقال: الجمل يكرع من أذنه، قال أنا جمل أكرع؛ وأنت مشدود كراعينك معرقبة، فأشعل أبو ذيبة سيجارته، ووضع كفه على جبهته، وهي عدّت من جنبهم، ولا سلّمت.