الغزال لـ«»: الحداثة تعرّضت للخيانة من بعض المحسوبين عليها
• كرماً تضعنا في إرهاصات ما قبل العمل في الصحافة؟
•• بدأت قراءة الكتب الجادة في نهاية الصف الثاني متوسط، وخلال سنتين قرأت بعض كتب طه حسين والعقاد والمنفلوطي وعدداً من الروايات المترجمة؛ مثل رواية (الحرب والسلام) لتولستوي ورواية (الشيخ والبحر) لإرنست همينغوي، ولكن الأثر الكبير بدأ عندما قرأت ثلاثية أحمد أمين عن الإسلام ومجلة (الآداب) وكتاباً عن (السيريالية) والفن التشكيلي وكتب النقد الأدبي. بعد ذلك راسلت ملحق (المربد) ونشروا لي بعض الخواطر الإبداعية والنقدية ولم يكن الأمر كثيراً وجاءت الفرصة حين كتبت عن معرض الفنان التشكيلي عبدالحميد البقشي ونشر على مساحة نصف صفحة، واتصل بي علي الدميني مشجعاً، وفتح لي صفحات ملحق (المربد).
• هل كان التفرغ لمهنة المتاعب اختياراً أم اضطراراً؟
•• في الصف الثالث ثانوي اتصل بي صالح العزاز مدير تحرير صحيفة (اليوم)، وقدم لي عرض انضمام لأسرة تحرير (اليوم) متفرغاً براتب أربعة آلاف ريال، وافقت وانتقلت إلى الدمام عام 1981.
• ولماذا تأخرت إصداراتك المرتقبة، علماً بأن الجميع يتمنى أن يطبع إنتاجك؟
•• قناعتي لم تتغير.. لا فائدة من إصدار وطبع كتب لا تشكل علامة فارقة في المشهد الثقافي، وأسأل نفسي ما أهمية كتب الشعر والقصص والفكر والأدب والمذكرات والمقالات إذا لم يقرأها الجيل التالي ويبني عليها تجارب، يخيم الظلام على 95% من الكتب التي تصدر في السعودية والعالم العربي وكذلك الغربي وتخفت الأضواء عند الطامعين في الشهرة بعد مرور خمس سنوات من طبع كتبهم، حتى النقاد والباحثون يأنفون من الخوض في نهر الكتب المتكررة.
• أين توارى الناقد فيك الذي بشر به شاكر النابلسي؟
•• العمل الصحفي أخذ كل الوقت، وليس من الحكمة الاستمرار في كتابة النقد ولم تدرس النقد ضمن مناهج أكاديمية تعزز قراءتك وتمنحك أساس المعرفة.. ومن يريد أن يكتب النقد الأدبي والثقافي عليه أن يؤهل نفسه ويتابع المدارس النقدية العالمية ورموزها، وما كتبته مجرد انطباعات شخصية لضرورة الحراك الثقافي فقط.
• كيف ترى مغامرة الحداثة لتبنّي أصوات ليست بمستوى الحداثة؟
•• الحداثة في السعودية صراع فكري وثقافي؛ نتيجة تحولات التنمية في المملكة، ويمكن ملاحظة ذلك في كل انعطافة تنموية سواء في التعليم أو الاقتصاد أو إدارة الثروة في البلد، ومن الطبيعي أن يحدث انقسام بين النخب وطريقة تفكيرهم في الأنسب على مستوى السياسة والعلم والثقافة والتكنولوجيا، إلا أن المؤسف تحوّل الأمر إلى صراع أيديولوجي بفعل نشاط ما سمي (الصحوة الإسلامية) وزعمهم أن الحداثة تهدف إلى القضاء على الإسلام وهدم التراث والقيم التقليدية للمجتمع السعودي، وربما تبرع لهم بالذخيرة عدد ممن يدعون الحداثة!
• ما مدى رضاك عن توجيه الكتّاب للرأي العام وإسهاماتهم فيه؟
•• لا أعرف إن كنت فهمت سؤالك بطريقة صحيحة، لكن أود التأكيد أنه في ظل احتدام الصراع بين الحداثة وتيار الصحوة الإسلامية في بداية عقد التسعينات استعانت الصحف المحلية بكتّاب الرأي المتخصصين في الاقتصاد والسياسة والفكر والباحثين في الإسلام السياسي، لتعزيز وإشراك هذه النخب الأكاديمية في الغالب في توجيه الرأي العام السعودي وتحمل العبء في مسار السعودية الحديثة المدنية، ولإسدال الستار على تراجيديا الحداثة والتقليدية الأدبية.. الآن ومع تحول المملكة إلى دولة متسامحة ومنفتحة على مختلف المسارات ومع ثورة التواصل الاجتماعي انحسر دور كتّاب الرأي في الصحف.
• متى كان اليوم الأول لك في ملحق (المربد)؟
•• عندما عملت في (اليوم) متفرغاً كان (المربد) محجوباً، لذلك أنتجنا صفحتين ثقافيتين بدلاً عن (المربد) وتمارس وظيفة (المربد) في خط الحداثة، وربما سر خلود (المربد) في الذاكرة أنه الملحق الوحيد الذي يحتفي بالمبدعين وينشر لهم بعد تقييم جودة إنتاجهم، وربما وجود علي الدميني وعبدالعزيز المشري وجبير المليحان ورئاسة محمد العلي للصحيفة أعطى ألقاً على ما ينشر، ووصل (المربد) إلى المثقفين في مصر والعراق وسورية ولندن، ما أسهم في إعلاء قيمته.
• لكم بصمة ثقافية وإبداعية في جمعية الثقافة والفنون بفرع الدمام، ماذا تتذكر من تلك الجهود؟
•• عام 1980 عملت مقرراً في القسم الثقافي في الجمعية الثقافية والفنون في الأحساء، وكان رئيس القسم عبدالرحمن المريخي، ومدير الفرع الملحن عبدالرحمن الحمد، ومدير النشاط صالح أبو حنية، وكنا أصدقاء، مع ملاحظة أني في الصف الثاني ولكن الأستاذ عبدالرحمن المريخي منفتح على الثقافة الحديثة؛ بحكم تخصصه في كتابة مسرح الأطفال، واقترحت عليه استقطاب فعاليات لاستقطاب شعراء وكتّاب ومفكري ونقاد الحداثة، وهذا ما تم في أمسيات شعرية لمحمد الدميني وعبدالله الصيخان وجارالله الحميد وثريا العريض ومحمد العلي، وقد لاقت أمسيات على مسرح الجمعية صدى واسعاً في المملكة، وأيضاً أقمنا ندوة ثقافية عن الحداثة شارك فيها عبدالله نور ومحمد المرزوقي ومشعل السديري، وكانت أمسيات ندعو لها الحضور، إضافة للشعراء المرموقين من الرياض وجدة والقصيم، وربما هي أول أمسيات ثقافية لبعض من شعراء وقصاصي الحداثة في المملكة، وعندما انتقلت إلى الدمام وتم اختيار صالح أبو حنية رئيساً لجمعية الثقافة في الدمام عملت رئيساً للقسم الثقافي ونقلنا التجربة باستقطاب المهتمين بالحداثة إلى فرع الدمام، واستقطبنا أغلب الشعراء والقصاصين والنقاد في المملكة، وكذلك عدد من المفكرين والاختصاصيين في المجال الثقافي والإعلامي والأكاديمي. وأعتبر عملي المسائي في جمعية الثقافة في الدمام تجربة ثرية. وعندما استضفنا قاسم حداد في أمسية شعرية كانت فرصة سانحة للمتربصين والمؤدلجين للنيل مني شخصياً وكتابة تقرير موقع من أسماء عدة على رأسهم رئيس دائرة حكومية في المنطقة الشرقية ووصل التقرير إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز ولرئيس رعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد مطالبين بمعاقبتي، وطلب الأمير فيصل بن فهد شريط الأمسية ولم يجد فيه أي شيء مخالف، وأن كل ما قيل وكتب من تقرير جزء منه استهداف شخصي ولإيقاف أنشطة الجمعية في استقطاب من ينتمون إلى تيار الشباب والحداثة، وكان الحل باقتراح مدير عام جمعية ثقافة والفنون بالمملكة محمد الشدي تقديم استقالتي وهذا ما حصل.
• لماذا تم حجب اسمك من (اليوم) في الوقت الذي ظهرت لك مواد في مجلة الشرق زمن شاكر الشيخ؟
•• العمل مع شاكر الشيخ أكبر محفز للإبداع في مجال المهنة وقدمنا في مجلة (الشرق) أعمالاً صحفية متميزة في مجال الثقافة والقضايا والتحقيقات، واشتهرت مجلة (الشرق) فقط في عهد شاكر الشيخ لتميزها في تقديم أعمال صحفية مهمة، وكانت خطتنا هي البحث عن مواهب صحفية واكتشافها وهذا ما حدث. ولم أكتب اسمي على أي عمل في (الشرق) فمهمتي المشاركة في التطوير واقتراح خطط العمل وإعادة صياغة المواد الثقافية والقضايا والتحقيقات والأخبار.
• ما أبرز ما تحتفظ به من رئيس تحرير أثر في مسيرتك الصحفية الطويلة؟
•• بالتأكيد سلطان البازعي الذي تفرد في نقل (اليوم) إلى مستوى آخر من المهنية والانتقال من العمل اليدوي؛ الصف والإخراج والتحرير إلى التكنولوجيا الحديثة.
حين تعمل مع رئيس تحرير قوي الشخصية ومهني ويدافع عن الآخرين ويحميهم من الأضرار الجانبية والمساءلة أمام وزارة الإعلام، تستطيع أن تبدع وتقدم تجربة متميزة.. في عهد سلطان البازعي ورغم قصر المدة إلا أنها علامة فارقة، وأدين له بالكثير من الامتنان والتقدير لحمايته الشخصية لي، رغم العواصف التي مررت بها.
• في فترة غامرت باستكتاب سعوديين وعرب في صفحة الرأي من مختلف الأطياف والتوجهات، ماذا ترتب على مغامرتك؟
•• في رئاسة سلطان البازعي دخلت تجربة جديدة، وطلب مني خطة لصفحة الرأي مع اقتراح أسماء، وهكذا استقطبنا تركي الحمد وخالد الدخيل وعبدالمحسن العكاس وداوود الشريان وجاسر الجاسر وعلي العميم ونجيب الخنيزي وتوفيق السيف ومحمد محفوظ وبعض الأسماء اللامعة في الوطن العربي، وافق سلطان البازعي على الأسماء وأعتقد أن (اليوم) قدمت صفحات رأي متميزة مع دفع مكافآت نقدية جيدة.
أيضا اقترحت على البازعي إصدار ملف شهري بعنوان (الحوار) استقطبنا فيه كتّاباً ومفكرين واختصاصيين من أرجاء العالم العربي كافة، وفكرة الملف مناقشة فكرة واحدة من مختلف الزوايا بكتابة مقالات وطرح قضايا وتحقيقات حول نفس الفكرة.. الملف مميز ولاقى صدى إيجابياً في السعودية وخارجها، وتوقف العمل به بعد سنتين لأنه جهد شخصي مرهق يتطلب التخطيط والمتابعة والمراجعة والاتصالات المستمرة.
• كيف تقيس المسافة بين العمل في القسم الثقافي والإشراف على قسم الرأي؟
•• العمل في القسم الثقافي يحتاج إلى اطلاع دائم ومتابعة للمواهب، وطوال عملي في القسم الثقافي كان هدفي الأول إتاحة الفرصة للمواهب الجديدة وإبرازها ودفعها إلى الأضواء واختبار الزملاء الجادين المشاركين في إدارة القسم، ولم أتعود على العمل الفردي، ولا أبالغ إذا قلت إن عملي الأساسي في الصحافة تكوين فرقة عمل ورئاستها مع وضع الخطط الطويلة للاستمرارية والمحافظة على الجودة.. في صفحات الرأي العمل هو اختيار الأسماء الجيدة المعروفة واستقطابها مع إضافة أسماء موهوبة وغير معروفة للقارئ لمشاركة الأسماء المعروفة المهمة في تقاسم صفحة الرأي.
• ماذا في الذاكرة عن انتدابك من مقر الصحيفة الرئيسي في فترة حرب الخليج الثانية؟
•• لظروف خارجة عن إدارة الصحيفة، طُلب مني الاستقالة، أو الإقالة، لكني توصلت لحل مع رئيس التحرير آنذاك خليل الفزيع هو العمل في مكتب الصحيفة بالأحساء، وكان المطلوب مني استلام راتبي دون أي عمل، لكني اقترحت على رئيس التحرير صفحة (شواطئ) الأسبوعية، وفكرتها مناقشة الكتّاب السعوديين في ما ينشرونه في صحفهم، وهكذا نجحت الصفحة بسبب عدم نشر اسم محررها، وأتذكر أني كتبت عن كتاب محمد عبدالواحد (النساء وقطيع الكلاب).. كتبت عن المسكوت عنه في قصصه الواردة في كتابه، ففوجئت باتصال من محمد عبدالواحد وعاتبني لأن كتابتي تسببت في منع كتابه من التداول.
• من هو الصديق الذي قلت عنه «عمت مساء أيها القديس»؟
•• هو عبدالرحمن المريخي في أمسية تأبينه، وما زال المريخي قديساً لا يعوض.