عرب أميركا ومعاقبة جو بايدن…
يبلغ عدد من يعرّفون أنفسهم من أصول عربيّة في أميركا حوالي مليونين ونصف المليون شخص، وهو عدد ليس كبيرًا نسبة لعدد السكّان 334 مليون نسمة، ولكنّ هذا القليل يصبح كثيرًا مع الأميركيّين المتضامنين مع الفلسطينيّين وهم في تزايد مستمرّ، وخصوصًا في حقبة التواصل الاجتماعيّ الّذي بات يشكّل بديلًا للإعلام الرسميّ الّذي تسيطر على معظمه جهات معادية للعرب والفلسطينيّين والمسلمين.
قبل أيّام أثبتت إحدى المجموعات قدرتها على التأثير في ولاية ميشيغان عندما صوّت حوالي 100 ألف شخص من الحزب الديمقراطيّ بعدم الالتزام بالتصويت لصالح لجو بايدن، وذلك بسبب سياسته تجاه قطاع غزّة، ويرى المراقبون أنّ هذا قد يهدّد احتمالات فوزه في مواجهة ترامب إذا ما فقد بايدن ولاية ميشيغان، الّتي قد تشكّل مع ولايتين أو ثلاث بيضة قبّان في الانتخابات الرئاسيّة.
يفعل خيرًا هؤلاء إذا أسقطوا جو بايدن، وحرموه من دورة رئاسيّة ثانية، وذلك بهدف معاقبته على رفضه لأيّ قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزّة، رغم سقوط عشرات آلاف الضحايا من الأبرياء، والتجويع والدمار الهائل، فهو يتبنّى ويدعم ويشارك أولئك الّذين أعلنوا على الملأ أنّه لا أبرياء في قطاع غزّة، وراحوا يحتفون بقتل المدنيّين وتجويعهم ومنع مقوّمات الحياة عن مئات الآلاف، وحوّلوا بشراكة جو بايدن قطاع غزّة إلى معسكر إبادة كبير.
ولكن ما هو البديل لجو بايدن! أليس دونالد ترامب الجمهوريّ أسوأ من بايدن! أليس هو الّذي قرّر نقل السفارة الأميركيّة من تلّ أبيب إلى القدس، أليس هو من يؤيّد إقامة المستوطنات، أليس هو من يرفض قيام دولة فلسطينيّة! أليس هو من يهدّد الحكّام العرب ويبتزّهم، ويعلن أنّه يؤيّد استمرار الحرب حتّى القضاء على حماس؟ وهذا يعني أنّه لا فرق بينه وبين جو بايدن.
هذا صحيح، ترامب لن يكون أفضل، ولكن ماذا يمكن أن يكون أسوأ من تأييد الإبادة الجماعيّة وجرائم الحرب والمشاركة الفعليّة فيها!
بايدن لا يملك من أمره شيئًا، فهو عبد مأمور ومسيطر عليه من قبل الدوائر الأشدّ تطرّفًا وعداء للفلسطينيّين.
معاقبته بإسقاطه هي إشارة إلى بداية تأثير العرب وذوي الضمائر الحيّة من الأميركيّين، وبداية الانتباه إلى وزنهم وأخذه في الحسبان، وهذا يتطلّب إسقاطه ما لم يغيّر توجّهه العنصريّ الإجراميّ تجاه قطاع غزّة وفلسطين. سوف يدرك حينها هو وغيره أنّ سبب سقوطه هو سياسته المعادية للفلسطينيّين، وأنّ ذوي الأصول العربيّة إلى جانب الرافضين لسياسته من ذوي الأصول الأخرى، ومن الأميركيّين ومن الديمقراطيّين أنفسهم هم السبب في فشله، فقد تكون هذه بداية لشعور العرب وأنصار قضاياهم بقوّتهم إذا ما وحّدوا صفوفهم، وعرفوا كيف ومتى وأين يستخدمون قوّتهم.
قد يستغرق التحوّل الكبير عقودًا حتّى تحدث تغييرات جذريّة بما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة، أمّا ما يعلنه بايدن عن الدولة الفلسطينيّة ومعاقبة بضعة مستوطنين وإلقاء بضع عشرات من أطنان المساعدات من الجوّ للمحاصرين في قطاع غزّة، فهو ليس سوى ذرّ للرمال الساخنة في العيون، لامتصاص الغضب العالميّ تجاه سياسة البيت الأبيض.
كلّ مرشّح في أميركا، سواء كان ديمقراطيًّا أو جمهوريًّا يسترضي اللوبي الصهيونيّ، ويعلن الدعم المطلق لإسرائيل، حتّى عندما يكون قادتها متورّطين في جرائم حرب، ولن يجرؤ أيّ منهم على اتّخاذ موقف مناهض والتخلّي عن استخدام الفيتو في وجه كلّ قرار دوليّ يدين الاحتلال وممارساته الإجراميّة، وبايدن يعتبر نفسه صهيونيًّا أكثر من الصهاينة أنفسهم، وهو متطرّف أكثر من بعض الإسرائيليّين.
في السياسة يقول ميكافيلي، يجب أن يكون موقفك واضحًا، وضوحك يعني أنّك قويّ، يعني أنّ لك تأثيرًا على مجريات الأمور، وسوف يسعى كلّ طرف إلى استرضائك بمدى قوّتك، حتّى ولو ذهبت إلى الطرف الخاسر، فالمنتصر سوف يرى قوّتك، والخاسر سوف يشكرك على موقفك رغم خسارته، أمّا الصمت والوقوف في منطقة الحياد فهو خطأ، لا الفائز يحسب لك مساهمة في فوزه، وسيتّهمك الخاسر بخيانته.
الموقف الواضح هو الموقف الرابح في نهاية المطاف، وعلى المدى البعيد، فإنّ بلورة موقف العرب وأصدقاءهم في أميركا، باتّجاه معاقبة بايدن سيكون تحذيرًا لغيره من الرؤساء والإدارات القادمة بأخذ العرب وأصدقائهم وتأثيرهم بالحسبان، ما يعني احترام مشاعرهم والتفكير في مطالبهم وحتّى تنفيذها، أو تلبية جزء منها، وليس الاستهتار بهم كما هو حاصل حتّى الآن.
المصدر: عرب 48