فتور بظلّ حالة عدم يقين بظلّ الحرب واستفحال الجريمة
قال د. شحادة، إن الانتخابات بشكل عامّ جاءت في ظلّ حالة حرب، وبعد تأجيل لمرتّين، وهذا أدّى إلى فتور في الحملات الانتخابية، ولم يكن هنالك يقين بأن يكون الثلاثاء الماضي موعدا نهائيًّا لإجراء الانتخابات.
مسنّة تدلي بصوتها بأحد صناديق الاقتراع (Getty Images)
بعد تأجيل لمرتيّن، بسبب حالة الحرب في البلاد، جرت الثلاثاء الماضي، الانتخابات لرئاسة وعضوية السلطات المحليّة في البلاد، والتي أسفرت في 42 سلطة محليّة عربيّة من أصل 85؛ شملت 9 رؤساء كانوا قد شغلوا المنصب في فترات سابقة، فيما قد تُفرز الجولة الثانية، المتوقع إجراؤها في 19 سلطة محليّة، في العاشر من آذار/ مارس الجاري، عن انتخاب عدد إضافيّ من الرؤساء الجُدُد.
وفي حين شهدت الساعات الأولى من الانتخابات، إقبالًا ضعيفًا على صناديق الاقتراع في بعض البلدات، إلّا أن الدالّة أخذت تتصاعد في ساعات المساء، ومع اقتراب إغلاق صناديق الاقتراع، وقد شهدت بلدات عربية نسب تصويت مرتفعة، مقارنة بالنسبة العامّة في البلاد، التي لم تتجاوز حاجز الـ50%، فيما تعدّت النسبة في بعض البلدات العربية حاجز الـ90%.
كما برزت في الكثير من السلطات المحلية العربية التكتلات والاصطفافات العائلية، مقابل قلّة من القوائم التي طرحت نهجًا سياسيًّا غير عائليّ، منها قوائم نجحت في الحصول على تمثيل في مقاعد العضويّة. وكان لافتًا وجود مرشَّح وحيد فقط في 7 سلطات محليّة عربيّة.
وفي حديث لـ“عرب 48”، قدّم النائب السابق عن التجمع الوطني الديمقراطي، د. امطانس شحادة، قراءة في نتائج الانتخابات الأخيرة للسلطات المحلية، التي خاضها المرشحون في الوقت الذي تشهد البلاد حالة حرب، وذلك لتسليط الضوء على تأثير هذه الحالة على الانتخابات، والمشاركة فيها.
“عرب 48”: ما هي المعطيات الأبرز التي أسفرت عنها الانتخابات الأخيرة للسلطات المحليّة العربيّة؟
د. شحادة: بشكل عامّ، جاءت الانتخابات في ظلّ حالة حرب، وبعد تأجيل لمرتّين، وهذا أدّى إلى فتور في الحملات الانتخابية، ولم يكن هنالك يقين بأن يكون الثلاثاء الماضي موعدا نهائيًّا لإجراء الانتخابات. أضف إلى ذلك أن أجواء الحملات الانتخابية والمنافسة التقليدية كما كانت في انتخابات سابقة، قد غابت. وجرت الحملات الانتخابية على “نار هادئة”، وبدون ضجة بسبب الأوضاع المتوترة. يضاف إلى ذلك عامل مؤثر آخر هو عودة استفحال الجريمة والعنف في المجتمع العربي، والتي شهدت تراجعا ملحوظا مع بداية الحرب، إلا أنها عاودت الارتفاع منذ بداية العام الجاري في عدد من البلدات، والتي اضطر على إثرها بعض المرشحين إلى الانسحاب من المنافسة. وهناك عامل ثالث وأخير، هو الحالة السياسية العامّة السائدة في البلاد، وغير المشجعة منذ انتخابات الكنيست الأخيرة.
“عرب 48”: ما رأيك في نسب التصويت التي كانت منخفضة في بعض المدن العربية كالناصرة وأم الفحم، بينما كانت مرتفعة جدا في بلدات تنافس فيها مرشَّحون على أساس استقطاب عائليّ؟
شحادة: في غالبية البلدات العربية كانت نسب التصويت مرتفعة، على الرغم من أن النسبة العامة كانت دون المعدل بسبب حالة الحرب، وتاريخيًّا، كانت نسب التصويت في البلدات العربية مرتفعة في انتخابات السلطات المحلية، وأحيانا تتجاوز الـ90%، حينما تكون المنافسة “جدّية (مُحتدِمة)”، بين مرشّحيْن اثنين أو ثلاثة. هذا التنافس يؤدي إلى رفع نسب التصويت بشكل عام، ويعود السبب بطبيعة الحال إلى أن التعامل مع السلطة المحلية، يجري على اعتبار أنها السلطة التنفيذية الوحيدة التي يديرها المجتمع العربي، وهم الذين يحدّدون عملية تقسيم الميزانيات فيها، والتوظيف والتأثير على الحيّز العام في البلدة، بمعنى أن الانتخابات المحلية هي المتنفَّس الوحيد الذي يتحكم فيه ويديره المجتمع الفلسطيني في أراضي 48، لذلك يكون هنالك اهتمام في هذه الانتخابات؛ أضف إلى ذلك أن السلطة المحلية هي أكبر مشغّل في الاقتصاد العربي، حتى بالنسبة للأكاديميين، وليس فقط للعمال الذين هم دون مستوى التعليم العالي، وهنالك ميزانيات ضخمة تُعطى للسلطات المحلية العربية، بناء على الخطط الحكومية الأخيرة.
أما بالنسبة لنسب التصويت المنخفضة في الناصرة وأم الفحم، فإن سبب التراجُع هو عدم وجود منافسة جدّية –كما كان يبدو– أي كان الاعتقاد بعدم وجود منافسة حقيقية، فضلا عن أن هذه مدن كبيرة نسبيًّا، يختلف فيها سلوك المصوّت عن السلوك “العائليّ” الذي يميّز البلدات الصغيرة، وبخلاف مدينة سخنين على سبيل المثال وشفاعمرو، اللتين لا يزال سلوك الناخب فيهما ينحو نحو التصويت العائلي.
أضف إلى ذلك وجود حالة من الإحباط في مدينتَي الناصرة وأم الفحم، بسبب أحداث الجريمة والعنف، وهذا يؤثر على الأجواء العامة، ويجعلها غير مريحة. وفي مدينة الناصرة اتّضح أن هناك غيابا للبدائل الأخرى، وعلى ما يبدو فإن الناخب في الناصرة كان يحتاج إلى مزيد من التعددية، والبدائل الأخرى.
“عرب 48”: في تسع سلطات محلية عربية تم انتخاب رؤساء كانوا قد شغلوا المنصب في سنوات سابقة، منها شفاعمرو وطمرة وسخنين؛ ما الذي يمكن أن نستنتجه من تفضيل الرؤساء السابقين عن سواهم؟
شحادة: هذه ظاهرة تشير إلى عدم وجود وجوه جديدة في عدد كبير من البلدات العربية، إذ عادت فيها المنافسة إلى الوجوه السالفة نفسها، وحتى لو نظرنا إلى سائر المتنافسين الآخرين في شفاعمرو وسخنين، نجد أنها الوجوه ذاتها، التي سبق أن تنافست أو توّلت الإدارة في عدة جولات انتخابية سابقة، وقد تبدّلت الوجوه فقط، والقضية هنا ليست قضية رؤساء مجَرَّبين بقدر ما هي عدم نموّ قيادات محلية جديدة، سواء سياسية أو غير سياسية، لتواجِه الوضع القائم. وهذه ليست ظاهرة إيجابية، لذا يجب أن يكون هنالك تجديد بالطرح والدماء والنهج، والمشاريع والرؤى.
“عرب 48”: لا يزال النهج العائليّ هو المتفوّق، بل ربما السائد في الانتخابات المحلية… أين دور الأحزاب؟
شحادة: هذا معطى ثابت وتقليدي في الانتخابات المحلية، وليس ظاهرة جديدة تخصّ الانتخابات الأخيرة، وغياب الأحزاب القطرية عن العمل البلدي كان واضحا أيضا. هنالك بعض الرؤساء الذين يدمجون ما بين الانتماء العائلي والانتساب الحزبي في الوقت ذاته، لكون الأحزاب العربية تستفيد أحيانا من التقسيمات العائلية لأهدافها الحزبية.
“عرب 48”: هل يؤلمك عدم وجود تمثيل نسائي على مستوى رئاسة السلطات المحلية، وكذلك تمثيلهنّ المتواضع على مستوى العضوية في المجالس البلدية؟
شحادة: أولا، يؤلمني عدم وجود تمثيل حزبي لائق في انتخابات السلطات المحلية، لأن أحد أدوات التغيير هو زيادة التمثيل الحزبي في السلطات المحلية على المستوى الرئاسي والعضوية على حد سواء، وعندما يكون هنالك طرح أو برنامج سياسي فإنه قد ينسحب، أو قد يلائم أكثر من سلطة محلية، وبذلك يكون طرحا وبرنامجا ومشروعا قُطريًّا له أهداف قطريّة جماعيّة للسلطات المحلية العربيّة، وليس كل رئيس يهتم بمصالحه المحلية الانتخابية الضيقة فقط، وهذا المشروع الجماعي سينعكس على اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، لأنها ممثّلة عن كل رؤساء السلطات المحلية، وحريّ بها أن تمثّل المصلحة العامة للجماهير في المجتمع العربي، ولكن قد ينشأ هنالك تناقض بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية للرئيس، وعادة ما يغلّب رئيس المجلس المصلحة الشخصية لبلده على المصلحة العامة من حيث قدرته على تحصيل الميزانيات، وتحقيق الإنجازات والنتائج، فإنه يفضل المصلحة المحلية على القطرية. وينبغي ألا يكون هنالك تناقض، بل يستطيع سائر الرؤساء الاستفادة من رئيس يهتمّ بالعمل لمصلحة بلده.
أما أزمة تمثيل النساء، فهي أزمة دائمة في السلطة المحلية وليست وليدة الانتخابات الأخيرة، فعلى مستوى التنافُس الرئاسي لا توجد أي امرأة، ومنذ عقود لم يكن المنصب بإدارة امرأة، وعلى مستوى العضوية كذلك، فإن العدد ضئيل جدا، ومعظمهنّ ممثلات لأحزاب كالتجمّع والجبهة، ولكن ليس بالقدر المطلوب، ولعزوف المرأة عن العمل البلدي أسبابه ودوافعه، كالحالة الاجتماعية – الاقتصادية، وطبيعة العمل السياسي، وعدم وجود أجواء داعمة للمرأة، فالتقصير لا تتحمل مسؤوليته المرأة فحسب، وإنما المجتمع والمؤسَّسة الرسميّة.
وباختصار، فإن غياب الأحزاب، وغياب النساء، وغياب المنافسة الحزبية والسياسية المحلية؛ كلّ ذلك تغيب معه الطروحات والبرامج الانتخابية عن المشهد الانتخابي، ويتركّز في شخصنة الانتخابات على أشخاص وعائلات، وليس على برامج عمل للتقدُّم والتطوّر والتغيير، ودراسة احتياجات البلد.
المصدر: عرب 48