دور «الإخوان» في حرب السودان !
غير أني لم أجد بغيتي في المقال، وبدا لي أن الأستاذ فيصل استصحب الحذر في الرد على سائله، واكتفى بتزويده بروابط ليقرر بنفسه، ويفهم هذه الحرب على حقيقتها.
ومع حرصي على عدم التزيّد، بأن أكون سودانيًا أكثر من السودانيين، إلا أن أمر هذه الحرب أجلى وأوضح من أي محاولة للتحرز والاحتياط، والطرف الذي ما زال يذكي أوارها، ويعمل على استمرارها معروف ومكشوف، ودوره أكثر وضوحًا في نسف كل فرص الوصول إلى حل سواء في منبر جدة، أو المنامة، والذهاب بالملف إلى ليبيا.. ويستطيع أدنى متابع للشأن السوداني أن يشير بإصبع الاتهام الدامغ لـ«الإخوان» في هذه المأساة التي يعيشها الشعب السوداني. فاقرأ إن شئت ما كتبه الزميل مشاري الذايدي بقوله: «إنه وبعد عشرة أيام على اندلاع الحرب السودانية الداخلية لمست انحيازاً إخوانياً صريحاً مع البرهان ضد حميدتي يعزفون على شيطنته والثناء على البرهان وهذا الكلام موجود في مجلة التايمز البريطانية عندما اتهم حميدتي البرهان بانحيازه للإخوان الساعين لاستعادة السلطة، في حين نفى البرهان هذه الاتهامات وأن الادعاء بوجود كيزان في الجيش ادعاء كاذب».
كما أن صحيفة الشرق الأوسط في عددها رقم (16284) أشارت إلى أن مصادر عسكرية سودانية ذكرت أن «الإسلاميين» لهم دور خفي في الصراع، وأن الآلاف من الذين عملوا في جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في عهد الرئيس البشير ولديهم صلات بالتيار الإسلامي يقاتلون حالياً إلى جانب الجيش. مؤكدة كذلك أن «إخوان السودان قدحوا شرارة الحرب وواصلوا تزويدها بالوقود»، مستدلين بغياب البرهان عن الاجتماع الذي رعته السعودية والإمارات وأمريكا لبحث الأزمة، فحضر الجميع بما فيهم قائد قوات الدعم السريع وغياب البرهان مما اعتبروه رفضاً للاتفاق. فيما يقول العالمون ببواطن الأمور أن تعليمات الحركة الإسلامية منعت البرهان من الحضور لتكون بداية الحرب التي يعيشها السودان اليوم في مشهد كارثي ومأساوي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه «عبثي وسوريالي»، محصلته تدمير مستمر وماحق للسودان وتشريد لأهله واغتصاب لبناته وقتل وضحايا وجرائم تدور على ساحته وتصرفات لا مسؤولة وسلوكيات غير منضبطة، في مناظر يندى لها جبين الإنسانية التي ترفض مثل هذه الأعمال اللا إنسانية.
إن ما يدور في الساحة السودانية منذ انقلاب «الإخوان» في 30 يونيو 1989، وما تلا ذلك من متغيرات في الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية السودانية، يؤكد أنه لا زالت هناك طائفة تنتمي لـ«الإخوان»، تتزيا بحلّة الجيش السوداني، وتعبث به، فجاء تحركها الأخير والسودان يتهيّأ للحظة الإمضاء على «الاتفاق الإطاري»، بعد مماطلات كثيرة، وتأجيلات بلا مبرر سوى التسويف، ومحاولة عرقلة الجهود الرامية لحل الأزمة السودانية بالحوار السلمي، والجهود التي تفضي إلى إنهاء «انقلاب 25 فبراير»، واسترداد الدولة من قبضة «الجبهة الإسلامية»، بتفكيك مفاصل سلطة حكمها التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، أفقرت فيها السودان، وأدخلته في صراع مع المجتمع الدولي بتصرفات طائشة، وتوجّه «إخواني» دموي معروف للجميع.
وهناك شواهد تثبت تحرّك قيادات «الإخوان»، وتحريضهم على إفشال الاتفاق، والدفع بقواعدهم نحو المواجهة، التي بلغت قمة حماقتها بطلب أحدهم فتوى دينية لاستباحة دم المبعوث الأممي، كونه المتولّي لعملية الحل السياسي المتوّج بـ«الاتفاق الإطاري»، فيما ظهرت قيادات أخرى منهم، وهي تتوعّد على العلن، وقبل انتهاء الحرب بتصفية ناشطين سياسيين في الساحة السودانية، ومؤكدين عودتهم للسلطة بشكل مطلق ينهون به حالة السلطة المستترة بقيادة البرهان.
إن هذه «الحقيقة» باتت تتكشّف يومًا بعد يوم، ولعلّ أصدق تعبير لها، قد صاغه قلم الدكتور طارق الشيخ في مقال له به بعنوان: «ما هي القوى الحقيقية وراء المشهد الدموي؟!»، حيث كتب ما نصّه: [إن ما يحدث اليوم في السودان هو انقلاب عسكري بتدبير من الإخوان المسلمين لكي يزيحوا أكبر خطر عليهم يمثّله محمد حمدان حميدتي وقواته ويجرى بدعم (وقيادة) البرهان الذي يبدو أنه يبتعد عن الإعلام، إذ ستفضحه كلماته نفسها، عدا عن أنه سيكون في أي ظهور له محاطاً بقواتٍ منتمية للحركة الإسلامية].
وتأكيداً لهذا الطرح فقد فرضت عقوبات أمريكية على وزير الخارجية السوداني السابق، والأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي لاتهامه بعرقلة التسويات لوقف إطلاق النار، ووضع حد للنزاع المدمر في السودان.
وفي مقابل هذا الرؤية يرى آخرون أنها «حركة تصحيح» من الجيش السوداني حيال «الدعم السريع» بدعوى «التمرّد»، ولا يقدمون أي حجة تشي بهذا التمرد المزعوم، بل إن خطاب التناقض يحوط هذه الرؤية، كون الدعم السريع في الأصل صنيعة الجيش نفسه، ويأتمر بأمره، وملحق تحت لافتته، وثمة اجتماع كان مقررًا بين «البرهان» و«حميدتي» لحسم قضية «الإطاري» وهو اليوم الذي جرت فيه الأحداث الدامية، بما يشير بوضوح إلى أن هناك خطأ ما وأيدياً خفية سعت إلى تحريك هذا الصراع اللامبرر بين أصدقاء الأمس ليصل الحال إلى الصورة التي عليها السودان اليوم.
وكيف ما كان الوضع، فالحاجة باتت ماسة وعاجلة إلى تدخّل عربي وإقليمي وعالمي لوقف هذا الصراع العبثي الدائر الآن، ووقف نزيف الدم السوداني أولاً، وإمضاء عملية التحوّل السياسي وفق ما خُطط لها في الإتفاق الإطاري، بما يعيد هذا البلد الشقيق إلى وضعه الذي عرفناه به على مر الحقب والسنوات؛ مصدر خير، وليس منطلق فتنة، ولا مصدر شرور لشعبه والشعوب المجاورة.