Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

من سيمنع “النكبة الثانية”؟

واضح أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة ولبنان منذ سنة أدت إلى إضعاف قوة حماس والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وكذلك حزب الله، بعد سنة من القصف الجوي والاجتياح البري، لكن في المقابل تدفع إسرائيل أيضا أثمان حربها، وخاصة في الاقتصاد والمكانة الدولية لدرجة أن الإسرائيليين يصفون دولتهم بأنها “منبوذة” في العالم.

تتعرض إسرائيل حاليا لما يشبه مقاطعة دولية، فشركات الطيران لا تسافر إليها، وتفرض دول غربية حظرا على بيعها أسلحة، وإن يكن ليس حظرا كاملا، والحركة السياحية فيها مجمدة بالكامل تقريبا. إلى جانب ذلك، لا توجد حياة في جزء من إسرائيل، خاصة في المنطقة الشمالية، التي تتعرض لإطلاق صواريخ من لبنان على مدار الساعة تقريبا وبشكل يومي.

ورغم قوة إسرائيل العسكرية الهائلة، بمقاييس الشرق الأوسط، من جيش كبير وسلاح جو يملك أحدث الطائرات الحربية، وترسانة أسلحة من الأكثر تطورا وفتكا في العالم، التي استخدمها ضد غزة ولبنان، إلا أن إسرائيل لم تحقق حتى الآن أي من أهدافها المعلنة للحرب. فلم تتمكن حتى الآن من القضاء على حماس، ولم تستعد أسراها في غزة، ولم تُعد سكان بلداتها الشمالية إلى بيوتهم.

وفي نهاية السنة الأولى للحرب، يتحدث السياسيون والعسكريون والصحافيون الإسرائيليون عن أن حماس تعيد بناء جزء من قدراتها، وأنه لهذا السبب عاد الجيش الإسرائيلي إلى شمال قطاع غزة وجباليا، ووضعت مجموعة من العسكريين المتقاعدين مؤخرا خطة، تعرف باسم “خطة الجنرالات”، لاحتلال مدينة غزة وشمالها وإخلاء هذه المنطقة من السكان الذين بقوا فيها، بهدف “تطهيرها” من فلول قوات حماس فيها.

ويشكك ضباط إسرائيليون كبار حاليون وسابقون في قدرة إسرائيل على دفع قوات حزب الله بعيدا عن الحدود وجنوب لبنان إلى ما وراء نهر الليطاني، ويحذرون من تكرار تجربة حرب تموز/يوليو العام 2006، عندما فشل اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان وسقطت قواتها في كمائن حزب الله، ما اضطرها إلى وقف الحرب بموجب تفاهمات، تمثلت بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، بأن لا يكون لحزب الله حضور مسلح في الجنوب، والذي لم يطبقه حزب الله طوال الـ18 عاما الماضية.

شهداء في دير البلح، الأربعاء الماضي (Getty Images)

ربما لا عزاء في ما تقدم مقارنة بنتائج الحرب حتى الآن وفي غزة خصوصا. ويشير قسم من الإسرائيليين إلى أنه لا عزاء لهم في الوضع الحاصل في هذه الحرب، التي لا أحد يعلم أين ستنتهي، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية نفسها تطلب إنهاء الحرب على لبنان بالتوصل إلى “تسوية” مع الحكومة اللبنانية، أي مع حزب الله لكن بشكل غير مباشر، يلتزم فيها الحزب بتراجع قواته إلى ما وراء الليطاني. لكن موضوع هذه “التسوية” مجرد خدعة من جانب إسرائيل، التي تصرّح بأنها ستسعى إلى “القضاء” على حزب الله لاحقا، بعد ترميم جيشها المنهك من الحرب على غزة وإعادة تعبئة مخازن الأسلحة وتحسين وضعها الاقتصادي.

حقائق كارثية

ثبت في الحروب السابقة على غزة، خاصة تلك التي شنتها في نهاية العام 2008 وفي العام 2014، وكذلك في حرب العام 2006 على لبنان، أن إسرائيل لم تنتصر في أي منها، وإنما ألحقت قتلا ودمار ضد المدنيين بالأساس. لكن في حربها الحالية تجاوزت كافة الحدود، وفق ما تؤكد الحقائق.

لقد كان عدد سكان قطاع غزة قبل الحرب الحالي 2.3 مليون نسمة. وتشير المعطيات والمعلومات المتوفرة، مع مرور عام على الحرب، إلى أن عدد الشهداء ارتفع إلى أكثر من 42 ألفا، إضافة إلى 25 ألف شهيد على الأقل غير مسجلين في بيان وزارة الصحة في غزة وفقا لتقديرات منظمات دولية جمعت معلومات عنهم، وأن حوالي 150 ألفا هاجروا من القطاع إلى مصر وحدها (وفق تقرير نشرته مجلة “نيوستيتسمان” البريطانية)، ويعني ذلك أن ما مجموعه 217 ألفا، ويشكلون 10% من السكان، لم يعودوا موجودين في القطاع.

وأرغمت العمليات العسكرية الإسرائيلية معظم سكان القطاع على النزوح إلى جنوبه وتجميعهم في منطقة ضيقة للغاية. ودمرت 384 ألف وحدة سكنية، بينها 297 ألفا تضررت جزئيا و87 ألفا تضررت بالكامل، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. وأشارت بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية إلى أن عدد المباني المتضررة بلغت نحو 156,423 مبنى.

ودمرت إسرائيل منذ بداية الحرب 67% من منظومتي المياه والصرف الصحي، و65% من إجمالي شبكات الطرق. ويواجه 96% من السكان مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم 22% يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقا لتقرير جهاز الإحصاء، الذي صد في 6 تشرين الأول/أكتوبر الحالي.

( Getty Images)

ومنذ بداية الحرب لم تكن الدراسة متاحة لأي طالب من كافة الفئات العمرية، من طلاب الحضانات وحتى الجامعات. فقد دمرت إسرائيل 122 مدرسة وجامعة كليا، و334 مدرسة وجامعة بشكل جزئي. وأفاد تقرير للبنك الدولي بأن نسبة الفقر في قطاع غزة 100% ونسبة البطالة 80%.

ماذا بعد؟

تطالب حماس بوقف الحرب واتفاق تبادل أسرى وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع كله. ويطالب حزب الله بوقف الحرب، التي دخلها “كجبهة إسناد” لغزة. وتطالب إسرائيل حماس بأن تلقي سلاحها واستسلام مقاتليها.

ويرجح حاليا أن أيا من مطالب أطراف الحرب ستتحقق، بسبب تشكيلة حكومة بنيامين نتنياهو. كما أن الإبادة الجماعية والدمار الرهيب في غزة يقود حماس إلى الاعتقاد أن ليس هناك ما ستخسره من استمرار الحرب، ولا يتوقع أن يوافق حزب الله على وقف القصف على إسرائيل طالما لا توقف الأخيرة الحرب على غزة.

وتسود في إسرائيل أزمة سياسية شديدة، والمجتمع الإسرائيلي منقسم حول وقف الحرب أو استمرارها ولكن من أجل تنفيذ اتفاق تبادل أسرى فقط، بحسب الاستطلاعات. إلا أن نتنياهو يواصل الحديث عن “الانتصار المطلق”، وهي عبار غير واضحة في ظل عدم تحقيق أهداف الحرب في المستقبل المنظور.

ويدعي محللون أن نتنياهو أسير بأيدي شركائه في الحكومة، وخاصة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذان يرفضان وقف الحرب، ولا يخفيان سعيهما، بخطوات فعلية مثل عقد مؤتمرات خاصة وحشد أنصار لهما، من أجل الاستيطان في شمال القطاع على الأقل. كما أن خصوم نتنياهو في الأحزاب الصهيونية في المعارضة يرفضون حاليا أي إمكانية للانضمام إلى الحكومة، خاصة بوجود سموتريتش وبن غفير، اللذين يرفض نتنياهو التخلي عنهما بسبب تلاقي مصالحه معهما، وعدم إسقاط الحكومة.

المدنيون يدفعون ثمن الحرب. المدنيون في كل مكان، لكن في غزة يدفعون ثمنا أكبر وبما لا يقارن مع أي مكان آخر. وإسرائيل تشن الحرب بدعم، والأخطر من ذلك بـ”تفهم”، دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة، ودول عربية أيضا لا تتأثر بعشرات آلاف الشهداء والجرحى العرب. وربما أن دولا عربية تنظر إلى الحرب أنها فرصة للقضاء على النظام “الراديكالي” الصغير و”المتمرد” في غزة، المدعوم حاليا من “المحور الشيعي”، مثلما طالبت إسرائيل في العام 2006 بعدم التوقف عن ضرب حزب الله، وفق ما ذكرت وزيرة الخارجية الأميركية حينها، كوندوليزا رايس، في كتابها.

في ظل هذا الوضع المعقد، الذي انقلبت فيه أمور عديدة رأسا على عقب، في 7 أكتوبر، يبدو أن نهاية الحرب ليست قريبة. والصراع انفجر من أوسع أبوابه بين أطراف غير متساوية بأي شيء تقريبا. من سيمنع تهجير سكان غزة؟ هل بمقدور حزب الله أن يحارب إسرائيل إلى الأبد؟ هل الحلف الروسي – الصيني المزعوم قادر على منع “نكبة ثانية”؟ لا إجابات حاليا..


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *