خلط الأوراق ودقّ الأسافين…
يحتاج الاحتلال إلى إعلام متواطئ يتجاهل جرائم الحرب، وأن يضعها في موقع حادث صدفة مؤسفة، أو أن يحمّل المسؤولية إلى الضحيّة، واتهام المقاومين بأنهم السّبب، لأنهم يختبئون بين المدنيين، فيضطر جيش الاحتلال إلى مهاجمتهم، وقتل من حولهم.
تابعوا تطبيق “عرب ٤٨”… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
هناك من يتبنى الرواية الرّسمية التي يبثها جيش الاحتلال، أو أن يتبنى رواية تدين الاحتلال ولكنها مخفّفة جدا بحيث تحمل الطرفين المسؤولية. وهنالك من يظهر إنسانية الاحتلال، الذي يقدّم المياه للنازحين.
فجأة تظهر حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، كلمات جميلة، أنيقة منمّقة، وصور فيها شيء من جمال، ومواقف اجتماعية داعمة لحقوق المرأة، وللحرّية والجمال، وموسيقى عذبة، وتتضامن مع الأطفال في قطاع غزة، وكل هذا جميل، وفجأة تبث منشورًا عن زواج المتعة لدى الشيعة، وسلسلة من التعقيبات المُفبركة من حسابات أكثرها مجهول، تهاجم الشّيعة، وهجمات مضادة تشتم السّنة، وهذه الحسابات التي تبدو عادية، تكشف عن مضمونها، بعد أن تكتسب ثقة من الجمهور، وصارت تبدو وكأنها حسابات جديّة تعشق الحياة، فجأة تتحوّل إلى التحريض المذهبي، بهدف إبراز خلافات بين المذاهب وكأنها الأمر الأساسي الذي يجب معالجته وبسرعة الآن، حتى وإن كانت هناك مجازر إبادة تمارس في كل ساعة.
طبعا التحريض المذهبي، لا بد أن يشمل مهاجمة حزب الله، الذي أعلن مساندته الصريحة للمقاومة من خلال الاشتباك، وقد دفع ثمنًا باهظا لهذا الموقف، وهو بلا شك ضاغط جدا على حكومة الاحتلال.
يفطن هؤلاء للخلافات بين الشيعة والسّنة، وينشرون مقاطع فيديو بعضها ملفّق، لا هدف له إلا ضرب الأسافين ومن ثم خدمة الاحتلال، غير المباشرة.
الخلافات بين المذاهب موجودة في التفاصيل، ولكن شتّان بين من يتخذ من هذه الخلافات موضوع اجتهاد دون إساءة للعلاقة بين أبناء الأمّة الواحدة، وبين من يمتشق هذه الخلافات من جحورها التاريخية لتحويلها إلى أمور مركزيّة، ومادة للتحريض.
البعض يُظهر تضامنًا وتعاطفًا مع قطاع غزة، ويتألم لحالهم، ولكنه يوجّه أصبع الاتهام ومسؤولية هذا إلى المقاومة، لا يقول مثلا إنّها أخطأت مثلا في هجومها في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهذه وجهة نظر مشروعة، ولكنه يحمّل المقاومة وزر جرائم الحرب التي يمارسها الاحتلال، وكأنّ ما حدث في السّابع من أكتوبر يمنح غطاء شرعيًا وحقًا للاحتلال بما قام ويقوم به من مذابح، معظم ضحاياها من المدنيين والأطفال، احترام وجهات النظر واجب، وتحليل كل موقف وتقييم نتائجه مهم جدًا، ولكن الفرق كبير بين من يبحث عن الحقيقة والأسباب وتقييم النتائج، وبين من يتّخذها غطاء لتبرير جرائم الاحتلال.
البعض ينشر صورة لنتنياهو في خيمة بدوية في النقب ويتناول القهوة المرّة وحوله عربٌ يرحّبون به، وهذه صورة فردية لا تمثّل عربًا ولا بدوًا، تستغلّها عدة أطراف، يستغلها حساب “كوردي” ليهاجم العرب ويصفهم بالخونة وخدم الاستعمار، وآخر يصفهم الصورة بأنهم عرب الـ48 الخونة بتعميم مقرف.
البعض يذهب إلى الدّس بخبث، فيعلن دعمه للمقاومة في قطاع غزة، إلا أنه يتّهم حزب الله بعمل مسرحية متفق عليه، بين إيران وأميركا، وأن الهدف هو القضاء على المقاومة وترحيل أهل القطاع.
البعض يوجّه سهامه على المقاومة بادعاء أنّهم يسرقون المعونات، وهذه كانت حجّة نتنياهو لعرقلة حكومة وجيش الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية بهدف التجويع وزيادة الضغط على المقاومة.
صحيح أن هنالك تجّارًا وأغنياء حروب، ولكن الزّعم بأنّ هذا ما يقوم به أولئك الذين يرمون أرواحهم في مهاوي الرّدى، وتحويلهم إلى سارقي علب شامبو وإندومي وعلب خيار! الهدف واضح وهو تشويه المقاومين.
هنالك من وصل به الشّطط إلى تحميل محللين سياسيين مثل فايز الدويري، وفضائيات مثل الجزيرة والتلفزيون العربي، مسؤولية، لأنّها تبث ما يصلها من أشرطة للمقاومة، وبرأيهم أن هذا مُضلّل، ولأنها تبث كلمات وبيانات القسّام وغيرها من فصائل مقاومة! بل وذهب البعض إلى أن الجزيرة تمارس المؤامرة لتوريط المقاومة بالحرب ومن ثم حل القضية الفلسطينية بطرد ملايين الفلسطينيين.
فما الذي يريده هؤلاء من الإعلام، تجاهل جرائم الاحتلال، أم تجاهل ما تقوم به المقاومة، وترك الساحة لـ”العربية و”الحَدث” ولـ”الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال”؟
الاحتلال الآن في فلسطين، وفي السّابق في العراق وغيره، هو نفسه الذي يغتال الصحافيين، أو يعتقلهم، وهو الذي يمزّق صور الشُّهداء الصحافيين، بل ويعتدي على جثامينهم وعلى جنازاتهم، هو الذي لا يريد للحقيقة أن تظهر، يريد أن يقتل وأن يلقي بجثث الشّهداء عن سطوح العمارات، ويريد إطلاق الكلاب المتوحشة على المقاومين وعلى المدنيين وحتى العُجّز في أسرّتهم، هو نفسه الاحتلال الذي يريد أن يمارس كل الرّذالات والانحطاط من بعيداً عن أعين وسائل الإعلام، ويسعى لإسكاتها.
اقرأ/ي أيضًا | “على سكّان شماليّ تلّ أبيب الإخلاء فورًا”
المصدر: عرب 48