أحلام على قارعة الطريق!
وبحسب ما قاله أستاذ العلاج والإرشاد النفسي الدكتور عبدالعزيز المطوع لـ«»: «لا يوجد دور للأحلام في العلاج النفسي، وكل ما يذاع في القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي لا ينطبق ولا يخضع لمبادئ المنظور العلمي».
وأضاف بالنسبة لهرولة البعض لتفسير الأحلام، فهذه نتيجة ضغوط اجتماعية ونفسية، وهروب من واقع لا يريد تحمله، وانتظار لمعجزة تغير مجرى حياته وفق خيالاته وأحلامه. وأشار المطوع إلى أن الحلم ظاهرة تسمى في الميادين العلمية بالظاهرة الميتافيزيقية أو ما وراء الطبيعة، التي لا يستطيع العلم الحاضر اليوم بأدواته العلمية أن يعالجها أو يحاول أن يحللها. ولفت إلى أن الكوابيس المتكررة قد تكون نتيجة اضطرابات القولون، أو نتيجة للارتجاع المريئي بسبب الأكلات الدسمة؛ لأن الإنسان خُلِق من أمشاج يتداعى بعضها لبعض.
مفسرون بلا مرجعية
أستاذ الطب النفسي الإكلينيكي الدكتور جمال الطويرقي يقول لـ«»: إنه على مدى الأعوام الـ20 الماضية، هناك الكثيرون ممن يمتهنون تفسير الأحلام دون معرفة علمية أو مرجعية واضحة؛ ما يساهم في تقديم تفسيرات قد تكون لها تداعيات كارثية اجتماعياً ومادياً وأسرياً.
«لقد شاهدنا العديد من المشكلات التي نشأت نتيجة هذه التفسيرات، مثل الانفصالات والطلاق والمشكلات الأسرية والاجتماعية». وأشار إلى أن تفسير الأحلام في الأصل هو علم، كما يتضح من قصة سيدنا يوسف عليه السلام، الذي كان متمتعاً بعلم وتفسير الأحلام، وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده وُضعت قواعد لتفسير الأحلام، والمسلمون آمنوا بأن الغيب بيد المولى عز وجل، ولم ينشغلوا بهذا العلم. ومع ذلك، فإن الإنسان لا يزال يسعى لمعرفة الغيب، وهذا يتعارض مع فكرة التسليم لقضاء الله وقدره، والطب النفسي الحديث أجرى دراسات على الأحلام وارتباطها ببعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب الثنائي القطب، ولكن لم يتمكن بعد من تفسير الأحلام بشكل واضح».
أين رخصكم ؟
الطويرقي يؤكد، أن الاهتمام بتفسير الأحلام للأشخاص المصابين بالوسواس القهري، واضطراب الشخصية الحدية، واضطراب الاكتئاب ثنائي القطب دون مراعاة حالتهم النفسية، خصوصاً من قبل الأشخاص الذين يقومون بتفسير الأحلام بطرق غير مباشرة، قد يؤثر سلباً ويفاقم حالتهم النفسية؛ ما يؤدي إلى زيادة أعراض الوسواس القهري، أو تعزيز محاولات الانتحار لدى المصابين باضطراب الشخصية الحدية، أو زيادة التوتر والهوس لدى المصابين بالاكتئاب ثنائي القطب، لذلك، يجب الطلب من هؤلاء الذين يدعون القدرة على تفسير الأحلام أن يمتلكوا خبرة علمية ومرجعية موثوقة.
ولفت إلى أنه من المهم وجود تنظيم ورخصة لمزاولة هذا النشاط، كما هو الحال مع المهن الأخرى، مثل الطب والهندسة والصحافة، لا أن تترك الأمور دون تنظيم قد يؤدي إلى تجاوزات تؤثر على الأفراد والمجتمع، وتحدث تأثيرات سلبية كبيرة.
ثقافة شعبية متجذرة
المختص في الاتصال الاستراتيجي محمد مانع آل محيا، أكّد أن ظاهرة تفسير الأحلام في الوطن العربي، تُعد جزءاً من الثقافة الشعبية المتجذرة، إذ يتغلغل مفهوم تفسير الأحلام في الحياة اليومية لكثير من الأفراد، ومع تطور هذه الظاهرة، برزت حالات مفسري الأحلام السلبية التي تحمل أبعاداً نفسية واجتماعية مثيرة للجدل. وأفاد أن مفسري الأحلام السلبية يظهرون بشكل متزايد على منصات التواصل الاجتماعي والمنصات الإعلامية، إذ يميل بعض الأشخاص إلى عرض أحلامهم المزعجة على المفسرين الذين يقدمون تفسيرات قد تحمل تحذيرات من أحداث سلبية محتملة. وأوضح أن الأمور السلبية في الأحلام ترتبط غالباً بالخوف، القلق، أو الهموم، مما قد يؤثر سلباً على الصحة النفسية للأفراد، وتفسير الأحلام السلبية قد يؤدي إلى تأثيرات عميقة على الأفراد. مشيراً إلى أن الشخص قد يشعر بالقلق المستمر حول ما قد يحدث، مما يؤثر على جودة حياته. وأكد أن هذا قد يقود البعض إلى تبني سلوكيات سلبية، مثل تغيير سلوكهم أو اتخاذ احتياطات غير ضرورية، مما قد يتسبب في العزلة الاجتماعية أو الانسحاب من المجتمع.
ونوّه بأن هذه الظاهرة قد تؤثر أيضاً على العلاقات الاجتماعية والعائلية للأفراد، إذ يمكن أن يتسبب انشغالهم بالأحلام السلبية في توتر علاقاتهم.
وأشار آل محيا إلى أن الممارسات تتخذ طابعاً تجاريّاً يستغل قلق الأفراد لتحقيق أرباح وشدّد على ضرورة تعزيز الوعي والتثقيف الصحي حول الأحلام، داعياً الأفراد إلى التوجه إلى مختصين نفسيين بدلاً من الاعتماد على تفسيرات مفسري الأحلام السلبية. وختاماً، أكّد أن هذه الظاهرة تتطلب مزيداً من التفكير النقدي والوعي؛ لضمان عدم استغلال ضعف الناس أو تعميق مخاوفهم دون أساس علمي.
قلق وعدم يقين
الأخصائية الاجتماعية والكاتبة سوزان المشهدي، ترى أن الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع الأفراد للجوء إلى مفسري الأحلام ترتبط بالقلق وعدم اليقين بالله، إذ ينخرط البعض في التنقل بين مفسري ومفسرات الأحلام سعياً لمعرفة الغيبيات، التي هي بيد الله وحده. المدهش في الأمر، هو أن هذه الظاهرة لا تقتصر على غير المتعلمين، بل تنتشر أيضاً بين المتعلمين. وأشارت المشهدي، إلى أن التعليم العالي لا يعني بالضرورة أن الشخص مثقف، فالمثقف الحقيقي لا ينخدع بمفسري الأحلام أو السحرة أو غيرهم.
وفي ردها على سؤال حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار مفسري الأحلام، أكدت المشهدي أن انتشار التطبيقات وسهولة التواصل مع مفسري ومفسرات الأحلام قد ساهم في زيادة انتشار هذه الظاهرة، إذ يدفع الكثيرون مقابل تفسير أحلامهم، ما جعلها وسيلة للتربح والشهرة. وأضافت أن البعض يلجأ إلى ربط التفسيرات بالسحر أو الحسد؛ بهدف التحايل ودفع المزيد من المال لتحقيق أغراض شخصية، مثل الزواج أو إلحاق الأذى بالآخرين.