الصلاة في الأقصى حق لنا وليس منة يشكر عليها نتنياهو
النقاش حول حرية الصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك، أعاد إلى الواجهة الدور الغائب لفلسطينيي الداخل عن المواجهة التي تتصدرها غزة وتمتد على عدة جبهات مساندة فلسطينية وعربية، بعكس كل التوقعات الفلسطينية والإسرائيلية التي تحدثت عن “حارس أسوار 2” وعلى رأسها بن غفير.
خيرا فعل نتنياهو عندما أنصت إلى تقارير أجهزته الأمنية وقام بإلغاء توصية وزير شرطته، بن غفير، القاضي بسحب منع الصلاة في الحرم القدسي الشريف حتى على فلسطينيي الداخل الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية، وهو لا يستحق منا أي شكر على هذا القرار، (كما فعل منصور عباس متملقا) لأنه غير نابع من رغبة حقيقية في احترام حرية العبادة والصلاة في المدينة المقدسة، بل من إنذارات وتحذيرات جدية من أن يؤدي هذا المنع إلى انفجار في الضفة والداخل الفلسطيني وصولا إلى وحدة ساحات و”حارس أسوار 2″ الذي حذرت منه هذه الأجهزة ونجحت حتى الآن في منع وقوعه.
كما أن حقنا كعرب ومسلمين بالصلاة بمسرى رسولنا الأعظم، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، المسجد الأقصى المبارك، هو حق نستمده من عمق علاقتنا الروحية الدينية والقومية التاريخية والسياسية بالمكان الذي يعتبر حق مطلق للعرب والمسلمين الفلسطينيين، وهو ليس منة من نتنياهو أو غيره من قادة دولة الاحتلال.
هذا ناهيك عن أن المواطنة التي اكتسبناها من كوننا سكان البلاد الأصليين تضمن وتكفل لنا ترجمة هذا الحق إلى فعل ديني وسياسي في مختلف الظروف، خاصة الظروف التي يحاول فيها الاحتلال تشديد خناق الحصار الاقتصادي والسياسي على القدس بهدف عزلها وتمرير مخططاته الاستيطانية في قلب أحيائها وضد مقدساتها وعلى رأسها الأقصى المبارك الذي يتعرض لانتهاكات عصابات المستوطنين المتكررة على طريق تنفيذ مخطط التقاسم الزماني والمكاني.
لكن السؤال هو، هل فطن نتنياهو فجأة بحقنا في العبادة الذي توفره لنا المواطنة، علما أن هذه المواطنة قد جرى مصادرتها منذ بداية الحرب على غزة قبل خمسة أشهر وما زالت محتجزة، أسوة بمئات المعتقلين الذين يرزحون في السجون، فقط لأنهم عبروا عن رأيهم المناهض للحرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومئات الطلاب والعمال الذين جرى فصلهم من العمل والتعليم لنفس السبب، إضافة إلى مصادرة الحق في العمل السياسي والتظاهر وغيرها من أساليب التعبير عن الرأي.
نتنياهو يدرك أن المس بحرية الصلاة في الأقصى والمس بالأقصى عموما، هي القشة التي ستقصم ظهر الجمل والفتيل الذي سيشعل برميل البارود، وهو الحدث الذي سيكسر حاجز الخوف الذي نجحوا بتطويق فلسطينيي الداخل خلف جدرانه طوال الأشهر الخمسة الأخيرة، وأنه بركان الغضب الذي لن تستطيع وقفه “مجموعات الرماة” ولا فرق خيالة شرطة بن غفير وميليشياته، وهو يعرف متى عليه أن يصغي لتقارير أجهزته الأمنية ومتى عليه الإصغاء لصوت مصلحته الشخصية والسياسية المرتبطة ببن غفير.
من جهة ثانية فإن فلسطينيي الداخل يعرفون أن الحقوق حتى وإن كانت مكفولة بالمواطنة يجب انتزاعها عنوة وأنه لا أحد سيقدمها لك على طبق من ذهب، وفي هذا السياق فإن قضية الأقصى هي النقطة التي تتلاقى وتنعقد حولها القضية الدينية والوطنية والمدنية، هذا ما حصل في الانتفاضة الثانية، انتفاضة الأقصى عام 2000 التي تفجرت على خلفية اقتحام شارون للحرم القدسي الشريف وسقط خلالها 13 شهيدا من الداخل الفلسطيني، وهذا ما حصل خلال عملية “حارس الأسوار” وهبة الكرامة عام 2021 وَهَلُمَّ جَرّاً.
وهذا ما تتخوف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منه بأن يكون إذا ما جرى إقحام الأقصى في المعركة الدائرة ضد غزة، ولذلك أوصت بمنعه، إدراكا منها أن الرزمة التي تحوي الأقصى، رمضان وفلسطينيي الداخل، تمتلك قدرة تفجيرية هائلة، ولذلك يجب تفكيكها.
المصدر: عرب 48