“إسرائيل بدأت الحرب مهزومة..”
مع تجاوز الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة يومها المائة، بدأت مرحلة استنتاجات حُرّة من أفكار مسبقة البرمجة والأدلجة في جلّ تحليلات المعلقين الإسرائيليين السياسيّين والأمنيّين، وبرز في صُلبها التسليم باستعصاء وحتى باستحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية، وبالأساس حركة حماس. وانشغل معظمها بتفسير انصراف الحكومة الإسرائيلية، بدفعٍ من رئيسها بنيامين نتنياهو، عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالنتائج السياسية التي ينبغي أن تُفضي إليها المعارك، نحو الإصرار على استمرار الحرب فقط.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
وبحسب ما أومأ جنرالٌ سابق، فإن هذا الإصرار، من الناحية السياسية، هو المسار الأكثر أماناً للائتلاف الحكومي الحالي، ومن شأن أي انحراف عنه أن يهدّد هذا الائتلاف بالسقوط المدوّي وانتهاء عهد نتنياهو وربما اليمين الإسرائيلي المتطرّف. ووفقًا لهذا الجنرال، وهو الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والمدير العام الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي تامير هايمان، لا يؤدّي هذا المسار إلى أي وضع نهائي مستقرّ، كما أنه لا يضمن تحقيق أهداف الحرب التي تتطلع إليها إسرائيل، ولا إحداث تغيير جذري في ميزان الأمن القومي.
وينسحب مثل هذا اليقين على بعض تحليلات الصحيفة الناطقة بلسان حكم نتنياهو “يسرائيل هيوم” التي كتب محلّلها العسكري يوآف ليمور نصًّا يمكن اعتباره موازيًا للسردية الإسرائيلية الرسمية، استهلّه بالقول إنه من وجهة نظر المحلل العسكري المحترف، لا بد من النطق بحقيقة أن إسرائيل ما زالت بعيدة جدّا عن تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها من وراء هذه الحرب، ومن غير الواضح ما إذا كان في وسعها أن تحقّقها في ظل الظروف المستجدّة.
وبرأيه، صحيح أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه سيطر على شمال قطاع غزّة، إلا أن ما يتبيّن شيئًا فشيئًا أن الواقع القائم أكثر تعقيدًا مما تسوّقه المؤسّسة العسكرية. فبموجب معطيات الجيش الإسرائيلي، تم القضاء على آلاف عناصر “حماس” في هذه المناطق، وبقي آلافٌ منهم على قيد الحياة. هذا يعني أنه في اللحظة التي يترك فيها الجيش الإسرائيلي تلك المناطق، فإنهم سيعودون إليها وسيباشرون ترميم قدراتهم. ودلالة ذلك هي عدم إزالة التهديد في شمال قطاع غزّة كما جرى التعهّد لدى إعلان شنّ الحرب.
لقد نثرت القيادة السياسية والأمنية الكثير من الوعود منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وتواجه صعوباتٍ جمّة في الوفاء بها. وتبتعد “حماس” أكثر فأكثر عن الهزيمة وعودة المخطوفين المحتجزين في غزّة لا تبدو في الأفق، ولا يوجد أي إثبات على أن الضغط العسكري دفع قدمًا بموضوعهم مثلما يدعّي القادة السياسيون والعسكريون. ولا توجد أمام إسرائيل طريق بديلة لإطلاق المخطوفين سوى التوصل لصفقة تبادل تتضمن تسوية سياسية أيضًا، وذلك لأول مرّة في تاريخ مثل هذه الصفقات التي كانت تُنفذ الآن من دون أي اشتراطات سياسية. وجزم ليمور بأن إسرائيل بدأت الحرب بهزيمة، ولكنها رغم ذلك ظلّت متبجّحة كثيرًا إلى درجة عدم الاعتراف بهذا في مرحلة مبكّرة كانت تؤدّي إلى خفض التوقّعات.
وفي ما يتعلق بسؤال الهزيمة والانتصار، ثمّة نصوص إسرائيلية مساوية لما ورد أعلاه إن لم تتفوّق عليه، كما في نصّ المعلق في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، الذي أكّد أنه بمرور مائة يوم على الإخفاق والخراب، ينبغي عدم الهروب من الواقع كما هو: أن إسرائيل هي الطرف الخاسر. وكذلك نصّ المؤرّخ عوفري إيلاني في صحيفة “هآرتس”، والذي رأى أنه بإمكان إخفاق 7 تشرين الأول/ أكتوبر أخذ قيادة إسرائيل نحو تجدّد عميق وإصلاحات جذريّة، ولكن ذلك يبقى مرهونًا بشرطٍ لا غنى عنه غير متحقّق، أن تقرّ إسرائيل بأنها هُزمت. وهو غير متحقّق لعدة أسباب، أوّلها أن المسؤولين عن الإخفاق، وفي مقدمهم نتنياهو، ما زالوا يتولّون مقاليد الحكم، وثانيها أن إسرائيل قرّرت أن تخوضَ حربا لا تبدو لها نهاية في الأفق. وبدلًا من أن تعترف بالفشل، فهي انجرّت نحو عدوانيةٍ لا تقف عند حدود، ولا تنطوي على أي كبحٍ ذاتيّ.
المصدر: عرب 48