Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

صراع أميركيّ صينيّ جديد في عالم التكنولوجيا

نجح العلماء ببناء أصغر “حاسوب كمّيّ” في العالم. ويقدّر الجهاز بحجم كمبيوتر مكتبيّ، ويمكنه العمل في درجة حرارة الغرفة. وحسب تقرير منشور في موقع “لايف ساينس”، يعمل الجهاز بواسطة فوتون واحد فقط، والفوتون هو جسم ضوئيّ متناهي الصغر، مدمج في ألياف بصريّة على شكل حلقة، حسب دراسة نشرت في أيلول/سبتمبر في مجلّة “فيزيكال ريفيو أبلايد”. ويعدّ الجهاز دليلًا على مفهوم الكمبيوتر الكمّيّ، ويمكنه إكمال العمليّات الحسابيّة مثل تحليل الأعداد الأوّليّة.

حاليًّا، يتمّ بناء العديد من أجهزة الكمبيوتر والمعالجات الكمّيّة، بما في ذلك شريحة كوندور ذات 1000 كيوبت من IBM، باستخدام كيوبتات فائقة التوصيل. ولكن للاستفادة من قوانين ميكانيكا الكمّ والحساب باستخدام التراكب الكمّيّ، والّذي يسمح للبتّ الكمّيّ بالوجود في حالات متعدّدة في وقت واحد، يجب تبريدها إلى ما يقرّب درجة حرارة صفر، وهذا يتطلّب معدّات معقّدة تشغل عادة حجم غرفة على الأقلّ.

ومنذ فترة طويلة، تمّ اقتراح الفوتونات الكمّيّة فائقة التوصيل كبديل للـ”بتّات” الّتي يعتمد عليها عمل الحاسوب العاديّ؛ ومن هنا بدأ المجال الّذي يعرف باسم “الحوسبة الكمّيّة البصريّة”. في شباط/فبراير اقترح العلماء أنّ بناء البتات الكمّيّة من نبضة ليزر واحدة يمكن أن يسمح لهم بإنشاء كمبيوتر كمّيّ مستقرّ في درجة حرارة الغرفة.

وقال تشو تشيه سونج، المؤلّف الرئيسيّ للدراسة وأستاذ البصريّات الكمّيّة في جامعة تسينغ هوا في تايوان، في بيان إنّ الكمبيوتر الكمّيّ يخزّن المعلومات في “32 فترة أو أبعاد زمنيّة” داخل الحزمة الموجيّة لفوتون واحد. وأضاف أنّ هذا رقم قياسيّ عالميّ لعدد أبعاد الحوسبة الّتي يمكن الوصول إليها بواسطة كيوبت واحد.

الموضوع معقّد بالطبع، إذ توجد أجهزة كمبيوتر كمّيّة بصريّة تحتوي على مئات الفوتونات، ولكن نظرًا لأنّ الفوتونات تظهر بشكل احتماليّ، بمعنى “أنّها موجودة في ثانية واحدة، وتختفي في الثانية التالية”، فمن الصعب جمعها بأعداد كبيرة، كما قال تشو. وبدلًا من ذلك، ضغط تشو وفريقه، جميع المعلومات في فوتون واحد مستقرّ. وشبه هذا العمل بتحويل درّاجة يمكنها حمل شخص واحد إلى قطار مكوّن من 32 عربة يمكن أن يتّسع لعدد كبير من الركّاب.

ما هو الكمبيوتر الكمّيّ

بشكل عامّ، عند الحديث عن الكمبيوتر الكمّيّ، يوجد عدد من المصطلحات الرئيسيّة الّتي يجب شرحها لفهم الكمبيوتر الكمّيّ وطريقة عمله. تلك المصطلحات هي الـ “كيوبت” Qubit والـ “تراكب” Superposition والـ “تشابك” Entanglement و “فقدان التماسك” Decoherence.

تستخدم أجهزة الكمبيوتر اليوم البتات Bits، وهي عبارة عن سلسلة من النبضات الكهربائيّة أو الضوئيّة تمثّل 1 أو 0. كلّ شيء من تغريداتك ورسائل البريد الإلكترونيّ إلى أغاني Spotify ومقاطع الفيديو على YouTube هي عبارة عن سلاسل طويلة من هذه الأرقام الثنائيّة. الأجهزة الكمّيّة، من ناحية أخرى، تستخدم الكيوبتات Qubits، وهي عبارة عن جسيمات “دون ذرّيّة” مثل الإلكترونات أو الفوتونات. ويعدّ توليد وإدارة الكيوبتات تحدّيًا علميًّا وهندسيًّا، إذ تستخدم بعض الشركات، مثل IBM وGoogle دوائر فائقة التوصيل مبرّدة إلى درجات حرارة باردة جدًّا. وتقوم شركات أخرى، مثل IonQ، بحبس الذرّات الفرديّة في مجالات كهرومغناطيسيّة على شريحة سيليكون في غرف مفرغة. في كلتا الحالتين، الهدف هو عزل الكيوبتات في حالة كمّيّة محكومة.

يكمن سرّ قوّة الكمبيوتر الكمّيّ في قدرته على توليد ومعالجة البتات الكمّيّة. وتتمتّع الكيوبتات ببعض الخصائص الكمّيّة الكبيرة الّتي تعني أنّ مجموعة متّصلة منها يمكن أن توفّر قوّة معالجة أكبر بكثير من نفس عدد البتات الثنائيّة، إحدى هذه الخصائص تعرف باسم التراكب، والأخرى تعرف باسم التشابك.

ويمكن أن تمثّل البتات الكمّيّة العديد من التركيبات المحتملة من 1 و 0 “في نفس الوقت”. وتسمّى هذه القدرة على التواجد في حالات متعدّدة في نفس الوقت “التراكب”. ولوضع البتات الكمّيّة في التراكب، يقوم الباحثون بمعالجتها باستخدام أشعّة الليزر الدقيقة أو أشعّة الميكروويف. وبفضل هذه الظاهرة، يمكن لجهاز كمبيوتر كمّيّ يحتوي على عدّة بتات كمّيّة في تراكب معيّن أن يقوم بتحليل عدد هائل من النتائج المحتملة في وقت واحد، وتظهر النتيجة النهائيّة للحساب بمجرّد قياس البتات الكمّيّة، ممّا يتسبّب على الفور في “انهيار” حالتها الكمّيّة إلى 1 أو 0.

ويمكن للباحثين توليد أزواج من البتات الكمّيّة “المتشابكة”، ممّا يعني أنّ عضوي الزوج موجودان في حالة كمّيّة واحدة. وسيؤدّي تغيير حالة إحدى البتات الكمّيّة إلى تغيير حالة البتّ الأخرى على الفور بطريقة يمكن التنبّؤ بها، ويحدث هذا حتّى لو كانت المسافة بينهما طويلة جدًّا. لا أحد يعرف كيف أو لماذا يعمل التشابك، حتّى إنّه حير أينشتاين نفسه، الّذي وصفه بأنّه “فعل مخيف عن بعد”. لكنّه يعدّ مفتاح قوّة أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة.

وتستغلّ أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة البتات الكمّيّة المتشابكة في نوع من سلسلة الكمّ المترابطة لتؤدّي عملها “السحريّ”. وتعدّ قدرة هذه الأجهزة على تسريع العمليّات الحسابيّة باستخدام خوارزميّات كمّيّة مصمّمة خصّيصًا هي السبب وراء كلّ هذا الضجيج حول إمكاناتها. ولكنّ أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة أكثر عرضة “للخطأ” من أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكيّة بسبب عدم التماسك.

التفوّق الكمّيّ على الأجهزة الكلاسيكيّة

وبدأت الشركات بالفعل في تجربة أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة الّتي تصنعها شركات مثل IBM و Righetti وD-Wave. كما تقدّم شركات صينيّة مثل Alibaba إمكانيّة الوصول إلى الآلات الكمّيّة، وتشتري بعض الشركات أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة، بينما تستخدم شركات أخرى أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة المتاحة من خلال خدمات الحوسبة السحابيّة.

ومن بين التطبيقات الواعدة لأجهزة الكمبيوتر الكمّيّة محاكاة سلوك المادّة حتّى المستوى الجزيئيّ. وتستخدم شركات تصنيع السيّارات مثل فولكس فاجن الألمانيّة أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة لمحاكاة التركيب الكيميائيّ لبطّاريّات المركبات الكهربائيّة للمساعدة على إيجاد طرق جديدة لتحسين أدائها. وتستفيد شركات الأدوية منها لتحليل ومقارنة المركبات الّتي قد تؤدّي إلى إنشاء عقاقير جديدة.

وتقدّم هذه الآلات حلًّا لمشاكل التحسين؛ لأنّها قادرة على تحليل أعداد هائلة من الحلول المحتملة بسرعة كبيرة. على سبيل المثال، تستخدمها شركة إيرباص للمساعدة في حساب مسارات الصعود والنزول الأكثر كفاءة في استهلاك الوقود للطائرات. وكشفت فولكس فاغن عن خدمة تحسب المسارات المثلى للحافلات وسيّارات الأجرة في المدن من أجل تقليل الازدحام. ويعتقد بعض الباحثين أنّ هذه الآلات يمكن استخدامها أيضًا لتسريع الذكاء الاصطناعيّ.

قد يستغرق الأمر بضع سنوات حتّى تحقّق أجهزة الكمبيوتر الكمّيّة إمكاناتها الكاملة. وتواجه الجامعات والشركات الّتي تعمل على تطوير هذه الآلات الحاسوبيّة نقصًا في الباحثين المهرة في هذا المجال، بالإضافة إلى نقص في المورّدين لبعض المكوّنات الرئيسيّة. ولكن إذا نجحت هذه الآلات الحاسوبيّة الجديدة في الوفاء بوعودها، فقد تتمكّن من تحويل وإجراء تغييرات جذريّة على صناعات بأكملها وتعزيز الابتكار العالميّ.

سباق تطوير الكمبيوتر الكمّيّ

تعدّ الولايات المتّحدة والصين واليابان من أكبر الدول الّتي تعمل على تطوير الحواسيب الكمّيّة. شركات كبرى مثل IBM وGoogle تعدّ في طليعة مجال تطوير تلك الأجهزة. في عام 2019 أعلنت جوجل عن تحقيق “التفوّق الكمّيّ”، حيث تمكّنت من تشغيل جهاز كمبيوتر كمّيّ نجح بإكمال عمليّة حسابيّة استغرقت 200 ثانية، في حين كانت ستحتاج إلى أكثر من 10,000 سنة إذا تمّ حسابها بواسطة الكمبيوتر التقليديّ. وتركّز الولايات المتّحدة بشكل كبير على تطوير أجهزة وبرمجيّات تجعل هذه التكنولوجيا قابلة للتطبيق مجالات عدّة مثل الأبحاث العلميّة والمجال الماليّ.

الصين بدورها لم تكتفي بمحاولة السير على خطى الولايات المتّحدة، بل تحاول التقدّم بشكل أسرع. في السنوات الأخيرة، قامت الحكومة الصينيّة بالاستثمار بشكل كبير وبمبالغ تقدّر بالمليارات في أبحاث الحوسبة الكمّيّة، وقامت ببناء مختبرات ومراكز بحثيّة ضخمة. في 2020، أعلنت العلماء في الصين أنّهم طوّروا بنجاح جهاز كمبيوتر كمّيّ يدعى Jiuzhang، ونجح الكمبيوتر الكمّيّ الصينيّ بإجراء عمليّة معقّدة لم يكن بالإمكان إتمامها باستخدام الحواسيب التقليديّة، وتعمل الصين على تطبيق هذه التكنولوجيا في مجالات مثل التشفير والاتّصالات الآمنة.

اليابان، رائدة التكنولوجيا والصناعة، لم تتخلّف عن الصين والولايات المتّحدة، إذ تعمل اليابان على إنشاء حاسوب كمّيّ بسعة 100 ألف كيوبت من خلال التعاون مع الولايات المتّحدة. وتعمل شركات مثل Toshiba و Fujitsu مع مؤسّسات دوليّة لتطوير تكنولوجيا يمكن أن تحدث ثورة في مجالات مثل الأدوية والعقاقير.

وعلى أمل تسريع البحث في تكنولوجيا الكمّ، الّتي لديها تطبيقات محتملة في مجالات متنوّعة مثل اكتشاف الأدوية والتشفير، والّتي تعدّ حيويّة للأمن الاقتصاديّ، اتّفقت حكومتا اليابان والولايات المتّحدة على تعزيز التعاون في مجال التعليم. وتتعاون الصناعة والأوساط الأكاديميّة في كلا البلدين لريادة الحوسبة الفائقة المرتكزة على الكمّ.

وبالفعل، تعاونت جامعة طوكيو مع شركة آي بي إم في مجال البحوث الكمّيّة، ووقع الطرفان على شراكة “اليابان – آي بي إم الكمّيّة” في عام 2019، وتمّ إنشاء مبادرة الابتكار الكمّيّ في العام 2020، والّذي شمل مجموعة واسعة من الشراكات من الصناعة والأوساط الأكاديميّة. وأدّى ذلك إلى إطلاق أوّل حاسوب كمّيّ تجاريّ يعتمد على نظام “البوّابة” في اليابان في عام 2021، وهو IBM Quantum System One. وفي خريف عام 2023، بدأ تشغيل الحاسوب الكمّيّ المجهّز بمعالج إيجل بسعة 127 كيوبت. وبامتلاكها الحقوق الحصريّة لاستخدام المعالج، كانت جامعة طوكيو رائدة في مجال البحوث الكمّيّة في اليابان من خلال تعزيز البحوث حول استخدامه بالتعاون مع الشركات والمؤسّسات البحثيّة المشاركة.

وبحسب تقرير في موقع “ذا كوانتوم إنسايدر” The Quantum Insider، فإنّ الصين تهيمن على مجال التطوير الكمّيّ وتضاهي الولايات المتّحدة تقريبًا في مجال الاستشعار الكمّيّ، على الرغم من تأخّرها في الحوسبة الكمّيّة، وفقًا لتقرير جديد صادر عن مؤسّسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار (ITIF)، وهي مؤسّسة بحثيّة رائدة في مجال سياسة العلوم والتكنولوجيا.

ويعدّ التقرير الجديد حول عن علم المعلومات الكمّيّة هو أحدث جزء من تحقيق أجرته مؤسّسة ITIF على مدى عشرين شهرًا حول الأداء الإبداعيّ للصين في الصناعات والتقنيّات المتقدّمة الرئيسيّة. واختتمت السلسلة بإحاطة في 18 سبتمبر/أيلول الماضي في مبنى الكونجرس.

وتجد دراسة أجرتها مؤسّسة تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات أنّ الصين رسّخت مكانتها كرائدة عالميّة في مجال الاتّصالات الكمّيّة، ويتجلّى هذا في شبكة توزيع المفاتيح الكمّيّة الّتي تمتدّ على مسافة 1200 ميل بين بكّين وشنغهاي وهي الأطول في العالم، والقمر الصناعيّ الرائد ميسيوس، الّذي يمتدّ عبر مسافات أكبر للاتّصالات الكمّيّة الآمنة. ولكنّ الصين تتخلّف عن الولايات المتّحدة واليابان بشكل كبير في مجال الحوسبة الكمّيّة، وخاصّة في الأجهزة وتنفيذ الأنظمة العمليّة.

ويأتي التقرير الأميركيّ في وقت أعلن فيه باحثون صينيّون إنّهم أصبحوا أوّل من استخدم حاسوبًا كمّيًّا لاختراق نظام الأمان القائم على كلمة المرور المستخدم على نطاق واسع في الصناعات الحيويّة مثل الدفاع.

وتمّ الإعلان عن السبق العلميّ في ورقة بحثيّة نشرت في أيلول/سبتمبر الماضي في المجلّة الصينيّة للكمبيوتر حسب تقرير على موقع “نيوزويك” الأميركي. وكتب باحثون من جامعة شنغهاي أنّهم استخدموا حاسوبًا كمّيًّا من طراز D-Wave Advantage لمهاجمة ثلاث خوارزميّات بنجاح – Present و Gift-64 و Rectangle، والّتي تعدّ بالغة الأهمّيّة لعمل التشفير المتقدّم AES المستخدم لتأمين البيانات في القطاعات الحكوميّة والعسكريّة والماليّة.

وحذّر الفريق من أنّ نجاحهم كشف لأوّل مرّة عن “تهديد حقيقيّ وملموس” من اختراق القراصنة لأساليب تشفير متعدّدة، حسبما ذكرت صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست”. وقد يمتدّ هذا التهديد إلى AES-256، وهو تشفير يعتبر غير قابل للاختراق. وقال الباحثون إنّهم لم يتمكّنوا من اختراق AES-256، لكنّهم اقتربوا أكثر من أيّ وقت مضى. ويعدّ كمبيوتر D-Wave Advantage، الّذي بنته شركة الحوسبة الكمّيّة D-Wave Systems ومقرّها ولاية كاليفورنيا، يحلّ مشاكل معقّدة من خلال عمليّة تسمّى “التلدين”، وهو مصطلح مستعار من علم المعادن.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *