أغنيات في الحرب…
الموسيقى هي أرقى وسائل التعبير عن المشاعر الإنسانية، بوسعها ملامسة الأعماق الباطنة، وتمنح المتلقّي إمكانية التماهي مع الحالة، علمًا أنّها أصعب الفنون على التحليل، ولكنها الأكثر قدرة في التأثير على النّفس البشرية وبسرعة كبيرة قياسًا بالفنون الأخرى.
الأحداث العظيمة في تاريخ الأمم تحتاج إلى عبقريات موسيقية تنقلها إلى هذه اللغة التي ترتقي عن اللغات الأبجدية بأنه يمكن لكلِّ مستمع أو مصغ إليها أن يتأثر بها.
الموسيقى رافقت النكبة الفلسطينية الأولى.
قبل النكبة ومنذ عام 1934 انتشرت أغنية موطني، وهي أول نشيد وطني فلسطيني.
بعد النكبة اشتهرت أغنيات مثل “سنرجع يومًا إلى حيّنا” “أذكر يوما كنت في يافا” للرحابنة، و”أخي جاوز الظالمون المدى لعبد الوهاب”! كلمات علي محمود طه، و”شوارع القدس العتيقة” بعد هزيمة حزيران عام 1967، لفيروز، وأغاني الفنانين العرب والمصريين، في فترة المدّ الناصري” صوت الجماهير” والوطن الأكبر” وغيرها، ثم أغنيات حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر عام 1973.
كذلك المجموعة التابعة للثورة الفلسطينية، وأغاني أبو عرب، وأحمد قعبور ومرسيل خليفة إبان الحرب الأهلية في لبنان، حتّى حصار بيروت عام 1982 التي كان أبرزها العمل الكبير لمرسيل خليفة “أحمد الزّعتر”.
يمكن للعربي أن يستمع إلى قطعة موسيقية غربية يعيش مع جملها الموسيقية حتى الشّعور بالحماسة، من أشهرها “مارش راديتسكي” ليوهان شتراوس، ألفّه 1848، احتفاء بنصر جيش الإمبراطورية النمساوية على انتفاضة الطليان الثوريّة، كانت تبثّه إذاعة الثورة الفلسطينية قبيل إصدار بياناتها العَسكرية خلال إقامتها في لبنان، وأغنيات ثورية مثل “بيلا تشاو” وكاتيوشا الروسية”، وغيرها.
يحاول النُّشطاء من الشُّبان الفلسطينيين في مراكز الإيواء في قطاع غزة أن يمنحوا الناس تفاؤلا ومتنفّسًا من خلال الدّبكة ووصلات الغناء الإيقاعية التي يقيمونها خصوصًا لمشاركة الأطفال، وهي مشاهد مُفرحة، رغم آلام وويلات حرب الإبادة.
من الملاحظ أن أغاني هذه الحقبة وموسيقاها أقرب إلى النبض الدّيني، وهو الطابع الغالب على المقاومة والمجتمع الغزّي عمومًا، وفي العقدين الأخيرين بشكل خاص.
من أشهر ما ينشد أشعار كُتبت قبل الحرب بكثير، ولم تكن مخصّصة لغزة أصلاً، مثل:
“أتظنّ أنّك بعدما أحرقتني”
ورقصت كالشيطان فوق رُفاتي
وتركتني للذاريات تذرُّني
كحلًا لعين الشمس في الفلوات…
أتظنّ أنك قد طمَست هويّتي
ومحوتَ تاريخي ومعتقداتي”…
والقصيدة للشاعر القَطري محمد بن فِطّيس المرّي، وقد فاز بجائزة شاعر المليون عام 2007، وتبرّع بريعِها مناصفة بين ذوي الاحتياجات الخاصّة وبين أطفال فلسطين.
كذلك اشتهرت أغنية
سوف نبقى هنا، كي يزولَ الألم
سوف نبقى هنا، سوف يحلو النّغم
موطني موطني، موطني يا أنا
رغم كيد العدا، رغم كلِّ النُّقَم
سوف نسعى إلى أن تعمَّ النِعَم
سوف نرنو إلى، رفع كلِّ الهمم
وهي قصيدة طويلة أنشدها الليبي عادل المشيطي عام 2005 خلال تخريج دفعته في الطب من جامعة بنغازي، ولكنّها تحوّلت إلى أيقونة للصمود والتحديات، وصارت من أغاني الثوار العرب في كل مكان.
هنالك أغنيات كثيرة جديدة لغزة، منها أغنية “مَعْلِش” المستوحاة من قول الصحفي الثاكل وائل الدّحدوح عندما بلغه نبأ استشهاد بكره حمزة، فقال “معلش”، وقد أنتجها “كورال حسني”، ومن كلمات الأغنية التي تقدم بلحن حزين ورجولي تغنيه مجموعة.
ما بقدروا ع رجالنا
بنتقموا من الأولاد
والله م نترك دارنا
احنا أهل البلاد
معلش
كلُّه فدا فلسطين
معلش
لو سالت دُمُوع العين
معلش
تحت القصف واقفين
وأشهرها أغنية من كلمات وألحان بيغ سام، وهو فلسطيني يغني أغاني الهيب هوب واسمه الحقيقي سامر صوّان، مقيم في الولايات المتحدة، وهو مولود في فلسطين. بعض ما جاء في أغنيته التي ترافقها على اليوتيوب مشاهد لغزة وآثار الدمار اللاحق بها.
لو مرة بس
تغفي بروحي المتعبة
لو مرّة بس
يرتاح اللي بأرضك غفى
لو مرة بس
ترتاحي من بطش العدا
يا غزة أنا بروحي معاكِ
ولو بلاكي الدّنيا جنة
ما انوجع قلبك يا روح الروح
انوجعنا إحنا
نسقط إن سقطت ولن تسقط
لا ولن تسقط ما دُمنا
كذلك غنى محمد عساف أغنية يبدأها بموال ذي لحن تقليدي من التراث الفلسطيني على طريقة أوووف، من الزّجل المعنّى…
موال:
غزّة من الصغر على أرضك أنا رابي
صابر على الأوجاع وما بِعتوا ترابي
لك اكتب يا هالتاريخ ع اللي جرى بي
أنا غزة وبصمودي المثل انضرب
إلخ، وترافق الأغنية مشاهد للشهداء والدّمار.
كذلك هناك أغنية مصرية بعنوان “يا غزّة قومي”، والتي يغنيها ثلاثة شبّان، خالد عجمي وحودة بُندق ومحمد أسامة، يهدونها “إلى شعب فلسطين الشقيق، ويتبرعون بريعها لفلسطين”.
يقول مطلع كلماتها:
الحق صوته أعلى من صوت السِّلاح
وهاتوا لي دين بحلل الدَّم اللي راح
على كلِّ شبر بأرضها
صَرْخَت وبْعِلوِ بْحِسّها
مَ تعزّونيش
وهاتولي حقّ ابني اللي راح
وحياتك يا قدس دي شدة وتعدي
يا غزة قومي
أنا مش حسيب أرضي
ونمطها يذكّر بأغنية مجموعة الفنانين العرب في الانتفاضة الثانية “القدس ح ترجع لِنا”، ولكن عدد المشاركين فيها أقل.
وهناك أغنية لشابين فلسطينيين، هما عبد القادر ناصر الدين، وعبد الرحمن الخضور:
“غزة العزّة، والكرامة إلكم الله يا شجعان” إلخ، وهي تذكّر في لحنها مطلع إحدى أغنيات جوليا بطرس.
وأغنية حمودة الخضر، بلادي فلسطين، يُنشد فيها للمدن الفلسطينية. القدس وعكا يافا وغزة وجنين.
لن نسكت لن نستسلم لا
لالالالالا
نفديك نحن يا فلسطين
وكذلك هناك نشيد للمصري أحمد حسن الأقصري
يبدأ في صور للقصف والشّهداء
وهي ذات طابع ديني
يا أهل غزّة كبّروا
الله الله
نِعمَ الجهاد جهادكم
والله شرّف قدركم
سيفٌ للحقّ سيفكم
شرف العروبة أنتم
والله شرّف قدركم
وهنالك أغنية للشابة اللبنانية رولا قادري، تغنّيها بإيقاع هادئ.
لا تبالي يا غزة
وتحليّ بالعزّة
وتحدّي كلَّ حصار
لن نخضع
لن نركع
يا غزة ما هُنت
رمز العزة كنت
لا بل ما زلت..
هذه بعض نماذج، خصوصًا التي جرى تأليفها وتلحينها خلال الحرب الحالية على قطاع غزّة، وهي تعكس رغبة هؤلاء الفنانين ووعيهم بأهمية تقديم أعمال موسيقية تخلّد هذه اللحظات الحاسمة والثقيلة جدًا في تاريخ الصراع العربي- الصهيوني، إضافة إلى أنّها تلبي رغبة شعبية في العالم العربي للتضامن مع أهالي قطاع غزّة، وتقديم أيّ دعم كان لهم.
المصدر: عرب 48