Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

عام من الهمجية… هل من أمل؟

على مدار عام كامل، وعلى مدار اللحظة، واصلت وتواصل إسرائيل إفراغ فائض قوتها وآلة القتل التي بحوزتها وبحوزة حلفائها الغربيين في الجسد الفلسطيني وفي اللبناني، والجسد العربي عموما، بصورة لم يكن تخيلها أو توقعها. وتأتي الآن “خطة الجنرالات” الشيطانية بتهجير سكان شمالي غزة، لتدلل على مدى الشر الذي تجذّر في النظام الصهيوني.

ليس عنفها الهمجي مفاجئا، فالعنف متأصل في مشروعها ذي الطبيعة الاستعمارية الإحلالية، وهي الآن تجرّدت من كل قيد، وتعرّت تماما وظهرت على حقيقتها؛ دولة متوحشة دون أن تكترث لسمعتها أو مكانتها أو لصورتها التي تغلّفت لعقودٍ بالزيف والكذب، وجنت منها ثمارا كثيرة؛ إنما الأمر الأكثر إيلاما هو كل هذا الدعم الغربي، وكل هذا التواطؤ الدولي، وكل هذا السقوط الأخلاقي والقومي من أنظمة عربية وصمت من أنظمة أخرى إزاء مخطط إبادي يُنفّذ عن سبق إصرار، وبالبث المباشر؛ مخطط ينفذ ليس ضد عصابة مارقة أو نظام إبادي فاشي، بل ضد شعب أصلاني هو أصلا ضحية كل الذين يساندون نظام الإبادة الصهيوني. ولهذا يُصبح التمسّك بالأمل، أمل استعادة الإنسانية جهادا حقيقيا. ولهذا أيضا، انتفضت شعوب العالم التي رأت في قضية فلسطين قضية عدالة إنسانية، ورمزا للظلم الذي يُجسّده نظام الاستعمار الغربي.

وسط هذا المشهد، لا يمكن التوقع من عموم الناس، الناجين جسديا حتى الآن من جحيم الإبادة، الاحتفاظ بالتوازن النفسي. فالإبادة ليست فقط جسدية أو مادية، بل هي أيضا نفسية، ولا يستطيع من هو غير متواجد في ذلك الجحيم، أن يتخيّل ما يختلج داخل كل فرد هناك، مهما أبدينا من تعاطف وتواصل من بعيد.

وينقسم الناس هناك من حيث استجابتهم مع المحنة وفقا لتكوينهم، ووفقا لنوعية الظروف. فهناك من تجعله المحنة هشا ضعيفا وناقما، وهذا شعور إنساني شرعي، خصوصا وأن الإبادة مستمرة وتتمدد. وهناك أصناف أخرى من الناس، قادرون على تطوير مستويات متفاوتة من التماسك والصلابة والتوازن، وهذا ليس مشروطا بالخلفيات الثقافية أو الاجتماعية أو العمرية. وتظل هناك نواة صلبة من الشعب، تحمل العبء، وتجاهد لتأدية واجبها، لأن لا خيارَ غيره. هو خيار تأدية الخدمات وتوفير الحد الأدنى من التضامن الداخلي، وتعزيز الصمود في وجه البربرية.

إلى متى العيش على حدّ السيف!

تتجمع كل الدلائل أن لا أفق قريب لنهاية هذه الحرب الصهيونية الغربية على فلسطين ولبنان والعرب. لقد تبلورت هوية الكيان في إطار قناعاته بأنه لا يستطيع العيش إلا على حدّ السيف. فالسلام والمساواة والعدالة عدوه. ليس هذا جديدا، بل الجديد هو الإعلان عن ذلك صراحة.

ليست هذه الهمجية مدفوعةً بالدفاع عن الوجود بقدر ماهي حرب هدفها كي الوعي الفلسطيني والعربي، وإعادة ترميم عقيدة الجدار الحديدي. هدفها دفن القضية الفلسطينية إلى الابد، واستئصال الأمل من نفوس الناس، استئصال الأمل بتحقيق العدالة والحرية والتعايش المتساوي في فلسطين. لقد كان مخطط حسم الصراع قائما لدى نظام الأبرتهايد قبل 7 أكتوبر، والذي كان يُنفّذ بخطوات متدرجة مستفيدا من الحماية الأميركية والغربية ومن تهتك النظام العربي الرسمي. وظن رأس هذا النظام، بنيامين نتنياهو، أنه اقترب من إنجاز مخططه اللئيم، ليتباهى به من على منصة الأمم المتحدة. فجاء هجوم حركة حماس ليخلط الأوراق ويتحطم الوهم، ويفتح الباب لحرب إبادية طويلة غير متوقعة…

وبعد عام من الإبادة، عاد ليتحدث بأنه سيُغير الشرق الاوسط، منتشيا بما حققته ضربات “الصدمة والترويع” التي وجهها لحزب الله في الشهرين الماضيين، وبضمنها عمليات الاغتيال لكبار قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية. وسادت حالة نشوة في صفوف نظام الأبرتهايد، حذر منها بعض المحللين الإسرائيليين، وانتقدوا ما اسموه بخطورة جنون العظمة التي استحوذت على نتنياهو ونظامه الفاشي.

ولم تمر أيام قليلة، حتى جاء الردّ الايراني في الأول من هذا الشهر، وتعافي حزب الله من الضربات الموجعة، واستئناف فاعليته الميدانية، ليبدد هذه النشوة، ويضع قادة إسرائيل أمام الواقع. هذا مضافا إلى الفشل في استعادة المحتجزين الإسرائيليين، الذين لم تعد تثير محنتهم أي حساسية لديه.

ليست هذه الحرب إسرائيلية، بل هي حرب إمبريالية غربية توسعية التي تتم بوحشية بالغة، ودون اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني، ودون اكتراث لعذاباته، ودون اكتراث بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان.

سيأتي الوقت الذي ستتبدد أوهام كل هذا الحلف المعادي للإنسانية، عندما سيضطر إلى الوقوف في مرحلة ما أمام الحقيقة، حقيقة الحق، وتمسك الشعب فلسطين بهذا الحق مهما كان الثمن، وعندما ستضطر الدكتاتوريات العربية الفاسدة والخانعة إلى الخضوع لصوت شعوبها.

في مقال لديفيد هيرست، محرر موقع “ميديل إيست آي”، البريطاني، يورد ما جاء على لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في لقائه مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن: “إن 70%؜ من السعوديين أصغر مني سنا. هم لم يعرفوا شيئا عن القضية الفلسطينية، والآن ينكشفون عليها من خلال هذا الصراع الجاري لأول مرة. إنها مشكلة كبيرة. هل تهمني القضية الفلسطينية؟ لا، لا تهمني. ولكن شعبي مهتمّ بها. ولهذا أريد أن أضمن أن يكون لذلك معنى”.

حتى ذلك الحين ستنزف دماء كثيرة، وتتراكم عذابات مهولة، ولكن هذا بالضبط ما سيجعل مشروعا عدوانيا دمويا عديم المستقبل.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *