المنظومة الصحية بغزة و”عقيدة التدمير” الإسرائيلية
ركز الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية عدوانه على قطاع غزة المتواصل لليوم الـ239 على التوالي، على حصار المستشفيات والمراكز الصحية، ثم تخريب المرافق والأقسام وقتل المرضى والطواقم الطبية والنازحين الذين لجأوا إلى المستشفيات حماية لأنفسهم، ثم القصف الممنهج لهذه المستشفيات والمراكز الصحية وتفجير بعضها بصورة متعمدة وإستراتيجية وليست عشوائية.
تابعوا تطبيق “عرب ٤٨”… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
ولم يحصر الاحتلال أدواته في حربه على المنظومة الصحية في غزة بالهجوم المباشر واستهداف وقتل الأطقم الطبية واعتقالهم فقط، إذ عمل على تهديد المستشفيات وحصارها وإخلائها، ومنعها من الحصول على الإمدادات والمستلزمات، وشملها في قرارات الحرمان من إمدادات الوقود والماء والغذاء والكهرباء، وتدمير الطرق التي تؤدي إليها.
هذا ما يستهل به تقرير بعنوان “المنظومة الصحية في غزة هدف أساسي لعقيدة التدمير الإسرائيلية”، نُشر، مؤخرًا، بالتعاون بين “وفا” واتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا).
يقول التقرير: “لم تتوقف منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تحذيرات المنظمات الإنسانية والمؤسسات الدولية من خطر انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة، ووصولها إلى مرحلة العجز أمام القيام بأبسط المهام المتمثلة بإنقاذ الحيوات. وفي المقابل، كان الاحتلال يختلق ما يبرر حربه على المستشفيات والمراكز الصحية والأطقم الطبية والمسعفين، وحتى المرضى والمرافقين لهم، والنازحين المقيمين في المؤسسات الصحية، بقطاع غزة”.
ويتابع: “اختلقت إسرائيل الأكاذيب وحاولت أن تنسب القصف والتدمير اللذين يستهدفان المستشفيات تارة إلى فصائل فلسطينية، كما حدث بعد قصف مستشفى الأهلي العربي “المعمداني”، في 17 تشرين الثاني/ أكتوبر 2023، وتارة أخرى، كان الاحتلال يزعم أن حصار واقتحام مستشفيات كمجمع الشفاء والمستشفى الإندونيسي، ناجمان عن استخدامها من طرف حركات فلسطينية لأغراض عسكرية أو لوجود أنفاق أسفلها، لكنها لم تنجح في إقناع الرأي العام العالمي، ولا حتى بعض وسائل الإعلام الغربي، التي عادة ما كانت تتبنى الرواية الإسرائيلية”.
المنظومة الصحية الفلسطينية في قطاع غزة كانت هدفًا أساسيًا لآلة الحرب الإسرائيلية الى جانب تدمير البنى التحتية والمرافق والمؤسسات الخدمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة، كوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”.
ولذلك ركز الاحتلال، يوضح التقرير، على حصار المستشفيات والمراكز الصحية، ثم تخريب المرافق والأقسام وقتل المرضى والطواقم الطبية والنازحين الذين لجأوا إلى المستشفيات حماية لأنفسهم، ثم القصف الممنهج لهذه المستشفيات والمراكز الصحية وتفجير بعضها بصورة متعمدة وإستراتيجية وليست عشوائية، دون الأخذ بأي اعتبار للقوانين الدولية والإنسانية التي تضمن الحماية لهذه المرافق.
انهيار تام للمنظومة الصحية
القطاع الصحي الفلسطيني في غزة انهار، وما بقي منه يخدم في حده الأقصى ما لا يزيد على 15% فقط من الجرحى والمصابين في العدوان، وهو غير قادر على خدمة من يعانون أمراضًا مزمنة، وعاجز عن معالجة الأمراض الوبائية التي سببها الاكتظاظ في مراكز الإيواء، وتدمير نظام الصرف الصحي.
انهيار المنظومة الصحية، وعرقلة الوصول إلى المستشفيات، وعدم توفر الأدوية والإمدادات الطبية، وصعوبة إجراء الفحوصات المخبرية، وانهيار البرامج الوقائية، ألقت بظلالها على فئة أصحاب الأمراض غير السارية، التي كانت تشكل قبل الحرب -أصلاً- عبئًا كبيرًا على النظام الصحي.
ويتابع التقرير: “حسب منظمة أطباء بلا حدود، يعاني نحو 350 ألف شخص في غزة من أمراض مزمنة، كارتفاع ضغط الدم الشرياني، والسكري، والربو والصرع، فضلاً عن مرضى السرطان والكلى”.
والغالبية العظمى من هؤلاء المرضى لا يجدون أدويتهم الأساسية، ولا يتلقون الرعاية الطبية اللازمة، الأمر الذي فاقم من حالتهم الصحية، ما يضيف مستقبلًا أعباء جديدة على المنظومة الصحية المنهكة أصلًا، بسبب الحصار الطويل لقطاع غزة.
نزوح المواطنين من مكان إلى آخر، وعدم توفر الغذاء والماء الكافيين، وتردي الظروف البيئية نتيجة العدوان والدمار، كلها عوامل ستزيد من تعقيدات الوضع الإنساني الكارثي، ما سينعكس سلبًا على فئات جديدة من المواطنين.
منظمة “أوكسفام” الدولية، حذرت من خطر انتشار الأوبئة في قطاع غزة بفعل الهجمات الإسرائيلية التي دمرت البنية التحتية الحيوية والمرافق الصحية. وأوضحت المنظمة في بيان صدر في أيار/ مايو الجاري، أن تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والاكتظاظ وسوء التغذية والحرارة، أوصلت غزة إلى حافة الأوبئة القاتلة.
وهو ما سبق أن حذرت منه وكالة غوث وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، مشيرة إلى انتشار الأمراض والأوبئة في قطاع غزة بسبب تراكم النفايات، لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة وحلول فصل الصيف.
وقالت الوكالة في منشور على منصة “إكس”، إن النفايات تتراكم في كل أنحاء قطاع غزة وينتشر البعوض والذباب والفئران ومعها الأمراض والأوبئة، فيما يزيد الافتقار إلى الصرف الصحي المناسب الوضع سوءًا.
ربع مليون طن
حجم النفايات المتكدسة في أنحاء قطاع غزة كافة يقدر بما يزيد على ربع مليون طن، فضلاً عن انتشار كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي في مختلف المناطق ووصولها إلى مياه البحر.
وتتوافق التقديرات حول احتمالية اجتياح الأمراض المعدية والوبائية لقطاع غزة بشكل غير مسبوق، وبزيادة تصل إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل العدوان.
مختصون يرجحون ذلك لعدم توفر المياه وشح الغذاء، وضعف المناعة الجماعية، وعدم توفر الدواء ومواد التنظيف، والنزوح والاكتظاظ في مراكز الإيواء ومناطق اللجوء، وتفاقم الظروف البيئية، وتدمير البنية التحتية والصرف الصحي.
أكثر من مليون إصابة بأمراض معدية
مصادر طبية في نيسان/ أبريل المنصرم، أعلنت عن وجود مليون و89 ألف إصابة بالأمراض المعدية في قطاع غزة بسبب النزوح والاكتظاظ، يضاف لها 8 آلاف حالة التهاب كبد وبائي، إضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي العلوي، والسحايا، والزحار، والإسهال المائي، وغيرها، ما يهدد باستشهاد الآلاف في حال استمرار الأزمة الإنسانية في القطاع.
سيناريوهات لآفاق الوضع الصحي بالقطاع
إلى ذلك، تناولت دراسة لـ”المركز الصحي في الأزمات الإنسانية” التابع لـ”مدرسة الصحة والطب الاستوائي بجامعة لندن البريطانية”، والمركز الصحي الإنساني بجامعة جونز هوبكنز الأميركية، 3 سيناريوهات مختلفة في قطاع غزة بشأن التوقعات المتعلقة بكيفية تغيّر الصحة العامة، بين 7 شباط/ فبراير و6 آب/ أغسطس 2024.
وجاء في الدراسة، أنه ومع تأثير الأمراض الوبائية، سيموت 11 ألفًا و580 شخصًا في غزة حتى آب/ أغسطس إذا ما أعلن وقف إطلاق النار، وأكثر من 66 ألفًا إذا استمر العدوان على حاله، فيما سيفوق عدد الضحايا 85 ألفًا في حال زادت حدة هجمات الاحتلال.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” من عواقب وخيمة على الحوامل والأطفال وحديثي الولادة خلال العدوان، من حيث تضاؤل فرص حصول من نجا منهم على الخدمات الصحية.
الولادات بمعدل 180 حالة يوميًا
معطيات للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تظهر وجود حوالي 60 ألف امرأة حامل في قطاع غزة، ومعدل الولادة يصل إلى 180 حالة يوميًا.
في غضون ذلك، تعاني أكثر من 15% من النساء من مضاعفات حمل وولادة يصعب علاجها بسبب نقص الرعاية الطبية، بما يزيد من احتمالات الإنجاب ضمن ظروف غير آمنة صحيًا، ويضاف إلى ذلك صعوبة الوصول إلى المرافق الصحية ومتابعة الحمل وتردي أوضاعهن الغذائية والنفسية والبدنية، بما يزيد من حالات الإجهاض وتعاظم معدلات وفيات الأمهات والأطفال الرضع.
ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان، دومينيك ألين، يوضّح أن المضاعفات المرتبطة بالولادة في غزة تزيد على ضعف ما كان الأطباء يتعاملون معه قبل العدوان، ويعود ذلك إلى سوء التغذية والجفاف والخوف، وكل ذلك يؤثر على قدرة المرأة الحامل على الإنجاب بشكل آمن وإتمام الفترة الكاملة للحمل.
زيادة بنسب الاجهاض وصلت الى 300%
وبسبب العوامل آنفة الذكر، سُجل في غزة ارتفاع قياسي في حالات الإجهاض بنسبة وصلت إلى 300%، وزاد معدل الولادات المبكرة لدى النساء بنسبة الثلث تقريبًا، وفقًا للمستشارة الإقليمية لمنظمة كير الدولية نور بيضون.
وزارة الصحة الفلسطينية رصدت كذلك زيادة في حالات النزيف وانفصال المشيمة لدى الحوامل بنسبة 25%، وذلك لمجموعة من العوامل أبرزها سيرهن لمسافات طويلة بحمل ثقيل خلال النزوح، فضلاً عن انتشار الاضطرابات النفسية والخوف والقلق.
انعدام تام للأمن الغذائي
من جهتهت، حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في أيار/ مايو 2024، من أن أكثر من 150 ألف امرأة حامل أو مرضعة في غزة يواجهن مخاطر صحية رهيبة، خاصة مع بدء حركة النزوح المعاكسة من رفح جنوبًا بسبب اتساع العدوان الإسرائيلي.
وأرفقت “الأونروا” التحذير المنشور على منصة “إكس” بصورة لطفلة ولدت مؤخرًا في غزة، وكتبت تعليقًا: “وُلدت حبيبة في خيمة صغيرة، عمرها أسبوعان، ووزنها أقل من كيلوغرامين”.
وذكر ألين الذي توجه إلى قطاع غزة في آذار/ مارس الماضي، أن الأطباء في غزة ما عادوا يرون مواليد بحجم طبيعي، بل على العكس فإنهم يرون عددًا أكبر من وفيات الأطفال حديثي الولادة بسبب معاناة أمهاتهم الحوامل نتيجة سوء التغذية والخوف والنزوح المتكرر.
وفي الفترة ذاتها، أفاد تقرير دوري أممي بأن الحد الأقصى لانعدام الأمن الغذائي الحاد للمجاعة قد تم تجاوزه بشكل كبير، وأن سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة يتقدم بوتيرة قياسية نحو العتبة الثانية للمجاعة.
وذكر التقرير أن جميع مواطني غزة يواجهون مستويات توصف بالأزمة في انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ، مشيرًا إلى أن 1.1 مليون شخص في غزة، استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف ويعانون من الجوع الكارثي.
وتم تصنيف ذلك على أنه أكبر عدد من المواطنين على الإطلاق الذين يواجهون جوعًا كارثيًا من صنع البشر، يتم تسجيلهم من قبل نظام تصنيف الأمن الغذائي.
وخلال العدوان على قطاع غزة، أعلن عن وفاة 34 مواطنًا في قطاع غزة نتيجة الجوع وسوء التغذية والجفاف، بينهم 31 طفلاً.
القضاء على آخر مركز عامل للخصوبة
وقضى قصف إسرائيلي لأكبر مركز للخصوبة في قطاع غزة، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، على أكثر من 4 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب، إضافة إلى ألف عينة أخرى لحيوانات منوية وبويضات غير مخصبة.
وأطلقت في 13 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صرخة عاجلة في قطاع غزة بعد نفاد مخزون لقاحات الأطفال، ما ينبئ بانعكاسات صحية كارثية مستقبلاً، فضلاً عن انتشار الأمراض، خاصة بين النازحين في مراكز الإيواء المكتظة.
وقدّر عدد الأطفال حديثي الولادة في قطاع غزة من الذين لم يتلقوا التطعيمات اللازمة في موعدها، بأكثر من 60 ألفًا، وذلك بحلول نهاية عام 2023.
شهداء الكادر الطبي نحو 500
إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية تشير إلى أن دولة الاحتلال شنت أكثر من 340 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها، خلال الفترة ذاتها، وأن عدد الشهداء من كوادر القطاع الصحي في غزة وصل إلى 500، بينما أصيب المئات، وبلغ عدد المعتقلين أكثر من 130.
وإثر هجمات الاحتلال على المرافق الطبية، خرجت 32 مستشفى و35 مركزًا صحيًا عن الخدمة في قطاع غزة، وتم تدمير 130 سيارة إسعاف.
وبحسب وزارة الصحة، يختم التقرير، أدى الاستهداف المتعمد للبنية التحتية الطبية إلى حرمان المدنيين من إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، وحوّل قطاع غزّة إلى مكان غير قابل للحياة.
اقرأ/ي أيضًا | عزمي بشارة: ظهور بايدن العلني لعرض المبادرة الإسرائيلية يكبّل نتنياهو
المصدر: عرب 48