ارتفاع في ضحايا حوادث الطرق.. الأسباب والعوامل
حسن: لو نظرت إلى السائقين اليوم داخل مركباتهم تجدهم يجلسون بأريحية كما لو كانوا في صالونات بيوتهم، وقد نسوا أن المركبة هي كومة من الحديد تتحرك بسرعة فائقة على الطريق وقد تتحول في لحظة من وسيلة نقل إلى وسيلة قتل
من أحد الحوادث في شوارع البلاد (تصوير: “نجمة داود الحمراء”)
لقي 190 شخصا بينهم 65 من المجتمع العربي مصارعهم في حوادث الطرق منذ مطلع العام الجاري 2024، وتظهر المعطيات التي نشرت مع نهاية الربع الأول من العام الجاري دالة تصاعدية وارتفاعا في عدد ضحايا حوادث الطرق مقارنة بالسنوات العشر الماضية.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
وبهذا الصدد، أجرى “عرب 48” حوارا مع المحاضر والخبير في موضوع حوادث الطرق، نصار حسن، الذي استهل حديثه بالقول إن “هذه الأرقام تذكرنا بالفترة التي سبقت تأسيس السلطة الوطنية للأمان على الطرق، وتحديدا في عامي 2008 و2009 والتي كان الهدف من تأسيسها وضع خطة لتقليص عدد ضحايا حوادث الطرق إلى مستوى يتناسب مع ما هو عليه في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المعروفة باسم دول OECD”.
“عرب 48”: بداية هل هناك أسباب واضحة يمكن تشخيصها لهذا الارتفاع الحاصل في حوادث الطرق؟
حسن: هنالك 3 عناصر أساسية للقيادة، الأول هو الشارع وظروفه والثاني هو المركبة أما العنصر الثالث فهو السائق وهو العنصر الأهم والمسبب الرئيسي لحوادث الطرق، فلو أخذنا بعين الاعتبار أكثر الشوارع خطورة في البلاد والمسماة بشوارع الموت نلاحظ أن هذه الشوارع لا تشهد حوادث قاتلة بشكل يومي رغم مرور آلاف السيارات منها يوميا.
الشارع وحده هو ليس مسببا لحوادث الطرق، وكذلك المركبة فإنها لا تتسبب بحادث طرق عندما لا تكون في حالة حركة، لذلك فإن العامل الأهم كما ذكرنا هو من يحرك المركبة ويستخدم الشارع وهو السائق أي العامل البشري، لذلك فإن كل الإحصائيات المحلية والعالمية تؤكد بأن أكثر من 90% من حوادث السير سببها الأول العامل البشري.
“عرب 48”: ماذا نقصد بالعامل البشري؟ هل أن السائق لم يحصل على الخبرة والمهارة الكافية لاستخدام المركبة والشارع؟
حسن: عندما نقول العامل البشري فإننا نقصد بذلك سلوك السائق على الشارع ومدى قدرته ومهارته على ملاءمة قيادته مع ظروف الشارع وحال المركبة التي يقودها، لأن حوادث الطرق بالتالي تحدث نتيجة أخطاء بشرية وتقدير خاطئ لظروف الشارع وسرعة المركبة وأمور أخرى، لذلك نحن نتحدث عن سلوكيات وتصرفات خاطئة على الشارع.
إلى ذلك، نحن اليوم ندفع ثمن الحضارة والتطور التكنولوجي الذي طرأ على المركبة، واعتماد السائق على المركبة أكثر من اعتماده على نفسه، فهو يعلم أنه لو انحرف عن المسلك فإن المركبة تحذره وتوجهه، وإذا غفل فهي تقوم بعملية فرملة أوتوماتيكية، وهي مزودة بما يلزم من وسائل أمان حيوية وتوفر له كل الأسباب التي لا تجعل منه المسؤول الأساسي، لا بل تجعله يشعر بأن مكانه خلف المقود ليس ذا أهمية قصوى، ولو نظرت إلى السائقين اليوم داخل مركباتهم تجدهم يجلسون بأريحية كما لو كانوا في صالونات بيوتهم، وقد نسوا أن المركبة هي كومة من الحديد تتحرك بسرعة فائقة على الطريق وقد تتحول في لحظة من وسيلة نقل إلى وسيلة قتل، وكما قال أحد أهم صنّاع السيارات “كلما كانت المركبة أكثر ذكاء كان السائق أكثر غباء”.
“عرب 48”: “هذا لا يحدث معي” هناك من يرى بأن الثقة المفرطة بالنفس تجعل السائق يشعر بأن الحوادث قد تحدث مع الآخرين لكنها بعيدة عنه، وكذلك هو حال راكبي الدراجات النارية.. هل الثقة الزائدة بالنفس سبب للحوادث؟
حسن: نحن العرب لدينا ثقافة مختلفة عن الشعوب الأخرى، فنحن ربما الشعب الوحيد الذي “يوزع الحلوان” عندما يحصل على إجازة لقيادة سيارة، وهذا الأمر غير سائد لدى الشعوب الأخرى، ومقولة “أن هذا لن يحدث معي” سائدة ومتجذرة في ثقافتنا، وكأن من يتسببون بالحوادث هم أناس من عالم آخر وليس من بيننا! وحتى عندما يرتكب هؤلاء السائقون مخالفات سير أو يتسببون بحادث طرق فإنهم لا يعترفون بأنهم أخطأوا، ودائما نراهم يزعمون بأن طرفا آخر هو المسبب للتنصل من المسؤولية مثل الشارع، المفرق، الشارة الضوئية، مهندس البلدية، الشمس تحجب الرؤية، أو شيء آخر، ويتغافلون عن أن هنالك موت وإصابات وإعاقات وتشوهات سببها السلوك الخاطئ على الطريق.
نحن في كل يوم نشهد حوادث طرق قاتلة، لذلك فإننا نوصي السائق أولا الأخذ بكل وسائل الحيطة والحذر كي لا يكون هو ومن معه الضحية القادمة، وهذا الموضوع ليس فيه ضمانات، فمهما بلغت مهارة السائق وثقته بنفسه فإن هناك العديد من المؤثرات الخارجية الأخرى التي تلعب دورا في وقوع الحوادث.
“عرب 48”: تشير المعطيات إلى أن مشاركة الذكور في الحوادث أعلى من الإناث، رغم أن نسبتهم بين السائقين قد تكون متساوية؛ هل هناك تفسير؟
حسن: هناك أبحاث عالمية ليس فقط في بلادنا تشير إلى أن مشاركة الإناث في حوادث الطرق أقل من الذكور، وهذا يعود لعدة أسباب منها أن الذكور يتواجدون أكثر على الشوارع سواء العمال الذين يسافرون لمسافات طويلة عادة مقابل النساء اللواتي قد تقتصر قياداتهن على نقل الطفل إلى المدرسة أو الحضانة ذهابا وإيابا، والقيادة داخل المدن وليس الشوارع السريعة، أمر آخر هو أن من يمتهنون القيادة غالبيتهم الساحقة من الذكور كسائقي الباصات وسيارات الأجرة ونقل العمال فهم معرضون أكثر من حيث ساعات تواجدهم على الشارع ومن حيث الكيلومترات التي يقطعونها، لكن هناك أسباب أخرى تتعلق بطبيعة الذكر والأنثى، وقد أثبتت كل الدراسات بأن تشخيص الخطر قبل حدوثه موجود لدى الأنثى أعلى منه لدى الذكور، وهذا أمر متعلق بعوامل تطور البشر فحتى لدى الحيوانات طبيعة الأنثى تمنحها القدرة على تشخيص الخطر المحدق بصغارها أكثر من الذكر وهذا مثبت علميا.
كما أن الأنثى تسعى للحصول على رخصة القيادة لتخدم عملها وتعليمها، بينما تجد بأن الشاب ينظر إليها كتحد من أجل تجاوز قوانين السير التي وضعت من أجل منعه من استغلال طاقاته، لذلك نرى بأن مشاركة الشباب في حوادث الطرق هي الأعلى على الإطلاق، وتصل إلى ضعفي السائقين الذين تجاوزوا سن الأربعين، والشاب العربي بشكل خاص يرى في رخصة القيادة هدفا وليس وسيلة لتسهيل حركته وتنقلاته، وربما يرجع ذلك إلى قلة إنجازاته في الحياة فهو يرى بأن الرخصة إنجاز عظيم.
لو نظرنا إلى الفئة الأكثر مشاركة في حوادث الطرق نرى بأنهم الشباب الذكور من الفئة العمرية 18-24 عاما، وعادة هي فئة الذكور الذين أنهوا فترة المرافقة الإلزامية للسائق الجديد. هذه الفئة هي أقل خبرة وأكثر تحديا لقدراتهم وقدرات مركباتهم رغم إدراكهم للخطر الذي هم مقدمون عليه، أضف إلى ذلك التأثير الاجتماعي السلبي داخل المركبة عندما يكون برفقته أصدقاء يحثونه على إظهار أقصى مستوى من المهارة وأقصى حد تعطيه المركبة، فهذه العوامل كلها مجتمعة تشكل وصفة مضمونة لنهاية مأساوية.
يشار إلى أن نسبة الذكور في تنفيذ مخالفات السير هي أعلى بكثير من نسبة الإناث، وتفيد المعطيات بأن أكثر من 80% من حوادث الطرق وقعت بسبب مخالفة سير نفذها أحد السائقين الضالعين في الحادث.
“عرب 48”: نلاحظ بأن هناك ارتفاع بارز في عدد الضحايا من راكبي الدراجات النارية 38 من أصل 190 ضحية هم من راكبي وسائل النقل ذات الإطارين؟
حسن: هناك إشكالية معينة في هذا المعطى لأنه يشمل جميع الدراجات النارية التي تتحرك بعجلتين ولا يميز بين الدراجات النارية الرياضية الخطرة، وبين الدراجات الصغيرة التي تستخدم للإرساليات والتنقل بسرعة وسهولة داخل المدن المكتظة، فلا شك بأن هناك ميزات إيجابية للدراجات النارية من حيث سرعة التنقل وعدم الوقوع في الاختناقات المرورية، وسهولة ركنها على الأرصفة أو بين المركبات والتوفير في مصروف الوقود، لكن الخطورة الحقيقية تكمن في الدراجات النارية الرياضية ذات المحرّك الكبير والتي يستغلها الشباب ليس فقط من أجل السرعة وإنما يقومون بتنفيذ حركات بهلوانية خطيرة وسط الطريق وبين السيارات، وهناك فئات تمارس ركوب الدراجات النارية في مجموعات وكهواية ومنهم من كبار السن وأصحاب المكانة الاجتماعية والاقتصادية المرموقة.
لذلك نرى بأن هناك إشكالية في هذا المعطى لأنه بصنف كل المركبات ذات الإطارين كوحدة واحدة، لكن الخطر يكمن في الدراجات الرياضية الكبيرة خاصة عندما لا يتخذ السائق كل وسائل السلامة كوضع الخوذة ووسائل الحماية من سترة واقية وقفازات ووسادات لحماية الأكواع والركب والأكتاف، وللمعلومات فإن راكب الدراجة النارية معرض لحادث طرق أعلى بنسبة 1/18 من سائق المركبة وهي بدون شك وسيلة خطرة.
“عرب 48”: أين دور الشرطة من تطبيق القانون والبرامج التوعوية التي يتم إدخالها إلى المدارس لتوعية الطلاب لموضوع منع حوادث الطرق؟
حسن: في الواقع لا يوجد برنامج أو خطة حكومية واحدة جرى تنفيذها بشكل كامل، لا في تحسن البنى التحتية ولا في التوعية ولا في المدارس، بل على العكس نلاحظ بأن الميزانيات التي ترصد لا يتم تحويلها إلى هدفها وتستثمر في أماكن أخرى، علما أنه قبل سنوات جرى رصد ميزانيات لبرنامج خاص لطلاب الثانويات يمكنهم إجراء امتحان السياقة النظرية في إطار المدرسة، والآن جرى تقليص ميزانية هذا المشروع بنحو 40%.
هناك نقص كبير في تواجد دوريات الشرطة على الشارع، وقد أظهر تقرير مراقب الدولة الأخير أن هناك دورية شرطة سير واحدة لكل 100 كيلومتر، ومقارنة مع دول OECD فإن هناك دورية شرطة واحدة لكل 10 كيلومترات. مع غياب الشرطة وإهمال المؤسسات الحكومية وعدم صرف الميزانيات اللازمة وعدم وجود خطة للتقليل من حوادث السير لم يتبق أمامنا سوى حث السائق على تحمل مسؤولياته بالالتزام بالقانون واتخاذ المزيد من سبل الحذر لمنع الحوادث.
“عرب 48”: هل تلعب الأوضاع الأمنية والأزمات دورا في زيادة حوادث الطرق؟
حسن: بالتأكيد، نحن نتعلم من تجارب الماضي ومن الأبحاث التي أجريت في وقت الأزمات، واتضح بشكل لا يقبل الشك بأن هناك علاقة بين الأزمات كالحروب وانتشار الأوبئة وبين حوادث الطرق، لأن مثل هذه الأزمات تحدث حالة توتر وضغط دائم لدى السائق وتشتت أفكاره وتجعله ينشغل بسماع الأخبار في مذياع المركبة، وقد لوحظ في فترة جائحة كورونا أنه بعد كل إغلاق كان هناك موجة من حوادث السير القاتلة، ولو وضعنا مشاعر الضغط والتوتر تحت عدسة المجهر لقياس تأثيرها على السائق فيمكن ملاحظة ذلك من خلال سلوك السائق بعد خروجه من أزمة سير خانقة، فتجده ينطلق بسرعة وكأنه يريد تعويض الزمن الذي خسره نتيجة الاختناقات المرورية، وهنا يكمن الخطر.
المصدر: عرب 48