انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

يشهد سكان المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي في اليمن موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، تضاف إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة. هذه الزيادات، التي طالت معظم المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، تأتي بالتزامن مع زيادة الضرائب والجبايات التي تفرضها الجماعة، بينما تشهد الأسواق العالمية انخفاضًا في أسعار بعض السلع. وتفاقم هذا الوضع من معاناة اليمنيين الذين يعانون بالفعل من نقص حاد في الدخل وارتفاع معدلات البطالة.
وتتركز هذه الزيادات في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مثل صنعاء، وعمران، وذمار، وريمة، وبعض مناطق الحديدة. وقد بدأت هذه الموجة في الظهور بشكل ملحوظ خلال الأسبوعين الماضيين، وتستمر في التصاعد بوتيرة مقلقة، مما يهدد بتعميق الأزمة الإنسانية في البلاد. وتشير التقارير إلى أن أسعار المواد الأساسية ارتفعت بنسب تتراوح بين 20% و50% في بعض الحالات.
تأثير الجبايات الحوثية وارتفاع الأسعار على القدرة الشرائية
يعزو مراقبون هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، أبرزها استمرار جماعة الحوثي في فرض رسوم وضرائب جديدة على التجار والمواطنين، تحت مسميات مختلفة. وتشمل هذه الجبايات رسومًا على حركة البضائع، وضرائب على الأرباح، ومساهمات قسرية، مما يرفع تكلفة المعيشة بشكل كبير.
الضرائب المتزايدة وتأثيرها على الأسواق
تفرض الجماعة الحوثية ضرائب على مختلف القطاعات التجارية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات. وتشمل هذه الضرائب رسومًا على الوقود، والمواد الغذائية، والأدوية، وغيرها من الاحتياجات الأساسية.
التلاعب بالأسعار واستغلال الأزمة
بالإضافة إلى الجبايات، يتهم البعض التجار بالاستغلال والتلاعب بالأسعار، مستغلين الأوضاع الأمنية والإنسانية الصعبة لزيادة أرباحهم. وتشير التقارير إلى وجود حالات احتكار لبعض السلع الأساسية، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل مصطنع.
في المقابل، يشير خبراء اقتصاديون إلى أن الأسعار العالمية لبعض المواد الاستهلاكية قد شهدت انخفاضًا في الفترة الأخيرة، إلا أن هذا الانخفاض لم ينعكس على الأسواق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ويرجعون ذلك إلى القيود المفروضة على التجارة، والبيروقراطية المعقدة، والفساد المستشري.
وتأتي هذه الزيادات في الأسعار في وقت يعاني فيه أغلب اليمنيين من فقدان مصادر دخلهم أو تدهورها بسبب الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة. كما أن تدهور قيمة الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي يزيد من صعوبة الحصول على الاحتياجات الأساسية.
وقد أدت هذه الأوضاع إلى تزايد الغضب والاستياء الشعبي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث خرجت احتجاجات محدودة في بعض المدن للمطالبة بتخفيض الأسعار ووقف الجبايات. لكن هذه الاحتجاجات قوبلت بقمع من قبل الجماعة، مما زاد من حدة التوتر.
ارتفاع الأسعار يؤثر بشكل خاص على الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، مثل الأسر الفقيرة والأطفال وكبار السن. ويواجه هؤلاء صعوبة بالغة في توفير الغذاء والدواء والملبس، مما يهدد حياتهم وصحتهم.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن سوء التغذية الحاد يهدد حياة أكثر من 2.3 مليون طفل يمني، وأن أكثر من 17 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الغذائية.
الوضع الاقتصادي في اليمن بشكل عام هش للغاية، ويتأثر بالعديد من العوامل، بما في ذلك الحرب، والقيود التجارية، والفساد، وتدهور البنية التحتية. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الاقتصاد اليمني انكمش بنسبة 50% منذ بداية الحرب في عام 2015.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تدهور قيمة العملة المحلية (الريال اليمني) يساهم في ارتفاع الأسعار وتفاقم الأزمة الاقتصادية. وقد فقد الريال اليمني أكثر من نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي في السنوات الأخيرة.
وحاولت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً اتخاذ بعض الإجراءات للحد من ارتفاع الأسعار وتحسين الوضع الاقتصادي، مثل دعم السلع الأساسية وتوفير المساعدات الغذائية. لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لمواجهة حجم الأزمة.
وفي سياق متصل، دعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري للقتال وفتح الموانئ اليمنية للسماح بدخول المساعدات الإنسانية والتجارية. كما طالبت بوقف فرض الجبايات والضرائب غير القانونية التي تزيد من معاناة الشعب اليمني.
من المتوقع أن يستمر ارتفاع الأسعار في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. وترقب الأوساط اليمنية نتائج اجتماع مرتقب للجنة الاقتصادية المشتركة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، والذي يهدف إلى بحث آليات التخفيف من الأزمة الاقتصادية.
يبقى الوضع معقداً وغير مؤكد، ويتوقف على تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن، وعلى قدرة الأطراف المتنازعة على التوصل إلى حلول تضمن استقرار الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة الشعب اليمني.

