نجيب محفوظ أيقونة إبداعية فريدة محفورة في ذاكرة الزمن
ملك الرواية
وُصف نجيب محفوظ بأنه “ملك الرواية” بلا منازع، فقد وصفته بذلك جريدة لوموند الفرنسية عشية إعلان فوزه بجائزة نوبل، ولقب كذلك “الرجل الساعة” المنضبط بحسب أصدقاؤه والمقربين إليه، ووُصف محفوظ بأنه “سيد الواقعية التفصيلية” كما وصفه الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك، بـ”تشارلز ديكنز مصر”. والشاعر والروائي الأمريكي، جاي باريني أحد المبتكرين الرائدين في نوع رواية السيرة الذاتية وصفه في تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية بأنه كان” ثوريًا بطريقته الخاصة”، وأنه ” سيد الواقعية التفصيلية في السرد، وصورته التي رسمها عن القاهرة ستظل حيّة تقارن بسادة الأدب الأوروبي مثل بلزاك وتوليستوي وديكنز”. فلطالما كان محفوظ كاتب الطبقة البرجوازية المتوسطة ولسان حال الطبقة الفقيرة المعدمة التي تكافح من أجل البقاء وتؤجج حمى الثورة وتبني قواعد هرم الوطن الصلبة.
الطفل الشقي من الحارة المصرية
ولد نجيب محفوظ وشبّ عن الطوق بحي الحسين العتيق بالقاهرة عام 1911، وكان والده عبد العزيز إبراهيم أحمد يعمل موظفًا بسيطًا، وقد كان نجيب أصغر أشقاءه وقد سماه أبوه نجيب تيمنَا باسم الطبيب الشهير وقتها نجيب باشا محفوظ والذي كان سببًا فى مجيئه للحياة معافًا عقب ولادة متعسرة.
لم يكن محفوظ طفلًا هادئأ خانعًا مفكرًا متأملًا مثل باقى الأطفال المبدعين بل كانت طفولته حافلة بشقاوات وشقلبات وحكايات لا تنتهي من عالم الصغار فقد نشأ بحارة شعبية قديمة وتفتحت عيناه بأعمق أعماق المجتمع المصري بأصالته وأصوليته، وهو ما عبر عنه لاحقًا بالكثير من أعماله فيما بعد.
بدأت إرهاصات محفوظ الإبداعية الأولى في الظهور من خلال أول تجربة أدبية له في سن الـ 17 ، لينشر في سن الـ 21 أول رواية له وهي “عبث الأقدار” أو “حكمة خوفو” كما سميت فيما بعد، وكانت تنتمي للأسلوب الواقعي التاريخي في الأدب، ثم نشر روايتي “كفاح طيبة”و”رادوبيس” لتمثل أول ثلاث روايات له ثلاثية تاريخية تدور في زمن الفراعنة.
جائزة نوبل كرست لحقبة جديدة من الإبداع العربي
في البداية عمل نجيب محفوظ كموظف في وزارة الأوقاف المصرية، وتنقل بين العديد من الوظائف الحكومية متقلدًا عددًا من المناصب والوظائف في وزارات مختلفة حتى تقاعد في عام 1971، عندما بلغ الستين، وقد انطلق بسماوات الإبداع متحررًا محلقًا لتخرج أيقونه الأدبية الخالدة “الثلاثية” والتي وصفت بأنها أفضل رواية عربية في تاريخ الأدب العربي حسب رأي أتحاد كتاب العرب، وهي تتكون من ثلاثة حكايات مصرية: بين القصرين 1956، قصر الشوق 1957، السكرية 1957 وهي الروايات التي حصد بسببها جائزة نوبل العالمية ليكون أول أديب عربي وإفريقي وشرق أوسطي يحصد هذه الجائزة المرموقة في العام 1988 لافتًا نظر العالم لمكنون البيئة العربية الخصب الزاخر المكتظ بالمبدعين، ومكرسًا لحقبة جديدة من الفكر والإبداع للثقافة العربية، وملهمًا للكثيرين ليلجوا ذات الطريق ويجتازوا ذات التحديات مفعمين بأمل الحصول على نوبل جديدة تمثل إضافة أخرى ثرية لعالمنا العربي الأصيل.
أديب كل الأجيال وكل العصور
أمجد ربيع عبد الرحيم، وهو أديب شاب من المعجبين بأديب نوبل، يقول لسيدتي: لطالما شعرت بأثر وتأثر محفوظ بالمدرسة الواقعية الفرنسية عبر فلسفة المذهب الطبيعي، الذي كان منتشرًا بمنتصف القرن الماضي، بالكثير من رواياته وأدبياته، على أن اللافت بأسلوب محفوظ صياغاته المثيرة الحداثية المفعمة بمقاربات في التطور الجمعي السوسيولوجي، وهو ما كرس لإعادة صياغة فكر الإنسان المصري بتاريخه الضارب في جذور الزمن ضمن حاضره الواعي والذي يستشرف منه المستقبل، وعن أكثر ما يثير انتباهه بروايات نجيب محفوظ يؤكد الأديب الشاب أن براعة نجيب محفوظ الوصفية ورصانة أسلوبه السردي المثير واختيار ألفاظه الراسخة المعبرة عن واقع المجتمع المصري وتغيراته بذلك الوقت كانت اكثر ما أعجب به وأثار انتباهه.
لبنى نزيه عبد الحميد، بكالوريوس علوم وصاحبة مدونة أدبية، تقول لسيدتي عن نجيب محفوظ: لا يمكن لأحد أن ينكر تأثير الحارة المصرية في روايات نجيب محفوظ فقد عبر عنها برؤيته الواعية معتمدًا على الواقعية النقدية والإشتراكية، وقد أظهر نجيب محفوظ في ثلاثية نوبل النمط الإنساني الفريد بكل مكنوناته ، معتمدا التحليل النفسي والنقد الأجتماعي بحيث جعل التأريخ شاهدا حقيقيا حياً في سوسيولوجية المجتمع المصري ومن ثمّ فقد استحق نوبل بجدارة.. وهو أديب كل زمان ومكان وترجمت رواياته لعشرات اللغات وهي التي يستمتع وسيستمتع بها كل الأجيال، فقراء القرن الماضي من الآباء والأجداد استمتعوا بإبداعاته ونحن مازلنا نستمتع بها، وسنورث هذا الشعور لأبنائنا.. ليظل محفوظ أيقونة إبداعية لا تتكرر محفورة في ذاكرة الزمن.
ونحو المزيد عن الاحتفال بذكرى ميلاد نجيب محفوظ يمكنك متابعة “كتاب جدة” يروي حكايا نجيب محفوظ
أعمال نجيب محفوظ
بحسب الموقع الرسمي لجائزة البوكر thebookerprizes.com، فقد اعتبر محفوظ من أوائل كتاب الأدب العربي المعاصرين الذين استكشفوا موضوعات الوجودية وهو المصري الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل في الأدب. نشر 35 رواية، وأكثر من 350 قصة قصيرة، و26 سيناريو سينمائي، ومئات المقالات الافتتاحية في الصحف المصرية، وسبع مسرحيات على مدار 70 عامًا من حياته المهنية، من الثلاثينيات حتى عام 2004، ومن أشهر أعماله “الثلاثية” و”أولاد الجبلاوي”. تم تحويل العديد من كتبه إلى أفلام مصرية وأجنبية، ولم يقم أي كاتب عربي بتعديل أعماله سينمائيًا وتلفزيونيًا أكثر من محفوظ، وقد تم ترشيحه، عن مجمل أعماله، لجائزة مان بوكر العالمية لعام 2005. وقد حصد العديد من الجوائز على رأسها جائة نوبل للآداب 1988، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى، 1962، جائزة الدولة التقديرية في الآداب، 1968، ووسام الجمهورية من الطبقة الأولى، 1972، وقلادة النيل العظمى، 1988، وجائزة كفافيس، 2004 وغيرها.
من أهم روايات نجيب محفوظ: رواية “القاهرة الجديدة”، و”خان الخليلي”، “زقاق المدق”، و”السراب” و”بداية ونهاية” “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية”.، و”أولاد حارتنا” و”اللص والكلاب” و”عبث الأقدار” وغيرها
ما قاله الشباب عن نجيب محفوظ في مجلة “سيدتي”
كانت سيدتي قد نشرت تحقيقًا ثريًا عن كتب عمالقة الأدب العربي ومدى استفادة الأجيال الشابة منها، وتضمن التحقيق عددًا من أعظم الكتاب العرب وعلى رأسهم كاتبنا الشهير أديب نوبل، وقد أجمعت الآراء على أن نجيب محفوظ مثل لهم قدوة معهودة وفلسفة محمودة وإبداع متدفق لا ينضب أبدًا يفيض ألقًا وتفردًا، فقد أبدت عهد أفندي، إعلامية سعودية، إعجابها بنجيب محفوظ، فبيَّنت أنها تعشق رواياته، التي تمَّ تحويل بعضها إلى أفلامٍ ومسلسلاتٍ؛ إذ تصوِّر الحياة كما هي في الواقع، لذا وصلت إبداعاته إلى عالم السينما والتلفزيون، وذكرت: “هم رحلوا عن الحياة، لكنهم تركوا بصمةً لا تنسى في عالم الأدب واللغة العربية والثقافة”، وأخبرتنا تقوى علي، صانعة أفلام ومخرجة وكاتبة بحرينية: “كانت والدتي تحشو عقلي بالكتب والقراءة، كبرت وكبر الحب معي، وحينها تفرعت الحكايات والقصص التي أقرؤها، وتعرفت بعدها إلى عمالقة الأدب العربي في مناهج الدراسة، أمثال جبران خليل جبران ونجيب محفوظ”. كما كشف لنا أمين حرشاني، طالب تونسي في كلية الحقوق: “حفّزتني إصدارات كتّاب الرّعيل الأوّل، كتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وطه حسين وميخائيل نعيمة، على التّفكير، وعلى استعمال العقل، ودعتني للتأمّل، فحرّرت ذهني من الانغلاق ومن التعصّب، وسافرت بي إلى ثقافات التنوير”. وتابع وجيه الغاشي، رئيس القسم العقاري في مكتب للدراسات القانونية والعقارية بالمغرب؛ قال أنه من الطبيعي جداً لأي شاب عربي، أن يكون مطلعاً على الأدب العربي وعمالقته، الذين لن يجود بهم الزمان، أمثال: مصطفى لطفي المنفلوطي، وعباس محمود العقاد، وجبران خليل جبران، ونجيب محفوظ، وطه حسين، فهم أعمدة الأدب العربي. واختتم محمد مجدي، مهندس ميكانيك مصري حديث التخرج، بقوله: نُصِحت أخيراً من قِبل أحد كُتّاب علم النفس بقراءة رواية معينة لنجيب محفوظ، وبالفعل، بدأت بالقراءة، ومنذ الصفحات الأولى أصِبت بالذهول، وكنت أتوقف عند كل كلمة، وذلك من جمال التعبيرات، ودقة الوصف، وروعة الصياغة الأدبية بشكل عام.
يمكنك متابعة التحقيق كاملاً عبر : كتب عمالقة الأدب العربي هل تستفيد منها الأجيال؟
أو تصفحي مجلة سيدتي الرقمية في عددها 2210
ونحو المزيد من أعمال نجيب محفوظ يمكنك متابعة: ملخص كتاب “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ”