تحليلات إسرائيلية : الجيش يخوض حرب غزة بدون خطة
قال المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلي ناحوم برنياع الاثنين 15 يناير 2024 إن الجيش الإسرائيلي يشن الحرب على قطاع غزة من دون خطة لإنهاء الحرب، وكذلك للفترة التالية بعد الحرب، بحيث أن الاعتقاد الآن هو أن هذه حرب ستستمر إلى الأبد، ولذلك فإنها حرب من أجل “معاقبة” الفلسطينيين و”الانتقام” منهم بسبب هجوم حماس في 7 تشرين الثاني/أكتوبر الماضي.
واعتبر برنياع أن سبب ذلك نابع من الخصومة بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو ، ووزير الأمن، يوآف غالانت، وهما المسؤولان الأرفع في كابينيت الحرب. “وهما لا يتحدثان مع بعضهما. وبالإمكان تعداد المرات التي تحدثا فيها على انفراد على أصابع يد واحدة، وفي جميعها لم يبحثا في موضوع الحرب”.
وأضاف أن “نتنياهو يبذل كل ما بوسعه، منذ اليوم الأول، كي يصور غالانت كمن تدار الحرب من دونه. وينبغي البحث عن السبب في الغريزة، وليس في نقاش شرعي حول عمليات عسكرية. ويوجد ثمن للخصام، فالجيش هو جهاز هرمي، وهو يواجه صعوبة في إدارة الحرب تحت سياسيين عدوين. والأيام المئة التي مرت منذ بدء الحرب تدل على المصاعب. فالأهداف لم تتحقق، كما أن معظم المخطوفين لم يعودوا إلى ديارهم”.
ووفقا لبرنياع، فإن “الوضع أخطر في الكابينيت الأمني الموسع، والذي يتعين عليه بموجب القانون أن يتخذ القرارات الهامة. وأوضحت دولة إسرائيل رسميا، بواسطة ممثليها في محكمة العدل الدولية في لاهاي، أن لهذا الكابينيت، الذي في عضويته وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لا علاقة بالقرارات التي تتخذ في المجال الأمني”.
وأردف أن “هذا كان كذب بالطبع. ويوجد تأثير هائل لبن غفير وسموتريتش. وبسبب تخوفه منهما، نتنياهو يلجم أي قرار حول اليوم التالي. ونتيجة لذلك يعمل الجيش داخل غزة بدون خطة، والإدارة الأميركية تواجه صعوبة متزايدة في دعم إسرائيل”.
وتابع برنياع أنه “إذا اعتبرنا أننا لا نريد ولسنا قادرين على إلقاء أكثر من مليوني شخص في البحر، فإن هذا الهجوم (الحرب) لن يحل المشكلة التي تضعها غزة أمامنا. ومن دون بديل (سياسي)، إما أن حماس ستعود للسيطرة في غزة أو أن يبقى جنود الجيش الإسرائيلي فيها إلى الأبد. والإمكانية الثالثة هي فوضى على غرار الصومال وليست أفضل من الإمكانيتين الأخريين”.
ويتوقع أن تصادق حكومة نتنياهو ميزانية الدولة للعام الحالي بسبب الحرب، بعد أن صادقت عليها العام الماضي. إلا أن الميزانية الجديدة تشمل تقليصات في ميزانيات الوزارات، باستثناء وزارة الأمن التي سترتفع، ومن الجهة الأخرى ستتضمن ميزانيات مخصصة لمصالح فئوية لأحزاب الائتلاف. ورأى برنياع أن “الحاجة إلى رشوة الحريديين والسموتريتشيين كانت ملحة أكثر. والحكومة التي تكذب من دون أن يرمش لها جفن لا يمكنها إدارة حرب، حتى لو كانت الحرب عادلة”.
من جانبه، أفاد المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، بأنه لا توجد حتى الآن مقترح تسوية حول صفقة تبادل أسرى، وإنما توجد أفكار تطرحها قطر ومصر بدعم أميركي، “وإدراك لما يتوقع أن تطالب قيادة حماس”.
وبحسبه، فإن مطالب حماس ستكون “مرتفعة بما لا يقارن مع صفقة التبادل السابقة”، وأنها ستطالب بتحرير “الجميع مقابل الجميع”، أي جميع الرهائن مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وبضمنهم مقاتلي حماس الذين اعتقلوا بعد هجوم “طوفان الأقصى”، ووقف إطلاق نار متواصل وتعهد إسرائيلي بعدم استهداف قيادة حماس.
واعتبر هرئيل أن “موافقة إسرائيلية على صفقة كهذه تعني نهاية الحرب بشكلها الحالي، بل سيكون هذا اعتراف من جانب الحكومة والجيش بالفشل مرتين، في شن الحرب وتحقيق الأهداف الطموحة التي رسموها لأنفسهم: هزم حماس وتفكيك قدراته”.
وبحسبه، فإنه يوجد في القيادة الإسرائيلية الأمنية والسياسية الذين يرون أن لا مفر من صفقة كهذه، “لأن هذين الهدفين يتناقضان مع هدف آخر، هو تحرير المخطوفين، وفيما الهدف الآخر هو الوحيد القابل للتحقيق حاليا. وبحسبهم، فإن فشل الدولة الرهيب في 7 أكتوبر، يستوجب تصحيح كهذا، حتى بثمن الاعتراف بالفشل ومعناه الفعلي هو الموافقة على انتصار حماس في الحرب”.
وأشار إلى أن نتنياهو سيواجه صعوبة في الموافقة على صفقة كهذه، بسبب عدد الأسرى الفلسطينيين الكبير الذين سيحررون، ولأن هذه الصفقة ستردي “باحتمال كبير جدا” إلى انهيار ائتلافه وانسحاب بن غفير وسموتريتش وحزبيهما من الحكومة.
ويوجد في الأيام الأخيرة حراك في إسرائيل للمطالبة بتحرير الرهائن، وهذا يأتي على خلفية الإدراك أنه “لم يتبق وقت للمخطوفين. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أن أكثر من عشرين بين 136 رهينة قد قُتلوا. وحياة الباقين في خطر داهم. وثمة شك إذا كان هذا سيغير موقف نتنياهو”.
وأضف هرئيل أن “الإدارة الأميركية على حق: الحرب في القطاع عالقة فعلا. وبالإمكان معرفة ذلك من البيانات اليومية التي يصدرها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي صباح كل يوم وتوجز أحداث اليوم السابق، وفي معظمها طائرة تقتل مخربين بعد رصدهم من جانب قوة على الأرض، وعددهم يتراوح غالبا بين عشرة وعشرين، إلى جانب تدمير أنفاق وكشف ورشات لصنع أسلحة وتدمير أسلحة. وهذه هي تقريبا إنجازات القتال حاليا، ويصعب وصفها كانتصار”.
لا يمكن القتال بوجود رئيس حكومة كهذا
بدوره، نقل المحلل السياسي في القناة 13، رافيف دروكر، في مقاله الأسبوعي في “هآرتس”، عن “مسؤول إسرائيلي ضالع بشكل عميق في إدارة الحرب” قوله إنه “لقد أنجزنا الغاية الحقيقية. ولم يبق هناك خطر من جنوب إسرائيل. وصحيح أنه من أجل الحفاظ على هذا الإنجاز سنضطر إلى البقاء هناك، لكن لا يوجد سبب حقيقي للاستمرار في العمليات العسكرية، والآن وقت الانتقال إلى الشمال” في إشارة إلى الجبهة مع لبنان.
وأضاف المسؤول حول تعهد الحكومة الإسرائيلية بالقضاء على قدرات حماس العسكرية والسلطوية، باقتباس آية من التوراة تقول: “يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء”.
وأضاف دروكر أنه خلافا للاعتقاد في بداية الحرب على غزة، “يتضح الآن أن القضاء على حكم حماس هو هدف غير قابل للإنجاز في المستقبل المنظور. ويفضل في هذه الظروف التوجه إلى خطة معاكسة: إعادة جميع المخطوفين الآن، ونهاية القتال. وهذه حبة دواء يصعب جدا ابتلاعها لأن حماس ستعلن عن الانتصار، والمصريين والسعوديين والأردنيين، الذين خاب أملهم من أداء الجيش الإسرائيلي ومن حقيقة أننا لم نقض على حماس حتى الآن، سيتراجعون خطوة إلى الوراء”.
واعتبر أنه “من الجهة الأخرى، فإن نهاية القتال ليست نهاية الصراع. ولا شيء سيمنع إسرائيل من استعادة المخطوفين، بثمن رهيب (يقضي بالإفراج عن) أسرى كبار ملطخة أيديهم بالدماء، وقف القتال واستئنافه بعد شهرين أو ثلاثة. وبالإمكان التقدير بحذر، أنه في كابينيت الحرب باتوا يؤيدون صيغة كهذه أو تلك لهذه الخطة، مثل غادي آيزنكوت، بيني غانتس ، وربما أرييه درعي أيضا. وتوجد في قيادة الجيش أصوات مفاجئة بهذا الخصوص أيضا”.
وتابع دروكر أن هذا لا يحدث لأن “نتنياهو وغالانت سيفقدان المبرر لوجودهما، ورئيس أركان الجيش أيضا لا يريد أن يظهر كمن يعترف بأنه غير قادر على القضاء على حماس”.
وأشار إلى أن “الفرضيات الأساسية للحرب تغيرت بالكامل. والمخطوفون أصبحوا لا يشكلون عبئا على الحكومة التي تريد إعادة الردع وكرامتها، وإنما هم رافعة سياسية. والاعتقاد الثاني كان أنه ليس بالإمكان التوجه إلى انتخابات أثناء الحرب. والآن، بعدما تحوت الحرب إلى حرب استنزاف، أصبحت الانتخابات ضرورة. فرئيس الحكومة ليس قادرا على قول كلمة بحق رئيس أركان الجيش، ومتخاصم مع وزير الأمن، ويدير ميزانية سياسية، ويدعو (عضو الكنيست ) دافيد أمسالم إلى الكابينيت ويسمح له بمهاجمة رئيس أركان الجيش. ولا يمكن القتال بوجود رئيس حكومة كهذا”.
واعتبر دروكر أن “قيادة جديدة فقط يمكنها أن تتخذ قرارات بدون حدب 7 أكتوبر الرهيب، وعدم استئناف الحرب ضد حماس بعد أن يسود الهدوء. وعملية سياسية الآن بالذات ستوفر التبرير لوقف القتال”.
ورأى أن “فرض انتخابات ممكن عن طريق احتجاجات عامة فقط، وتعتم حتى على الاحتجاجات ضد الانقلاب على النظام القضائي، والكثيرون يريدون الخروج إلى الشوارع، لك هذا لم يحن بعد. وطالما ينشئ الجيش شعورا أنه حماس ربما على وشك الانكسار، فإن الناس لن تخرج إلى الشوارع، وغانتس وآيزنكوت لن ينسحبا من الحكومة”.