Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

حوار مع وليد حبّاس | كيف عززت سياسات الفصل العلاقات التجارية الإسرائيلية الفلسطينية؟

في دراسة بعنوان “الاقتصاد السياسي للتهريب: تجارة الضفة تحت نظام الحدود الإسرائيلي” نشرت في مجلة عمران، يقول الباحث وليد حباس إن إلحاق اقتصاد الأراضي الفلسطينية المحتلة بصورة ممنهجة بالاقتصاد الإسرائيلي في إطار سياسة رئيسة لإدارة السكان والترويض وإعاقة التنمية، شكلت واحدة من الإستراتيجيات التي استند عليها الحكم العسكري منذ عام 1967 إلى جانب تمدد مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني عن طريق مصادرة الأرض وإقامة المستوطنات ثم إقصاء السكان الفلسطينيين وإدارة حياتهم بصفتهم غير مواطنين وقصر إقامتهم في جيوب معينة تحولت لاحقا إلى مناطق “أ” و”ب”.

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”

ويرى حبّاس أن العلاقات التجارية الفلسطينية – الإسرائيلية هي واحدة من علاقتين رئيستين تشكلان بنية التبعية الفلسطينية حتى يومنا هذا، الثانية هي العمالة الفلسطينية، ويشير إلى أنه من خلال الأوامر العسكرية، وجهت إسرائيل النمو الصناعي الفلسطيني، بطريقة انتقائية، إلى قطاعات معينة ذات قيمة منخفضة، وتدريجيا تحول العديد من المنتجين الفلسطينيين إلى متعاقدين من الباطن مع الشركات الإسرائيلية بينما تحول تجار صغار وكبار إلى وكلاء للبضائع الإسرائيلية.

وتتوزع هذه العلاقة، كما تشير الدراسة، على طيف واسع من المجالات الاقتصادية تعكس عمق التبعية التجارية للضفة الغربية: الآلاف من التجار الصغار والمتوسطين؛ وعشرات القطاعات الصناعية الكبيرة التي توفر حوالي 60 – 80% من إنتاجها إلى إسرائيل؛ وآلاف الموزعين بالجملة والمفرق.. وشركات شحن وتخليص ولوجستيات وغيرها”.

ومنذ توقيع اتفاقات أوسلو في عام 1993 وبروتوكول باريس الاقتصادي في عام 1994 انتظمت التبادلات التجارية بين الضفة الغربية وإسرائيل وفق “نموذج الدولتين”؛ أي التجارة بين دولتين، وحولت هذه الاتفاقات المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان، والتي تعتبر موطن معظم الصادرات والواردات الفلسطينية، إلى مناطق إدارة ذاتية ومنحتها تصنيف “أ” و”ب”.

وشكلت هذه المناطق حوالي 40% من مساحة الضفة الغربية، وبذلك، فرضت إسرائيل حدودا اقتصادية بينها وبين الضفة الغربية ونّظّم التبادل التجاري بينهما اتفاقية اتحاد جمركي؛ فالضرائب والرسوم على الواردات تكون على الدوام من حق السلطات التي تدير الوجهة النهائية للسلع المستوردة، على النحو المنصوص عليه في بروتوكول باريس للعلاقات الاقتصادية.

وتدعي الدراسة أنه بغض النظر عن الدور الذي يضطلع به بصفته أداة استعمارية للاستيلاء على الأرض أو السيطرة على الفلسطينيين؛ فإن نظام الحدود الإسرائيلي شكل أيضا واجهة، فإضافة إلى التفتيش الأمني داخل بوابات الجدار، يعّد الجدار واجهة يلتقي بها التجار الفلسطينيون، والسلع التجارية، والسلطات الضريبية الإسرائيلية، ووزارات الزراعة والصحة الإسرائيلية، وهيئات مراقبة الجودة، وغرف اجتماعات بين ضباط الإدارة، فمن الناحية الإجرائية، تنظم الإدارة المدنية والتجار الفلسطينيين، وإجراءات بيروقراطية ورقية مختلفة الحدود الإسرائيلية حركة البضائع الفلسطينية التي تعبرها، وتحدد متى، وتحت أي شروط يمكنها العبور.

وتشير في هذا السياق إلى ازدهار التهريب الذي بالرغم من ظهوره منذ عام 1994 بعد البدء بالعمل وفق نموذج الدولتين، في إطار اتفاقات أوسلو إلا إنه ازداد كثيرا بعد إقامة الجدار الفاصل خلال الانتفاضة الثانية (2000 – 2005)، ووصل في عام 2018 إلى حوالى 2.16 مليار دولار؛ أي ما يشكل خمس التبادل التجاري بين الضفة الغربية واسرائيل.

وليد حباس

لإلقاء المزيد من الضوء حول هذا الموضوع أجرينا هذا الحوار مع الباحث، وليد حباس.

“عرب 48”: لا شك أنه عندما يحتل التهريب خمس التبادل التجاري بين “بلدين” يصبح ظاهرة تستحق الدراسة؟

حباس: عادة ما ينظر إلى موضوع التهريب كانحراف عن السلوك القويم، القانوني أو الأخلاقي، وهي نظرة تتبنى تفكير الدولة التي ترى أن هناك طريقة سوية للتبادل التجاري هي التي ينظمها القانون وكل خروج عنها يدخل في دائرة التجريم، أما أنا فأنظر إلى الموضوع بعين عالم الاجتماع الذي لا يبغي محاكمة الناس بل فهم سلوكهم والدخول إلى شبكات العلاقات التي تنتج هذه الظاهرة، وتتجاوز الدراسة مجرد تسليط الضوء على وجود ظاهرة التهريب، التبادل التجاري، وهو ما جرى توثيقه في تقارير اقتصادية مختلفة أو دراسات أنثروبولوجية وتنطلق من رؤية سوسيولوجية وتجادل بأن الحدود الإسرائيلية هي بنية استعمارية يمكن التفاوض بشأنها، أو تحديها، أو التحايل على قيودها، أو حتى تخريبها من التجار الفلسطينيين.

وقد رجعت في مقالي إلى دراسات الحدود عموما والتي تسلط الضوء على دور الوكالة الذي يمارسه السكان على جانبيها، الذين لا يعانون التبعات السلبية للحدود فحسب، وإنما أيضا يستفيدون منها، ويكمن أحد أهم المداخل لفهم طبيعة الحدود ابتداع طرائق غير رسمية للتحايل عليها أو الربح منها، من وجهة نظر التجار، في رؤيتها بصفتها واجهة، وإجراءات بيروقراطية، ومحطات تشرف عليها أجهزة أمنية، وتتطلب تصاريح عبور من نوع خاص.

والاستنتاج الذي خرجت به أنه كلما كلما زادت إسرائيل من تشديدها على تثبيت الحدود مع الضفة الغربية من خلال الجدار والحواجز، والتي يعتقد الناس معها أن أوصال التجارة تتقطع وينخفض منسوبها، كلما تعمقت العلاقات التجارية بين الطرفين ولكنها تعتمد بشكل أكبر على السوق السوداء، وهذا شيء موجود في العالم وملازم للحدود، لأن الحدود هي ليست خطا فاصلا فقط بل هي عبارة عن ملتقى أيضا.

وإذا نظرت على سبيل المثال إلى حاجز “شاعر إفرايم” أو حاجز الطيبة والذي يربط منطقة طولكرم – نابلس مع شارع رقم 6، وهو حاجز كبير وليس فقط جدار فصل، بل يشكل ملتقى تجتمع داخله الضريبة الإسرائيلية ووزارة الزراعة والتاجر الفلسطيني وسائقي الشاحنات والإدارة المدنية، وتجري هناك إجراءات بيروقراطية وتعبئة أوراق وتصاريح، هذا المكان الذي أسميته “الواجهة” يجمع كثير من اللاعبين الذين يسعون لتثبيتها ولاعبين آخرين يتحايلوا عليها.

وبالمناسبة فإن المعطى الذي ذكرته في سؤالك بأن التهريب يشكل خمس التجارة بين إسرائيل والضفة الغربية هو معطى إسرائيلي رسمي يستند إلى تقرير مراقب الدولة في إسرائيل لعام 2018.

“عرب 48”: المقصود أن “الحدود” حتى لو كانت مجازية وليست حدودا سياسية كما هي في الحالة الفلسطينية الإسرائيلية، فإنها تخلق أصول لعبة جديدة؟

حباس: أنا نظرت إلى الحدود القائمة بين الضفة الغربية وإسرائيل باعتبارها تتشكل من عدة طبقات، هناك الحدود الفاصلة والتي تتمثل بالجدار والمعابر التجارية وهي خمس معابر، ويرتبط بها نظام تصاريح، وليس فقط العمال هم من يحتاجون إلى تصريح للدخول إلى إسرائيل، بل الخضار أيضا، فالخيار يحتاج إلى تصريح والبندورة تحتاج إلى تصريح ومعايير جودة وغيرها، وهذا هو النوع الأول من الحدود.

هناك أيضا الحدود الاقتصادية المرتبطة باتفاق أوسلو الذي حدد التعامل مع الاقتصاد الفلسطيني وفق نظام الاستيراد والتصدير، بمعنى أن التاجر الذي يبغي نقل بضاعة من نابلس إلى نتانيا يتوجب عليه إحضار أوراق مقاصة، وكأن الموضوع يدور عن اقتصاد دولتين.

وانطلقت من رؤية تعتبر نظام الحدود الإسرائيلي باعتباره بنية استعمارية مفروضة من الأعلى، ويبين أن وظيفة الحدود ليست حكرًا على السلطات الإسرائيلية، وأنه على الرغم من أن الحدود تشكل أداة استعمارية للتوسع على الأرض والسيطرة على الفلسطينيين، فإنها مع ذلك عرضة لتدخلات لاعبين إسرائيليين وفلسطينيين ودوليين، وهي تؤطر في هذا السياق، التهريب بصفته نشاطا اقتصاديا يينطوي على دور فاعل فلسطيني يحاول التملص من الحدود أو تشبيك مصالحه التجارية معها.

ولعل المثال الأبرز في هذا السياق هي القصة التي تروى عن رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض والتي تشير إلى أن السلطة الفلسطينية أيضا هي جزء من هذه اللوحة وليست طرفا محايدا، وقد كانت السلطة عام 2004 غداة الانتفاضة الثانية، تعاني من وضع اقتصادي صعب وجرى تعيين سلام فياض رئيسا للوزراء لإنقاذ الوضع، فقام الأخير بمضاعفة كمية المحروقات التي تستوردها السلطة من مليار لتر إلى مليارين، وأعاد بيع الفائض إلى إسرائيل بواسطة التهريب بالسعر المسموح به في أراضي السلطة وهو أقل بنصف شيكل تقريبا عن السعر المعمول به في إسرائيل، وبهذه الطريقة حصل على مقاصة مضاعفة واستفاد من الربح الذي جناه من بيع الفائض داخل إسرائيل، (الموضوع مثبت في بروتوكول جلسة كنيست من عام 2004).

مثال آخر يتعلق بمسحوق الغسيل”برسيل” الذي كانت تحتكره في أراضي السلطة الفلسطينية شركة معينة ويمنع استيراده من قبل أي تاجر آخر، وفي إسرائيل يتم استيراده من قبل بضعة تجار، فقام تجار فلسطينيون باستيراد نفس المنتوج من مصر بكلفة أقل بكثير، لكن عندما وصل إلى ميناء حيفا منع دخوله إلى إسرائيل وإلى مناطق السلطة “أ” و”ب” فنقلوه إلى كفر عقب وهي منطقة لا تتواجد فيها السلطة ولا إسرائيل، حيث تم تخزينه هناك ومن ثم بيعه إلى المحلات التي بسعر منخفض وقامت الأخيرة بإدماجه بالمسحوق الأصلي وبيعه بنفس سعره، وفي النهاية استفاد الجميع.

طبعا لأجل إنجاز مثل هذه العملية هناك حاجة لعلاقات مع الميناء ومع الأطراف الفاعلة الأخرى، وعلاقات المصالح تلك موجودة ولكن لا يجري الحديث عنها في التقارير الرسمية.

“عرب 48”: هذا دليل أن القيود الاقتصادية التي تفرضها إسرائيل من خلال الاتفاقات الاقتصادية المشمولة باتفاق أوسلو تثقل كاهل السلطة أيضا وليس التاجر الفلسطيني فقط؟

حباس: لا شك، كما أن رجالات السلطة هم جزء من هذه الشبكة التي تضم سوقا فيه تجار كبار ولاعبين صغار، فعلى سبيل المثال فإن شركة “كوكا كولا” الإسرائيلية تقيم مخازنها في برطعة التي تصنف منطقة “ب” ولكنها تقع على الجانب الإسرائيلي من الجدار وبذلك هي تعفي نفسها من دفع ضريبة الأرنونا على هذه المخازن.

كما نجد شركة مثل شركة “سبيتاني” المسجلة كشركة إسرائيلية وموجودة في “عطروت” تسجل شركة فلسطينية بنفس الاسم وتتخذ من الرام المجاورة لعطروت مقرا لها، وهكذا يعمل موظفوها في الشركة الفلسطينية ولكنهم يداومون عمليا في الشركة الإسرائيلية، وبذلك تعفي نفسها من الالتزام بالحد الأدنى للأجور.

كذلك فإن هناك العديد من التجار الفلسطينيين يستأجرون مخازن في المستوطنات وبذلك يستطيع أن ينقل بضاعته إلى داخل إسرائيل وكأنها إرسالية دون المرور بإجراءات الاستيراد والتصدير وما يرافقها من جمرك ومقاصة.

“عرب 48”: التحايل والتهريب يجري على ما يبدو بتعاون بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الذي يشمل المستوطنين، كما تقول؟

حباس: الموضوع يتطلب شراكات بين فلسطينيين وإسرائيليين ومستوطنين أيضا، حيث يوجد هناك علاقات قوة ويوجد شبكات فيها موظفون وعاملون، التعاون بين الطرفين ازداد في المستوى اللامرئي والشراكات أيضا، وهناك شراكات رمزية ومرد ذلك تعزيز إجراءات الفصل من قبل اسرائيل.

سياسيا كل مفهوم الحدود الإسرائيلي هو جزء من البنية الاستعمارية والتوسع، هذا ليس عليه خلاف ولكن السؤال كيف تتعامل الناس مع الحدود وتحيدها وتستخدمها، بمعنى أنه كلما ازدادت إجراءات الفصل التي تدعي إسرائيل أنها لدواع أمنية، فأنها تسرع في بلورة واقع الدولة الواحدة وتدمج الفلسطينيين مع الإسرائيليين مع المستوطنين والفلسطينيين في الداخل من خلال شبكات تجارة وشبكات تهريب وغيرها، والأمر ذاته يحدث في موضوع العمال.

إجراءات الفصل هي من تخلق بطريقة غير مباشرة ولكنها واضحة واقع الدولة الواحدة عوضا عن أن تعزز موضوع الفصل.

“عرب 48”: لكن السياسة الإسرائيلية هدفها إلحاق الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي وليس فصله؟

حباس: هذا مفهوم لكن عندما نبحث عن اقتصاد فلسطيني لا نجد اقتصاد، نحن نتحدث عن فصل الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين تدعي إسرائيل أنهم خطرون وتحظر دخولهم إلى إسرائيل والتعامل معهم، ولكن كلما زادت من إجراءات الفصل ازدادت عمليا العلاقات بينهم وبين الإسرائيليين وليس في الاقتصاد فقط، بل كشركاء مصالح أيضا.


وليد حباس: باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *