في غزّة اعتقدوا أيضًا أنّ الحرب ستنتهي ببضعة أسابيع!
استعجال الجيش الإسرائيليّ وقيادته السياسيّة الاحتفال بما أسموه “انهيار” حزب اللّه بعد سلسلة الاغتيالات الّتي أصابت هرمه القياديّ، مردّه الفشل والعار الّذي لحق بهذا الجيش، وتلك القيادة في السابع من أكتوبر وهي الّتي بنت “مجدها” على العظمة وتقديس القوّة، ولم تنجح خلال سنة كاملة من حرب الإبادة على غزّة من مسح آثارهما.
الاحتفال المبكّر بالقضاء على حزب اللّه والشروع برسم خرائط سياسيّة جديدة للبنان والشرق الأوسط مبكّرة جدًّا، وهي ليس أنّها تذكّرنا بالفرحة الإسرائيليّة الّتي لم تكتمل بتنصيب بشير جميل وتوقيع اتّفاقيّة 17 أيّار إبّان حرب لبنان الأولى واحتلال بيروت عام 1982، والّتي كان مصيرها مزبلة التاريخ، بل تذكّرنا أيضًا بعديد سيناريوهات اليوم التالي الّتي رسمت لغزّة ما بعد حماس وأسقطتها المقاومة.
د. ميخائيل ميلشطاين رئيس قسم الدراسات الفلسطينيّة في معهد ديان، قال في هذا السياق أنّ حزب اللّه تلقّى ضربة صعبة جدًّا، لكنّها ليست قاضية، وهو ليس من ورائنا؛ لأنّه حزب هرميّ، ويحظى بدعم إيران، ومن المرجّح أنّ رجال الحرس الثوريّ ملأوا جميع المواقع الشاغرة، على حدّ قوله.
ميلشطاين حذّر من أجواء “الأوفوريا”، قائلًا، أنا أتفهّم أنّه في السابع من أكتوبر كانت صدمة قويّة، وأنّ الجميع بحاجة إلى انتصارات وهناك إنجازات كبيرة، لكن يجب التفكير جيّدًا في التعامل مع الموضوع الإيرانيّ، داعيًا إسرائيل قبل التوجّه نحو إيران، التوصّل إلى تسوية في الجبهة الجنوبيّة، وفي الجبهة الشماليّة، وربطهما معًا وتحرير الأسرى؛ لأنّ الاستمرار في الوضع الحاليّ يعني استمرار حرب الاستنزاف على الجبهتين.
لكن يبدو أنّ أكثر ما يغيظ نتنياهو، ويدفعه إلى مزيد من الهروب إلى الأمام هو سقوط الفرضيّة القائمة على أيديولوجيّة القوّة والحزم الّتي أرساها هو واليمين الإسرائيليّ عمومًا، كما يقول بروفيسور إيال حوبروس في مقال نشرته “هآرتس” وهو ما خلق حالة من الزعزعة وعدم الاستقرار في المجالات الأمنيّة، الاقتصاديّة، الدبلوماسيّة، العلميّة، الثقافيّة، النفسيّة والاجتماعيّة وغيرها، حتّى بعد الإنجازات الّتي تحقّقت أمام حزب اللّه.
المفارقة هي أنّ الشخص الّذي رفع راية العظمة، وأقنع مؤيّديه بأنّنا قوّة إقليميّة، بل دوليّة عظمى، وأنّ قيادته هي مفتاح العظمة، وأنّ الحزم هو موديل الحكم المطلوب، أنّه هو بالذات من كشف الضعف الإسرائيليّ أمامنا وأمام العالم بشكل لم يفعله أيّ زعيم إسرائيليّ سابق.
لهذا السبب كان للحرب على غزّة هدف ثالث قابل للتحقيق الفوريّ والمثبت، هو الّذي طبع هذه الحرب بطابعه، على حدّ تعبير حوبروس، ألا وهو كي الوعي، وزرع الخراب كهدف قائم بحدّ ذاته في البيوت والساحات، المباني العامّة، المساجد، الجامعات، المستشفيات، المدارس، الحقول الزراعيّة والدفيئات، الشوارع، خزّانات المياه وشبكات الصرف الصحّيّ والبنى التحتيّة وغيرها.
ويضاف إلى محو الحيّز ذاك سياسة تهجير السكّان من مكان لآخر الّتي تسبّبت بنزوح 80% من سكّان غزّة عن بيوتهم مرّة واحدة على الأقلّ، وعدم الاستعداد لعرض أمان مستقبليّ للسكّان عوضًا عن تقديم بديل سلطويّ تقدّم الفوضى والجريمة والإرهاب الداخليّ، هذا ناهيك عن تقنين المياه والغذاء والرعاية الطبّيّة، كما أنّه من غير المفهوم بتعبير الكاتب، فيما إذا كان قتل 40 ألف إنسان في غزّة هو نتيجة حتميّة لمحاولة شرعيّة تهدف إلى تقليص الخسائر بين جنود الجيش والمسّ باهداف مستحقّة، أم أنّ التدمير والقتل هما نتيجة استراتيجيّة إسرائيليّة شاملة تهدف إلى إثبات قوّة عسكريّة وعنف مادّيّ. ويسود الاعتقاد بأنّ الحكومة وضعت القوّة والحزم في جوهر سياستها، واكتشفت أنّهم حوّلوها إلى أضحوكة تشعر أنّ هناك حاجة لمحو صور الإهانة تلك بخلق صور أكثر للطرف الآخر.
في الختام من المفيد التذكير أنّ القصف الجوّيّ في حرب لبنان 2006 حقّق نجاحات كبيرة، وعندما نزل قائد سلاح الجوّ السابق ورئيس الأركان في حينه دان حالوتس إلى الأرض حسمت المعركة في غير صالحه، وترك منصبه مضطرًّا بفعل نتائج تقرير لجنة فينوغراد. كذلك القصف الجوّيّ الّذي سبق ومهّد للحرب البرّيّة في قطاع غزّة، والقصف الجوّيّ الّذي أتى على 80% من مبانيها، لكنّه فشل في تحقيق أهداف الحرب، رغم مرور سنة على نشوبها.
وفي غزّة اعتقدوا أيضًا أنّ الحرب لن تطول أكثر من بضعة أسابيع. مثلما يظنّون اليوم بالنسبة للبنان.
المصدر: عرب 48