هل يكون الإضراب هو الحلّ الأخير أمام كتّاب السيناريو ضدّ الذكاء الاصطناعيّ؟
مهنة الكتابة للتلفزيون والسينما ليست بمأمن من التغييرات أو الطفرات التكنولوجيّة الحديثة مثل الذكاء الاصطناعيّ…
قال رئيس مجلس إدارة شركة الإنتاج العملاقة “سوني بيكتشرز إنترتينمنت” ومديرها التنفيذيّ توني فينسيكيرا إنّ تأثير الإضرابات الّتي شهدتها هوليوود العام الماضي “أكثر شدّة” على الصناعة الأميركيّة ممّا كان متوقّعًا. وقال المدير التنفيذيّ المنتهية ولايته خلال محاضرة رئيسيّة في سوق برامج Mipcom خلال مهرجان كان السينمائيّ: “لا يزال الأمر يؤثّر علينا حقًّا، سواء على جانب السينما أو التلفزيون”.
وقال فينسيكيرا إنّ طول مدّة إضراب الممثّلين والكتاب، فضلًا عن شروط عقودهم المتجدّدة، أجبرت الإنتاج على الخروج من الولايات المتّحدة، وأضاف “حاولنا التحدّث إلى النقابات حول ما كنّا نعتقد أنّه سيحدث، والآن ذلك يحدث، إنّه يدفع الإنتاج إلى الخروج من الولايات المتّحدة”.
وتعدّ الحوافز الضريبيّة الدوليّة الجذّابة عاملًا مهمًّا للإنتاج خارج الولايات المتّحدة. إذ إنّ “تكلفة أطقم العمل أقلّ بكثير خارج الولايات المتّحدة. في أستراليا وإنجلترا وأوروبا الشرقيّة وأماكن مثل هذه، لذا فهناك فرق كبير جدًّا”. وبالمقارنة، قال فينسيكيرا: “لم تستجب كاليفورنيا لما يحدث في العالم”، مضيفًا “الحوافز وتكلفة ممارسة الأعمال التجاريّة في كاليفورنيا مرتفعة للغاية لدرجة أنّه من الصعب جدًّا تحديد سعر الفيلم. هناك الكثير من الإنتاجات التلفزيونيّة الجارية في كاليفورنيا، ولكن ليس هناك الكثير من الأفلام ذات الميزانيّات الكبيرة”.
وأشار المدير التنفيذيّ أيضًا إلى أنّ الأشهر الثمانية عشر إلى الأربعة والعشرين المقبلة ستكون “فوضويّة للغاية” بالنسبة لاستوديوهات الولايات المتّحدة الّتي تكافح مع تراجع القنوات التقليديّة، وهو ما يعكس تصريحات مماثلة أدلى بها في الشهر الماضي، إذ قال “ستكون هناك هزّة. ستكون هناك عمليّات اندماج وتوحيد ومبيعات أو بعض حالات الإفلاس، ربّما”.
وقال إنّ “سوني” باعت أو أغلقت معظم القنوات الخاصّة بها كجزء من إعادة هيكلة الشركة الّتي بدأت قبل ستّ سنوات، والّتي وفّرت للاستوديو قدرًا من الاستقرار، و”لا داعي للقلق بشأن التخلّص من القنوات. كلّ منافسينا يفعلون ذلك الآن. لديهم كلّ شبكات التلفزة الّتي لن تتعافى”.
هذا وقد أعلن فينسيكيرا في أيلول/سبتمبر الماضي إنّه يخطّط للتنحّي عن منصبه كرئيس تنفيذيّ لشركة “سوني” في يناير 2025، وسيحلّ رافي أهوجا، رئيس استوديوهات التلفزيون العالميّة في سوني محلّ فينسيكيرا. وقال “كان هدفي هو القيام بما فعلناه – إعادة الشركة إلى المسار الصحيح، واستقرارها، ووضعها في وضع مستقرّ للغاية، وهو ما أعتقد أنّنا حقّقناه. ثمّ العودة للقيام بما كنت أفعله عندما كنت أعمل مستشارًا للأسهم الخاصّة. وهذا ما سأعود إليه على الأرجح”.
الإضراب الهوليوديّ
بدأ الإضراب الهوليوديّ في تمّوز/يوليو السنة الفائتة. في البداية كان الإضراب محصورًا على الكتّاب ولاحقًا انضمّ الممثّلون الى الخطوط الأماميّة، وتعدّ هذه المرّة الأولى الّتي تضرب فيها النقابتان، نقابة الكتّاب ونقابة الممثّلين، معًا منذ عام 1960. ومع توقّف هوليوود، أجبرت الاستوديوهات على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشأن قضايا مثل الحدّ الأدنى للأجور والحواجز الواقية ضدّ استخدام الذكاء الاصطناعيّ.
وفي أيلول/ سبتمبر وتشرين الثاني/ نوفمبر توصّلت نقابة الكتّاب الأميركيّة ونقابة الممثّلين، الاتّحاد الأميركيّ لفنّاني التلفزيون والإذاعة، إلى اتّفاقات أنهت الإضرابات. وسارعت الاستوديوهات إلى العودة إلى الإنتاج، وعاد النجوم إلى السجّادة الحمراء، ولكنّ الشعور بالارتياح والفرح كان مشوبًا ببعض الخوف والقلق، وهو شعور بأنّ العودة إلى الوضع الطبيعيّ القديم لن تكون ممكنة في إشارة إلى الأثر الكبير الّذي سيخلّفه الإضراب.
يقول جاريد بتلر، كاتب السيناريو والممثّل الصوتيّ: “لا أعرف ما هو الطبيعيّ بعد الآن. لا أشعر وكأنّني عدت في آلة الزمن إلى وقت أفضل في هوليوود، ولكن من الصعب تحديدًا متى بدأ ذلك الانهيار على وجه التحديد. أودّ أن أقول إنّ العمّال فازوا بالإضراب، ولكن هناك فرقًا بين الرضا عن ذلك والشعور بالسعادة بشأن الحالة الحاليّة للأعمال. من السهل الخلط بين الأمرين”.
كما يجد الممثّلون والكتّاب الّذين حصلوا على أجور أفضل أنفسهم يتنافسون على عدد أقلّ من الوظائف، وذلك لأنّ موسم الاضطرابات العمّاليّة في هوليوود، والّذي تسبّب في خسارة اقتصاديّة تقدّر بنحو 6 مليارات دولار، كان على الأرجح في تباطؤ أوسع نطاقًا، ذلك أنّ صناعة الترفيه، الّتي لا تزال تتعافى من توابع جائحة فيروس كورونا، تمرّ بمرحلة تحوّل مؤلمة.
ويشير المراقبون إلى أنّ الظروف الّتي أدّت إلى الإضرابات، مثل التحوّل من الوسائط المسرحيّة والإذاعيّة التقليديّة إلى البثّ المباشر والتكنولوجيا الناشئة مثل الذكاء الاصطناعيّ، ويشمل ذلك ما يسمّى بحروب البثّ المباشر والاندفاع العشوائيّ لصنع محتوى لمنصّات مثل Netflix وApple TV+ وDisney+ وMax أربكت النماذج الاقتصاديّة الّتي اعتادتها هوليود ومجال صناعة الترفيه السينمائيّ والتلفزيونيّ.
قبل الإضرابات، كانت معظم استوديوهات الإنتاج في هوليود تعيد تقييم استراتيجيّة البثّ المباشر الخاصّة بها. وأدّت تلك الاستراتيجيّات الجديدة إلى تقليص حجم نسبة كبيرة من الإنتاج بعد عدّة سنوات من الإنفاق الكبير جدًّا. تقييم الاستراتيجيّات لم تتوقّف عند خفض الإنفاق على الإنتاج، بل وصلت إلى خفض الموظّفين لرفع الأرباح. مثلًا، انخفض إنتاج المسلسلات العام الماضي بعد أن بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق في عام 2022، عندما تمّ إنتاج 599 مسلسلًا أصليًّا، وبعد وفرة إنتاج من Marvel وStar Wars، قالت ديزني إنّها ستركّز على “الجودة بدلًا من الكمّيّة”.
يقول ديفيد سكاربا، كاتب سيناريو فيلم نابليون، الّذي أخرجه المخرج الكبير ريدلي سكوت لصالح Apple TV+ “بشكل عامّ، الأعمال أبطأ قليلًا بعد الإضراب، وقد لاحظ الجميع ذلك. كانت الصناعة في حالة ركود قبل الإضراب، وكان الإضراب بمثابة علامة على ذلك”. ويضيف “كان هناك إنفاق ضخم من جانب مقدّمي خدمات البثّ للحصول على حصّة في السوق على مدار السنوات العديدة الماضية الّتي سبقت الإضراب. أشار تقرير أرباح كبير من Netflix إلى أنّ الوقت يقترب من نهايته، وأكّد الإضراب على ذلك. وتكون لديّ انطباع من حديثي مع بعض الأشخاص، ومن تجربتي الخاصّة، وهو أنّ الصفقات تستغرق وقتًا أطول لإتمامها، وأنّ هناك ببساطة عدد أقلّ ممّا كان عليه في السابق.”
حرب الكتاب والذكاء الاصطناعيّ
تتّسم مهنة الكتابة “الناجحة” في هوليوود في العديد من الصفات المميّزة للوظيفة “الحلم” فهي ذات أجر جيّد ومثيرة، وتعد بسيرة مهنيّة كبيرة. وظائف الكتابة في هوليوود مطلوبة بشدّة وتنافسيّة للغاية، وإن كانت غير متوقّعة أيضًا. تقول ليا فولتا، الكاتبة والمحرّرة للقصص التلفزيونيّة، عن الأهمّيّة الشخصيّة لمهنتها “أنا أحبّ الكتابة. أحبّ كلّ شيء، الإنتاج والتعاون في غرفة الكتّاب والطريقة الّتي نمارس بها القوّة الّتي لدينا في الإنتاج والتأكّد من تنفيذ الأشياء بالطريقة الّتي تريدها. إنّها هديّة كبيرة وممتعة للغاية. ليس لديّ مهنة اخرى لأنّني لم أرغب في أيّ منها أبدًا”.
وحسب مكتب إحصاءات العمل، يحصل الكتّاب والمؤلّفون في صناعة الأفلام والفيديو على أجر سنويّ متوسّط يفوق 130 ألف دولار أميركيّ في عام 2022، مقارنة بمتوسّط 61 ألف دولار لجميع المهن الوظيفيّة في الاقتصاد الأميركيّ. ولكنّ الأجور تتفاوت على نطاق واسع حسب الأقدميّة والدور. ويعمل كتاب هوليوود مثل المتعاقدين المستقلّين، فيبحثون عن عمل في التلفزيون بشكل موسميّ، ويبيعون سيناريوهات الأفلام بشكل مستقلّ. ويعاني الكتاب أحيانًا من رفض السيناريوهات وإلغاء العروض وفترات البطالة.
ولكنّ مهنة الكتابة للتلفزيون والسينما ليست بمأمن من التغييرات أو الطفرات التكنولوجيّة الحديثة مثل الذكاء الاصطناعيّ. فمنذ إطلاق “تشات جي بي تي” في نهاية عام 2022 ظهر الذكاء الاصطناعيّ كسبب جديد كبير للإضطراب التكنولوجيّ وقلق الكتاب في هوليوود.
عمل “تشات جي بي تي” على ترويج “الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ” وهو نوع من التعلّم الآليّ. يعمل الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ كخوارزميّة يمكنها إنتاج مجموعة واسعة من المحتوى الجديد، بما في ذلك المحتوى الإبداعيّ مثل الصور والموسيقى والنصوص والصوت والفيديو. ويتمّ تمكين تلك التكنولوجيا من خلال نماذج لغويّة كبيرة LLMs تتدرّب على مجموعات بيانات ضخمة، وتكتشف الأنماط والهياكل الإحصائيّة الّتي تستخدمها بعد ذلك لتوليد محتوى جديد. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعيّ التوليديّ التدريب على آلاف نصوص التلفزيون أو الأفلام الموجودة لإنتاج نصوص تستند إلى الأفكار والحوار وأنواع الشخصيّات وحتّى تطوّرات الحبكة الّتي يبدو أنّها تعمل بشكل جيّد معًا. هذا هو “التوليد” في الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ، أي إنّه “يخلق” نصوصًا بسرعة مذهلة.
ولكن ماذا يعني هذا بالنسبة للعاملين “المعرّضين للذكاء الاصطناعيّ” مثل كتاب السيناريو؟ لم يتّضح الأمر بعد، ولكن يمكننا تحديد بعض الاحتمالات، فالحصول على درجة عالية من التعرّض للذكاء الاصطناعيّ لا يعني بالضرورة أنّ الوظيفة سوف تتمّ أتمتتها أو استبدالها. بل قد يعني أيضًا أنّ الوظيفة قد يتمّ تعزيزها من خلال جعل العاملين في تلك الأدوار أكثر إنتاجيّة وأكثر قدرة وأكثر إبداعًا وكفاءة أثناء قيامهم بتلك الأعمال.
انتهى الإضراب بعدما توصّل الكتّاب إلى اتّفاق مع تحالف منتجي الأفلام والتلفزيون AMPTP، المجموعة الّتي تمثّل الاستوديوهات وخدمات البثّ والمنتجين في المفاوضات. وقالت نقابة كتّاب أميركا WGA أنّ الاتّفاق كان “استثنائيًّا” ليحصل الكتاب على مكاسب وحماية مهمّة. وقالت النقابة في بيان إنّ قادة النقابة “صوّتوا بالإجماع على رفع أمر التقييد وإنهاء الإضراب”.
استمرّ النزاع، الّذي شمل الممثّلين، لأكثر من 100 يوم، توصّلت فيه لجنة التفاوض إلى “اتّفاق مبدئيّ” تبعه عودة الممثّلين إلى العمل. وفي منشور على منصّة إنستغرام، كتبت رئيسة نقابة ممثّلي الشاشة فرّان دريشر “لقد فعلناها!”، حيث شكرت أعضاء نقابة ممثّلي الشاشة على “التمسّك بهذه الصفقة التاريخيّة”.
المصدر: عرب 48