ندوة حوارية بعنوان “الصمود والبقاء في واقع الحرب” بالناصرة
من الندوة في الناصرة، مساء أمس (عرب 48)
استضاف مقهى “ليوان” الثقافي، في البلدة القديمة بالناصرة، مساء أمس الإثنين، ندوة حوارية بعنوان “الصمود والبقاء في واقع الحرب”، وذلك على خلفية صدور كتاب “غزة حجر الزاوية” للمؤرخ د. جوني منصور.
وشارك في الحوارية مؤلف الكتاب د. جوني منصور، وحاوره الباحث والمؤرخ الإسرائيلي، د. إيلان بابيه.
واستهل د. منصور حديثه باستعراض محاور كتابه الجديد “غزة حجر الزاوية” وهو واحد من سبعة كتب صدرت في العالم العربي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية على غزة، وقد بدأ حديثه بعبارة مقتبسة من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي قال بأن هجوم السابع من أكتوبر لم يأت من فراغ، وإنما هو نتاج 75 من الحكم العسكري ببنى تنظيمية مختلفة، وسياسة قمع وتضييق وحصار، وجولات من العنف والقتل لم يسلم منها حتى الصياد الفلسطيني في غزة الذي حدّدت له مساحة للصيد قد تطلق عليه النار إذا تعداها.
وأضاف أنه لن يخوض في نقاش الفعل المقاوم أو تفاصيل ما حدث في 7 أكتوبر، كما أنه لن يتطرق إلى “نظرية المؤامرة” التي يتبناها البعض. وقال إن الحدث شكّل صدمة قوية ليس فقط لإسرائيل، وإنما للعالم بأكمله، وكشف الهجوم عن حالة تفكك وترهل في الجيش الإسرائيلي وهو ما سيتضح لدى تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وهي لا بد أن تقام مهما تم التأجيل.
وتطرق د. منصور إلى سرعة الرد الأميركي والأوروبي لإنقاذ إسرائيل، وهو ما يدل على أهمية هذا المشروع المسمى “إسرائيل” والذي أنفقت عليه أميركا والغرب مئات مليارات الدولارات منذ تأسيسه من أجل حماية مصالحها في المنطقة حين رأت بأن الجيش الإسرائيلي لم يكن قادرا على توفير الحماية لسكان “غلاف غزة”. وجاء هذا الرد السريع من أجل شيطنة حركة حماس ووصف الغزيين بـ”الحيوانات البشرية” وتشبيههم بـ “داعش”، ولفرض أجندة غربية على دول المنطقة وهو ما جعل موقف الدول العربية خاملا، ولم تعقد حتى جلسة واحدة للقمة العربية.
وأضاف د. منصور أنه منذ الثامن من أكتوبر الماضي وحتى اليوم مورست على العرب في الداخل ظاهرة “الإسكات” التي تسري على القيادات العليا والقاعدة الشعبية، على حد سواء، وكل من يرفع صوته يعتقل سواء كان متظاهرا، أو محاضرا، أو طبيبا، أو ممرضا. كذلك مورست سياسات القمع في أوروبا وأميركا وضد كل من خرج ضد الإبادة الجماعية، بالإشارة إلى أن التحرك كان من المجتمع المدني وليس الحكومات.
وأكد أن المجتمع الدولي بكل هيئاته، مجلس الأمن والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية كلها لم تستطع حتى الآن وبعد مرور 11 شهرا على حرب الإبادة الجماعية من وقف الحرب، وبذلك فقد انهارت كل هذه الهيئات ووقفت عاجزة، ولهذا السبب اختار المؤلف لكتابه عنوان “غزة حجر الزاوية”.
أما المؤرخ الإسرائيلي، د. إيلان بابيه، فقال في مداخلته بأنه منذ 25 عاما، كان مترددا في الانضمام إلى حركة أو حزب يهودي – عربي من أجل إحداث التغيير، وكان يأمل في ذلك، لكن كتاباته كانت تعكس غير ذلك كليا، وقال إنه يدرك بأن تحرير الشعوب ليست مهمة سهلة ولا يمر عبر الحوار والتفاهم وإنما بالنزاع وبالعنف، فتفكيك الكيان الاستعماري والمؤسسات الصهيونية لن يحدث بالوسائل السلمية، كما قال.
وتحدث بابيه عن تسلط دولة “يهودا” على دولة “إسرائيل” وأن المستوطنين الذين يفرضون نظام الأبرتهايد والاحتلال والقمع كانوا قبل سنوات فئة هامشية، لكنهم اليوم يتسلطون على جهاز الشرطة والجيش والحكومة، ويسعون للتسلط على جهاز القضاء وعلى جهاز المخابرات (الشاباك).
وتوقع بابيه من خلال قراءاته للواقع وتحليلاته كمؤرخ بأن تكون السنوات المقبلة أكثر شراسة وأكثر وحشية، مشيرا إلى أن دولة إسرائيل لم تصل حتى الآن إلى ذروة وحشيتها، وممارساتها لن تعرف الحدود ولا القيود ما لم يتحرك العالم والمجتمع الدولي فهي تخوض حربا على البقاء، وفقا لتقديره.
وتحدث بابيه عن سياسة انتقامية لا زالت تمارسها إسرائيل منذ 11 شهرا، دون أي أفق سياسي لليوم الذي سيلي الحرب، والإستراتيجية الوحيدة التي تمارسها إسرائيل اليوم هي القتل والتدمير، سواء في غزة أو الضفة الغربية.
وقال إن إسرائيل ستواصل الحرب وتسعى لتوسيعها لتكون حربا إقليمية، وحكومة إسرائيل تنظر للانتخابات الأميركية على أمل أن يتم انتخاب ترامب الذي ربما يكون على استعداد لمساعدة إسرائيل في خوض حرب إقليمية واسعة.
وأشاد بابيه بالحراك الذي يقوم به طلبة الجامعات في الولايات المتحدة، وقال إنه لا بد أن يتجدد في الأسابيع المقبلة بعد انتهاء العطلة ويجب أن يضاعف هذا الحراك زخمه لكي يكون أكثر تأثيرا. وتوقع بابيه انهيار الاقتصاد الإسرائيلي الذي لا يحتمل سنة من الحرب المتواصلة، وقال إنه “لا أستبعد حدوث حالة انهيار مفاجئ وتضخم مالي يشبه ما يحدث في لبنان”.
وفي الختام، أكد بابيه بأنه يرى في الأفق قيام دولة “يهودا” بابتلاع دولة إسرائيل، وسيرافق ذلك تفكك الكيان الاستعماري الصهيوني الذي لن يكون قادرا على البقاء لسنوات طويلة، وأن هذا التفكك سيترك فراغا في المنطقة، وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية أن تكون مستعدة لملء هذا الفراغ وإلا فستكون حالة من الفوضى العارمة.
وقد دار نقاش في نهاية الأمسية، وتم فسح المجال للحضور بتوجيه الأسئلة للمؤلف د. جوني منصور ومحاوره المؤرخ د. إيلان بابيه.
المصدر: عرب 48