نتنياهو لن يقدّم أيّ هديّة/ اتّفاق لهاريس قبل الانتخابات
عشيّة الانتخابات الأميركيّة، بات من الواضح أنّ نتنياهو لن يمنح بايدن- هاريس في الأيّام الخمسة الباقية للانتخابات ما لم يمنحه إيّاهما على امتداد سنة مضت، فهو يريد أن تصل مرشّحة الحزب الديمقراطيّ إلى صندوق الاقتراع وهي خالية الوفاض، لا تحمل في جعبتها أيّ إنجاز سياسيّ على صعيد الحدث الأبرز عالميًّا في السنة الأخيرة (الحرب على غزّة) سوى تزويد إسرائيل بعشرات آلاف الأطنان من القنابل الّتي انهالت على أطفال ونساء وشيوخ ورجال غزّة، وحولتها إلى خراب.
بإمكان المبعوث الأميركيّ / الإسرائيليّ عاموس هوكشتاين الإفراط ما شاء في التفاؤل بقرب التوصّل إلى اتّفاق على الجبهة اللبنانيّة، مثلما سبق وفعل نظراؤه ممّن أداروا المفاوضات العقيمة حول صفقة التبادل مع غزّة في القاهرة والدوحة وباريس على مدار أشهر طويلة، بفارق أنّ ما يجعله أكثر حظًّا منهم هو المدى الزمنيّ القصير الّذي يفصلنا عن يوم الانتخابات الأميركيّة، وهو بضعة أيّام قليلة سيؤمّن نتنياهو خلالها صعود حليفه المحبّب دونالد ترامب إلى سدّة الحكم.
ولا شكّ بأنّ نتنياهو الّذي يبسط هيمنته الكاملة على مفاصل القرار العسكريّ والسياسيّ في إسرائيل دون منازع، سيزيد خلال تلك الأيّام من وتيرة وحجم جرائم الحرب الّتي يرتكبها جيشه في غزّة ولبنان لخلق المزيد من الحقائق الناجزة على الأرض، تتمثّل في غزّة باستكمال إخلاء شمال القطاع، وفي لبنان باستكمال السيطرة العسكريّة على القرى الحدوديّة، إلى جانب تعميق الفجوة الّتي باتت تفصل الناخبين العرب والمسلمين ومناصريهم عن كاميلا هاريس، بسبب عجزها عن وقف هذه الجرائم.
هناك إجماع واسع في المنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة بشكل غير معهود، بتعبير المحلّل العسكريّ لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل، الّذي يكتب أنّ جميع كبار الجهاز ووزارة الأمن من يوآف غالانت نازلًا يتحدّثون في الأسبوع الأخير بصوت واحد تقريبًا أنّه بعد سلسلة الإنجازات العسكريّة والاستخباريّة الهائلة، بلغتهم، الّتي تحقّقت في الأشهر الثلاثة الأخيرة، فإنّ الحرب في غزّة وفي لبنان اقتربت من استنفاذ ذاتها، ومن المفضّل الشروع بالسعي للتوصّل إلى اتّفاقات تنهي القتال على الجبهتين، وتعيد الأسرى الإسرائيليّين من أسر حماس.
إلّا أنّ ترجمة التقديرات المتفائلة تلك منوطة، كما يقول هرئيل، بشخص واحد هو بنيامين نتنياهو، الّذي تستصعب قيادة الجيش، قراءة نواياه لأنّه يبثّ رسائل متناقضة في التصريحات العلنيّة، وفي الجلسات المغلقة.
وإذا كان انعدام الرغبة في تقديم هديّة لهاريس عشيّة الانتخابات هو ما يعيق التوصّل لاتّفاق على الجبهة اللبنانيّة، من جهة نتنياهو الّذي يصرّح في جلسات مغلقة ومفتوحة بضرورة التوصّل إلى اتّفاق ينهي الحرب، فإنّ الوضع في غزّة يختلف بعض الشيء بغياب خطّة إسرائيليّة لما يسمّى باليوم التالي، وما يبدو أنّه جزء أو مرحلة أولى في خطّة من هذا النوع تستند على إفراغ شمال القطاع من سكّانه وإنشاء منطقة عازلة، وربّما تشمل إعادة مستوطنات ما كان يسمّى بـ”غوش كطيف” ومناطق أخرى في شمال القطاع.
صحيفة “هآرتس” الّتي وصفت في افتتاحيّتها ما تقوم به إسرائيل في شمال القطاع بالتطهير العرقيّ، نقلت أنّه برغم انتهاء العمليّة العسكريّة في جباليا، فقد بقي جنود الجيش الإسرائيليّ هناك، بضغط من القيادة السياسيّة، لمنع الأهالي من العودة إلى بيوتهم تنفيذًا لـ”خطّة الجنرالات” الّتي صمّمها غيورا آيلند، وتقضي بتهجير سكّان الشمال جنوبًا، وأنّ الجيش الإسرائيليّ بمنع أكثر من 50 ألف فلسطينيّ من سكّان جباليا الموجودين في مدينة غزّة من التحرّك شمالًا نحو ديارهم، في وقت يتمّ فيه تيسير حركتهم نحو الجنوب.
في غضون ذلك كتب تسفي برئيل، محلّل الشؤون العربيّة في الصحيفة، أنّ خطّة الجنرالات تسعى إلى تجويع عشرات آلاف الفلسطينيّين ودفعهم إلى النزوح القسريّ إلى أماكن أقلّ خطرًا بهدف خلق مساحة حرّة للقتل أمام الجيش الإسرائيليّ، وأنّ هذه الّتي تحوّلت إلى استراتيجيّة، وتحظى بشرعيّة جماهيريّة تحت غطاء كذبة تحرير الأسرى، هي خطّة شيطانيّة.
ويشير برئيل، إلى أنّ من كان يعتقد أنّ المزيد من الضغط العسكريّ والمزيد من عمليّات الاغتيال سيعيد المخطوفين، صار يهزّ أكتافه بلامبالاة وهو مستعدّ للتنازل عن المخطوفين مقابل الحصول على رزمة تعويض على شكل قتلى فلسطينيّين إضافيّين، والمخزون لا ينضب حيث يسكن في قطاع غزّة مليونين وربع المليون إنسان، وهم ينتظرون بالدور للقنبلة الّتي سيتمّ إسقاطها على رؤوسهم…
مثل هذه الأصوات الّتي سكتت على مدار السنة الماضية بدأت تطفو على السطح، ربّما بعد اتّضاح زيف الادّعاءات الّتي تخاض تحتها حرب الإبادة ضدّ الشعب الفلسطينيّ، أو تراخي قبضة الإجماع الصهيونيّ الّتي خنقت كلّ صوت معارض للحرب، أو ربّما بشاعة الجرائم المرتكبة في غزّة ولبنان.
وكان لافتًا في هذا السياق ما نشرته يهوديت كارب النائبة السابقة للمستشار لبقضائي الحكومة الإسرائيليّة، حيث كتبت تقول، الآن أيضًا نقول (مثلما قلنا خلال المحرقة، وفي السابع من أكتوبر) أين اللّه؟ وأين شعوب العالم؟ وأين المحكمة الدوليّة في لاهاي؟… لماذا لا يزعقون لإنقاذ ضحايا مجزرة غزّة 2024 الفلسطينيّين، من أطفال ونساء وشيوخ وغيرهم من الأبرياء وغير المشاركين في النزاع، الّذين لاقوا حتفهم تحت عنوان “الضرر الجانبيّ”، الّذين قرّر مصيرهم الذكاء الاصطناعيّ، والّذين قتلوا وخنقوا وحرقوا ودفنوا وهم أحياء، أو تحوّلوا إلى رماد إنسانيّ تحت ردم بيوتهم، في عمليّة حرق غزّة وهدمها عن بكرة أبيها في حرب الوقاية الّتي تحوّلت إلى حرب انتقام.
المصدر: عرب 48