تحديث المجتمع السعودي.. وجهاز قياس الأثر
شهدت المملكة في السنوات الأخيرة حراكاً كبيراً، انعكس تلقائياً على حجم التشريعات وسن القوانين التي أصدرتها الجهات التشريعية في المملكة، استجابةً طبيعية ومنطقية لكمية مدخلات التغيير الأفقية بالذات، التي فاقت في تصوري كل مدخلات التغيير الرأسية التي كانت إلى فترة قريبة هي المحرك الأقوى والمؤثر الوحيد (ربما) في كل التحولات التي تشهدها المجتمعات عموماً والمجتمع السعودي أحدها.
لكن سرعة رياح التغيير التي يشهدها المجتمع السعودي وحجم التغيير وشموليته تتجاوز ربما التشريعات إلى الثقافة، فمهما كانت ضرورة التشريعات وأهميتها ومواكبتها، تظل بحاجة إلى ثقة كل الأطراف للتعامل معها بأريحية واطمئنان. فهل ثقافة المجتمع مقدَّمة على التشريعات القانونية؟ علاقتنا مع المحامي (على سبيل المثال) هي علاقة مجتمعية ومهنية جديدة، وهي لا تزال علاقة مليئة بحقول الألغام والشكوك وسوء الظن (ربما) وعدم الثقة. وهي أزمة لا تقتصر على المجتمع، بل إن المحامي جزء أصيل من المشكلة في كثير من الأحيان. بعض المحامين يستغل جهل الناس بالقانون وبحقوقهم استغلالاً بشعاً. وليس صحيحاً ألا تخطو خطوة إلا بمحامٍ بجانبك ومعك! ثم ماذا لو أن المحامي استغل جهل الموكل له، وهي بالمناسبة كثيرة؟ من ينصفه؟ هل يضطر إلى توكيل محامٍ آخر؟ هل كل الناس قادرة على توكيل محاميين؟ وهل نحن بحاجة لمزيد من التشريع أم أن هناك حلقة مفقودة بين القاضي والمحامي وأطراف القضية مهما صدر من تشريعات؟
والشيء ذاته يطغى على علاقتنا بالمبرمجين والتقنيين، التي يشوبها كثير من الشكوك! الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على الأطباء، فعلاقاتنا مع الطبيب أصبحت تفتقر كثيراً إلى الثقة، فهل أسهمت التقنية والرقمنة في توسيع أزمة الثقة هذه بين المجتمع وأصحاب المهن أم هي قوة وكمية تيارات التغيير التي لم تسمح بمراجعة ومراقبة كثير من العلاقات المهنية والتشريعات الصادرة لتنظيمها وتسييرها؟
تجربتي شخصياً مع الاحتيال المالي، ولدت لدي كثيراً من التساؤلات حول عدم جدوى بعض المؤسسات والأجهزة التي كان يفترض أن تكون جزءاً من الحل، بدلاً أن تكون جزءاً من المشكلة، التي هي في الحقيقة تمارس دور (شاهد ماشافش حاجة)، فهل قضية الاحتيال المالي لا تزال بحاجة للمزيد من التشريعات، أم أن هناك مشكلة في الأجهزة القائمة عليها أو المهن المسؤولة عنها؟
أظن أننا بحاجة لجهاز إداري بحثي رقمي مهمته قياس ذبذبات التغيير والاستجابة للتشريعات الجديدة والتأكد من أثرها الإيجابي وسلامة إجراءاتها وتعزيزها بكل السبل التي تضمن الثقة بها ونزاهة القائمين عليها من الممارسين وقياس حجم الارتدادات أو الاهتزازات الناجمة عن عدم مهنية القائمين على تنفيذ بعض تلك التشريعات، لا بد من إخضاع كل تشريع يتم تطبيقه حديثاً للمراجعة والمراقبة والتحري حتى تثبت صحته وسلامته وموثوقيته بين كافة الأطراف المعنية في المعادلة.
يجب أن يكون هناك مؤشر لقياس أثر تلك التشريعات، ولا يتم الاكتفاء بالتشريعات نفسها.