Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

صراع الاشتراكيّة والرأسماليّة في القرن الواحد والعشرين

ومع محدوديّة أيّ تقدّم ملموس نحو الحلول الدبلوماسيّة، تبقى الأسئلة قائمة حول مستقبل العلاقات بين الكوريّتين. هل يمكن أن يؤدّي التصعيد الحاليّ إلى نزاع مسلّح آخر…

الكوريّتان: صراع الاشتراكيّة والرأسماليّة في القرن الواحد والعشرين

نازحون جراء الحرب في كوريا الشماليّة مع توقيع الهدنة عام 1953 (Getty)

وسط التوتّرات القائمة بين الكوريّتين، أظهرت لقطات نشرتها وزارة الدفاع الوطنيّ في كوريا الجنوبيّة لحظة تفجير كوريا الشماليّة للطرق الّتي تربطها بكوريا الجنوبيّة، ويأتي ذلك بعد أن تعهّدت بيونغ يانغ الأسبوع الماضي بقطع الطرق والسكك الحديديّة الّتي كانت تعتبر ذات يوم رمزًا للتعاون بين الكوريّتين، في محاولة “لفصل البلدين تمامًا”. ووصف جيش الشعب الكوريّ هذه الخطوة بأنّها “إجراء دفاعيّ عن النفس لمنع الحرب”، مدّعيًا أنّها كانت ردًّا على التدريبات الحربيّة في كوريا الجنوبيّة والوجود المتكرّر للأصول النوويّة الأميركيّة في المنطقة.

يمثّل هذا الحدث تصعيدًا كبيرًا في وقت وصلت فيه التوتّرات بين الكوريّتين إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات. في أعقاب الانفجارات، قال الجيش الكوريّ الجنوبيّ إنّه أطلق النار على جانبه من الحدود في إظهار للقوّة، وشدّد المراقبة على الشمال.

وفي خطاب متصاعد، تلقي بيونج يانج باللوم على سيول في اقتحام طائرة بدون طيّار أدّى إلى “وضع متوتّر على شفا الحرب”. وقالت كوريا الشماليّة أنّ أكثر من مليون شابّ قد تقدّموا للانضمام إلى الجيش أو العودة إليه هذا الأسبوع، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسميّة، بعد اتّهام كوريا الجنوبيّة بإرسال طائرات بدون طيّار للدعاية إلى بيونغ يانغ وتفجير طرق حدوديّة. وأفادت وكالة الأنباء المركزيّة الكوريّة الشماليّة الرسميّة يوم الأربعاء أنّ 1.4 مليون شابّ، بما في ذلك الطلّاب ومسؤولو رابطة الشباب، وقعوا على العريضة للانضمام إلى الجيش.

وقالت وكالة الأنباء المركزيّة الكوريّة الشماليّة إنّ “ملايين الشباب خرجوا إلى النضال على مستوى البلاد للقضاء على حثالة كوريا الجنوبيّة الّذين ارتكبوا استفزازًا خطيرًا بانتهاك سيادة جمهوريّة كوريا الشعبيّة من خلال تسلّل طائرة بدون طيّار”.

الكوريّتان: سياق تاريخيّ

مع انتهاء الحرب العالميّة الثانية، انتهى الاحتلال اليابانيّ لشبه الجزيرة الكوريّة في عام 1945 بعد 35 عامًا، حيث دخلت كوريا في انقسام سياسيّ عميق مدفوع بالتدخّل الأميركيّ والسوفياتيّ في شبه الجزيرة، إذ دعمت الحكومة الأميركيّة الليبراليّين في الجنوب ودعم الاتّحاد السوفييتيّ النظام الشيوعيّ في الشمال. ودفع ذلك الصراع الأيديولوجيّ إلى انقسام الجزيرة عند خطّ العرض 38 شمالًا.

وفي حزيران/يونيو 1950 بدأت الحرب الكوريّة عندما قامت القوّات الشيوعيّة تحت قيادة كيم إيل سونغ، والمدعومة من الاتّحاد السوفيتيّ، بغزو الجنوب في محاولة لتوحيد البلاد تحت الحكم الشيوعيّ والقضاء على الحكومة الليبراليّة. الردّ أتى سريعًا من الداعم الأوّل للحكومة الليبراليّة في الجنوب. فردّت الأمم المتّحدة تحت قيادة الولايات المتّحدة بالتدخّل في الحرب إلى جانب الجنوبيّين. استمرّت الحرب لمدّة 3 سنوات حتّى عام 1953، وأسفرت عن خسائر بشريّة كبيرة جدًّا لجميع الأطراف المشاركة، وتمّ تدمير البنية التحتيّة الكوريّة بشكل كامل تقريبًا.

امرأة مسنّة وحفيدها بين حطام منزلهما في بيونغ يانغ (Getty)

حصدت الحرب الكوريّة الّتي استمرّت لثلاث سنوات ما بين 400 إلى 600 ألف جنديّ من القوّات الكوريّة الشماليّة والصينيّة و 137 ألفًا من القوّات الجنوبيّة، وكانت الخسائر في صفوف القوّات الأميركيّة والقوّات الأخرى الّتي قاتلت إلى صفّ الجنوبيّين بأكثر من 36 ألف جنديّ، منهم أكثر من 33 ألفًا من القوّات الأميركيّة. أمّا الخسائر المدنيّة، وتتراوح التقديرات بين 1 إلى 2 مليون مدنيّ نتيجة المجازر والظروف الصعبة خلال الحرب. ويقدّر العدد الإجماليّ للقتلى خلال الحرب بين 2.5 إلى 3 ملايين من الجانبين.

انتهت الحرب في تمّوز/يوليو 1953، وتمّ توقيع هدنة بين الجانبين، إلّا أنّ الصراع لم يحسم تمامًا، وحتّى اليوم، وبعد مرور أكثر من 70 عامًا على الحرب، لم يتمّ توقيع معاهدة سلام بين الطرفين. إذًا، حسب القانون الدوليّ لا تزال الكوريّتان في حالة حرب حتّى يومنا هذا، وأصبح الخطّ الحدوديّ الفاصل بين البلدين المعروف باسم المنطقة منزوعة السلاح DMZ من أكثر المناطق توتّرًا في العالم.

صراع الهويّات… ما بعد الحرب

يعدّ الصراع في شبه الجزيرة الكوريّة من أكبر الأمثلة على الصراع على الهويّة والثقافة، فالوضع الكوريّ لا يتوقّف فقط عند الصراع السياسيّ أو العسكريّ أو حتّى صراع على الموارد مدفوعًا بالطموحات الجيوسياسيّة، بل يمتدّ ويتغلغل في جميع مفاصل الحياة في البلدين، ويتأثّر بعوامل دوليّة وإقليميّة عديدة مثل الأيدولوجيا والثقافة والاقتصاد. الصراع الأيديولوجيّ يتمثّل في الصراع التاريخيّ بين النظام الشيوعيّ الّذي يعتمد على سياسات اقتصاديّة اشتراكيّة والنظام الرأسماليّ الّذي يعتمد على السوق الحرّ. أمّا بالنسبة للهويّة الوطنيّة الكوريّة، فقد تمزّقت خلال الحرب وما تبعها من تطوّرات، ففي الوقت الّذي تحاول فيه الجارة الشماليّة تقديم أفكار الوحدة الكوريّة تحت نظام واحد، تقدّم كوريا الجنوبيّة نفسها كدولة ديمقراطيّة حديثة منفتحة على العالم.

تلعب القوى الدوليّة ومصالحها وطموحاتها دورًا كبيرًا في تعقيد أيّ محاولات للوصول إلى حلول للأزمة، ففي حين تعتمد كوريا الجنوبيّة على الدعم المطلق من الولايات المتّحدة تعتمد كوريا الشماليّة على الدعم الروسيّ والصينيّ لتصبح شبه الجزيرة الكوريّة ملعبًا آخر للصراعات الدوليّة بين القوى العظمى. ومن الأسباب الأخرى الّتي تجعل الطريق لحلّ النزاع معقّدًا، هو وجود اختلافات ثقافيّة اتّسعت رقعتها بمرور الوقت بالإضافة إلى الاختلافات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وحتّى النفسيّة بين البلدين.

محاولات الحلّ

بالرغم من أنّ العلاقات بين البلدين في الجزيرة اتّسمت بالتوتّر طوال الـ 70 سنة الماضية، إلّا أنّ هناك، ولو بشكل محدود جدًّا، محاولات للحوار “ولحظات” من التقارب بين البلدين، إذ عقدت القمّة الكوريّة الأولى بين الزعيمين كيم جونغ إيل عن كوريا الشماليّة وكيم داي جونغ عن الجنوبيّة، واعتبرت القمّة إنجازًا تاريخيًّا، وتبع ذلك العديد من المبادرات الإنسانيّة والاقتصاديّة بين البلدين. ولكنّ تلك المحاولات لاقت الكثير من العقبات والتحدّيات، كان أهمّها إصرار كوريا الشماليّة على تطوير برنامجها النوويّ؛ ممّا يشكّل تحدّيًا للولايات المتّحدة.

ويعدّ البرنامج النوويّ في كوريا الشماليّة، الّذي تراه كوريا الجنوبيّة وحلفاؤها الغربيّون تهديدًا كبير للأمن الكوريّ الجنوبيّ والإقليميّ والعالميّ، كما يعتبر من أهمّ أوراق الضغط ووسيلة أساسيّة لضمان صمودها في وجه الضغوطات الدوليّة وتعزيز موقفها على طاولة المفاوضات مع الولايات المتّحدة وكوريا الجنوبيّة. بدأ البرنامج النوويّ منذ أوائل التسعينات، حيث بدأت بيونج يانغ في تطوير قدراتها النوويّة، ونجحت في إطلاق أوّل تجربة نوويّة في العام 2006، وتبع ذلك عدّة تجارب نوويّة وصواريخ باليستيّة.

وكان للدبلوماسيّة الحديثة حظّ من المحاولات، ففي العقد الماضي شهدت العلاقات بين البلدين تطوّرات كبيرة، إذ جرت في العام 2018 ثلاثة لقاءات بين الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون الرئيس الكوريّ مون جاي إن. وجاءت تلك اللقاءات في إطار ما بدا كأنّه “انفراجة دبلوماسيّة” تهدف إلى نزع السلاح النوويّ من شبه الجزيرة وتحقيق سلام دائم وشامل. وارتفعت الآمال بعد لقاء الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون بالرئيس الأميركيّ دونالد ترامب أوّل مرّة في في سنغافورة عام 2018 والثانية في هانوي عام 2019، وووصف الخبراء في وقتها تلك اللقاءات بالـ “تاريخيّة” لأهمّيّتها في تقريب وجهات النظر والسعي نحو سلام دائم وشامل.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون (Getty)

ولكنّ تلك اللقاءات لم تسفر عن حلول أو نتائج ملموسة فيما يتعلّق بنزع السلاح النوويّ أو تحسين العلاقات في شبه الجزيرة الكوريّة، وتوقّفت المفاوضات لاحقًا بسبب الاختلافات الكبيرة بين الطرفين.

الوضع الحاليّ: التوتّر في أوجه

منذ بداية العقد الحاليّ عادت التوتّرات شيئًا فشيئًا وبدأت وتيرتها بالارتفاع بين البلدين. واصلت كوريا الشماليّة تطوير برنامجها النوويّ والصاروخيّ بلا هوادة، وفي العام 2023، شهد العالم إطلاق العديد من الصواريخ الباليستيّة بعيدة المدى ما أثار قلق كوريا الجنوبيّة وحلفائها الأوروبّيّين.

وردًّا على تلك التطوّرات، عزّزت كوريا الجنوبيّة تعاونها العسكريّ مع الولايات المتّحدة في محاولات لردع بيونغ يانغ. وتزايدت التوتّرات أكثر بسبب التدريبات العسكريّة المشتركة بين الجيش الأميركيّ والجيش الكوريّ الجنوبيّ والّتي حسب بيونغ يانغ تعتبر “تحضيرًا للغزو”. ومع عدم وجود أيّ تقدّم ملموس في المجال الدبلوماسيّ، يبقى المستقبل غامضًا بين الدولتين.

ويطرح الخبراء أسئلة مثل الخطّة التالية في الصراع وإمكانيّة تحوّله إلى نزاع مسلّح بالفعل. يرى جون ديلوري، أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة يونسي في سيول، أن احتمالات اندلاع حرب مفتوحة وشاملة بين البلدين منخفضة، ولكنّه يشير إلى أنّ التوتّرات تتصاعد بشكل كبير مؤخّرًا. يقول “كوريا الشماليّة تميل إلى استخدام استراتيجيّات الاستفزاز لزيادة الضغوط على الولايات المتّحدة وكوريا الجنوبيّة، ولكنّ ذلك لا يعني أنّها تسعى إلى حرب شاملة. نظام كيم جونغ أون يعرف جيّدًا أنّ أيّ مواجهة عسكريّة قد تؤدّي إلى تدمير نظامه”.

من جانبه يرى فيكتور تشا، كبير الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة CSIS، أنّ “كوريا الشماليّة تعتمد على استفزازات محدودة لفرض شروطها على طاولة المفاوضات. النظام في بيونغ يانغ يستخدم استراتيجيّته لزعزعة الاستقرار كوسيلة لانتزاع تنازلات دبلوماسيّة، ولكن في الوقت نفسه، لا يرغب في التورّط في صراع عسكريّ كامل، مشيرًا إلى نيّة بيونج يانغ في مواصلة التصعيد عبر إجراء المزيد من التجارب النوويّة والباليستيّة.

ومن الجانب الشماليّ صرّح لي سون جون، رئيس لجنة السلام الوطنيّة الكوريّة سابقًا، والّذي شغل مناصب قياديّة في الحكومة الكوريّة الشماليّة ومسؤول المفاوضات مع كوريا الجنوبيّة، في عدّة مناسبات أنّ كوريا الشماليّة “لا تسعى إلى الحرب”، ولكنّها لن تتردّد في الردّ إذا تمّ استفزازها عسكريًّا. وقال “إنّ استراتيجيّتنا تعتمد على الدفاع الصارم عن سيادتنا ضدّ أيّ تدخّل أجنبيّ. نحن لسنا معتدين، ولكن إذا تعرّضنا للتهديد، سنردّ بكلّ قوّتنا. كوريا الجنوبيّة وحلفاؤها يجب أن يتجنّبوا الأعمال الّتي قد تؤدّي إلى تصعيد غير محسوب”.

ومع محدوديّة أيّ تقدّم ملموس نحو الحلول الدبلوماسيّة، تبقى الأسئلة قائمة حول مستقبل العلاقات بين الكوريّتين. هل يمكن أن يؤدّي التصعيد الحاليّ إلى نزاع مسلّح آخر؟ أم أنّ هناك إمكانيّة لمزيد من الحوار والتهدئة؟ البعض يرى أنّ كوريا الشماليّة قد تكون مستعدّة في نهاية المطاف للتفاوض على تجميد برنامجها النوويّ مقابل ضمانات أمنية واقتصاديّة، بينما يرى آخرون أنّ البلاد لا تنوي التخلّي عن أسلحتها النوويّة أبدًا.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *