مخاوف وأخطار تقرع أبواب يافا
مقتل يعقوب طوخي برصاص شرطي لم يكن الحدث الوحيد الذي أثار الغضب، بل كان ذروة توتر شهدته يافا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، إذ ازداد التحريض وتجول أفراد “فرق الاستنفار” الإسرائيلية مدججين بالأسلحة في المدينة.
جنازة يعقوب طوخي في يافا (“عرب 48”)
في قلب حي النزهة في يافا، المدينة العربية العريقة، علت آهات الحزن والغضب، في الأيام الأخيرة. الأحياء والأزقة والشوارع تحوّلت إلى مسالك موكب جنائزي، وساد الصمت المطبق هنا، إذ كان ضحية جريمة القتل برصاص شرطي بزي مدني، المرحوم يعقوب طوخي، في الخمسينيات من العمر، يجول بابتسامته المعهودة، لتبقى الزوايا والأركان تردد أصداء خطواته الغائبة.
كانت السماء الصافية تخفي غيمة حزن داكنة، والبحر الذي شهد على عبق التاريخ يلمح اليوم بأمواجه الثائرة على مأساة فقدان شاب كان رمزاً للحياة والأمل في يافا. في يوم الجنازة، شهدت شوارع يافا وأزقتها العتيقة مظاهر الحزن العميق الذي خيم على المدينة. الوجوه الغاضبة والعيون الدامعة كانت في كل مكان، تعبر عن فقدان ممزوج بالغضب والقلق. أمام بيت طوخي، شكّلت جدارية رسمت في الخلفية، مطلب سكان يافا العرب، بالعدالة المفقودة.
تصاعد الأجواء المتوترة
لم يكن مقتل يعقوب طوخي الحدث الوحيد الذي أثار الغضب، بل كان ذروة توتر شهدته يافا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. حملات التحريض التي تعرض لها أبناء المدينة العرب الفلسطينيين، وتجول المسلحين اليهود في الشوارع أضافت طبقة أخرى من الخوف والتوتر في صفوفهم. تلك الأجواء المشحونة لم تفلح سوى في تعميق الشرخ ورفع منسوب القلق حول مستقبل الأهالي.
يقول عبد القادر السطل، ناشط من مدينة يافا وهو قريب المغدور يعقوب طوخي، لـ”عرب 48″ إن “الشرطي الإسرائيلي قتل يعقوب عمدًا في حادثة تعد إعدامًا ميدانيًا مع سبق الإصرار والترصد”.
كان يعمل يعقوب طوخي بالسفارة الأميركية ويتطوع بالإسعاف ليلاً لإعالة عائلته، يروي السطل، “يعقوب المعيل الوحيد لأمه وابنتيه. أثناء عودته للمنزل، حاول مساعدة شخص مصاب فنشب جدال بينه وبين الشرطي الذي أطلق عليه أكثر من عشر رصاصات، مما أدى إلى مقتله. إطلاق الرصاص بهذه الكثافة يؤكد أن الهدف كان القتل”.
ويرى السطل أن التوتر في المدن التاريخية وخصوصا في يافا زاد بسبب الحرب على غزة، وازدادت حدة الصراع بعد هذه الجريمة، مشيرًا إلى أن “الفلسطينيين في هذه المدن يشعرون بتأثير الحرب بشكل مباشر يوميا”، وأشار إلى أنه “هناك تحريض إسرائيلي وتجاهل مستمر لحقوق الفلسطينيين في هذه الأوقات العصيبة، ونحن في يافا لا يمكننا أن ننفصل عما يحدث في غزة، ولنا أقارب هناك. شرطة بن غفير تريد أن تضع المواطنين العرب في الزاوية، وهذا قد يؤدي إلى أمور لا تحمد عقباها”.
مستقبل مجهول
يطرح الوضع في يافا، اليوم، تساؤلات حول المستقبل القريب، وخاصة في ظل محاولات لإسكات المواطنين العرب فيها، وسط إنشاء مجموعات يهودية مسلحة تسمى “فرق الاستنفار” التي أقيمت بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. يعقوب، برحيله، أصبح رمزاً للجريمة الداهمة التي قد تقرع باب بيت كل عائلة في يافا، وهذه المخاوف، باتت تشكل هاجسا كبيرا لدى المواطنين العرب.
يقول الناشط مصري أبو دين من يافا لـ”عرب 48″ إن “الأوضاع في يافا تشهد تدهورًا خطيرًا”، وأرجع جزءًا من المسؤولية إلى “وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ونهج حكومته المتطرف”.
ويرى أبو دين أن “الشرطي المتورط في قتل يعقوب طوخي تصرف بوحشية، مدفوعًا بسياسة العنصرية والتحريض ضد العرب”.
ويوضح أن “الشرطي القاتل قام بإطلاق النار دون خوف من العقاب، لأنه يعلم أن هناك من سيقف من ورائه ويدعمه لأنه قتل مواطنا عربيا. حكومة نتنياهو – بن غفير حتى تريد إخراس صرخة الألم التي بداخلنا. في جميع أنحاء العالم يتظاهرون دعما لحقوق الفلسطينيين، بينما يعاني العرب في يافا من قمع الحقوق الأساسية”.
ويؤكد أبو دين على “ضرورة النضال ضد الظلم والاعتداءات المستمرة في يافا وفي كل مكان يتعرض له الشعب الفلسطيني”.
وعن تسليح المستوطنين، يرى أنه “على الرغم من إننا لا نخشى إلا الله، لكن الوضع يتطلب تحركًا عاجلاً وموحدًا لمواجهة التطرف والتحريض. وأحذر من أن السكوت قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، لذلك على أهالي يافا التحرك قبل فوات الأوان”.
وختم أبو دين حديثه بالقول إن “يعقوب كان الضحية، ولكن غدًا سنكون كلنا، ولعل إعدام يعقوب يحدث صحوة بين أهالي يافا حتى يتحركوا، إذ أن أزقة يافا والشوارع والمحلات مليئة بالمستوطنين المسلحين، وهذا مقلق جدا، لأن جريمة قتل يعقوب كان بالإمكان أن تدخل كل بيت، وبحال لم نتحرك سندفع ثمنا باهظا، لذلك علينا التوحد والتحرك”.
قلق وتوجس
تغلف مدينة يافا هذه الأيام حالة ضبابية من القلق والتوجس يصعب تبديدها. المستقبل، الذي كان يومًا محل تطلعات وآمال، يبدو الآن مثقلًا بالشكوك والمخاوف. سكان المدينة، الذين شهدوا تصاعدًا في أعمال التحريض وزيادة في عدد المسلحين الذين يتجولون بحرية في أزقتها، يشعرون بالتهديد الدائم. الوضع المتوتر يُفاقمه دعم الحكومة الظاهر للمستوطنين المسلحين، مما يعزز الإحساس بالإقصاء والتهميش. هذه العناصر مجتمعة تدفع العديد من العائلات للتساؤل حول إمكانية استمرار العيش بأمان في وطنها وتثير في نفوسها تساؤلات جدية عن طبيعة الأيام المقبلة وكيفية حماية أنفسهم في ظل هذه الظروف المتوترة.
يقول رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، سامي أبو شحادة، لـ”عرب 48″ إن “يافا خسرت واحداً من أكثر شبابها احتراماً وحباً، يعقوب طوخي”.
ويؤكد أبو شحادة أن “يعقوب كان ناشطا في العمل الاجتماعي والسياسي في المدينة لسنوات طويلة، وإن مقتله وهو يرتدي زي المسعف ويؤدي مهمة إنسانية قد صدم الجميع”.
عن الجريمة التي ارتكبها الشرطي بحق طوخي، يرى أبو شحادة أن “الشرطي جزءا من منظومة أمنية إسرائيلية عنصرية تستهين بحياة العرب، القضية تم تحويلها إلى قسم التحقيق مع الشرطة (ماحاش) الذي يفتقر إلى الثقة والمصداقية وله تاريخ أسود مع ملفات في المجتمع العربي”.
ويطالب رئيس التجمع بـ”إحالة ملف القضية إلى لجنة تحقيق مستقلة”، ويشير إلى أن “يعقوب قُتل دون أي سبب وبدم بارد، وللأسف تم تحويل الملف إلى قسم التحقيق مع أفراد الشرطة (ماحاش)، وكلنا نعلم أن هذه المؤسسة ليس لديها أي مصداقية وثقتنا فيها معدومة. نطالب بتحويل الملف إلى لجنة تحقيق مستقلة، لأننا لا نثق بقسم التحقيق مع أفراد الشرطة (ماحاش)، ونحن نعرف أنهم جزء من الجريمة وليسوا جزءا من الحل”.
أما بخصوص الحرب وتأثيرها على تطرف الشرطة والمجتمع الإسرائيلي، يؤكد أبو شحادة أن “وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، يعزز من عنصرية وتطرف الأجهزة الأمنية، ما يسمح بارتكاب جرائم قتل ضد العرب دون حساب، مما أدى إلى تزايد هذه الجرائم بشكل ملحوظ. أضف إلى ذلك أن الوزير الإرهابي بن غفير، زاد من الأجواء داخل المنظومة الأمنية، وبات يعرف الشرطي أنه لن يعاقب بحال ارتكب جريمة، لذلك ازدادت جرائم قتل المواطنين العرب بشكل كبير”.
المصدر: عرب 48