ماذا سيتغير خلال مرحلة ترامب المقبلة؟
أثَارت وتُثير التعيينات التي أعلن عنها دونالد ترامب لتسلّم المسؤوليات الأساسية في البيت الأبيض، الكثير من المخاوف وبعض المتخوّفين من هذه التعيينات وصل إلى حدّ الفزع.
مصدر المخاوف أو الفزع، أنّ كلّ الطاقم الذي تمّ الإعلان عنه حتى الآن، ويشمل المسؤوليات الأساسية المهمّة، جميعهم ينتمون إلى «اليمين» المتطرّف جداً، والموالي جداّ لدولة الاحتلال، وبعضهم يهود لا يعترفون أصلاً بوجود احتلال، أو وجود شعب فلسطيني، وينكرون وجود استيطان احتلالي، ويعرف بعضهم ب حماس ته ودعوته لتدمير المشروع النووي الإيراني، ومواصلة الحرب الإبادية حتى القضاء التام على حركة حماس و»حزب الله»، وكأنّ إدارة بايدن كانت متسامحة مع هؤلاء، ومقصّرة في تقديم كلّ أشكال الدعم والحماية لدولة الاحتلال.
ترامب المعروف عنه أنّه لا يميل إلى خوض الحروب، ووعد بإنهائها يدير سياسة تضع المصالح الأميركية على رأس اهتماماته وجدول أعماله ويعتمد سياسة الصفقات، تحت الضغط والتهديد، بما يحقّق للولايات المتحدة أفضل النتائج، بأمل استعادة بلاده لمكانتها ودورها كالدولة الأعظم على وجه الكرة الأرضية.
لكنه مع ذلك، يحرص على ألا تكون نتائج الصفقات التي يعقدها على حساب دولة الاحتلال، باعتبارها الحليف الأوّل والدائم الوحيد لبلاده، ولكن لنستعرض كشف الحساب التالي إزاء الحروب المفتوحة في الشرق الأوسط.
يبدأ الاستعراض من السؤال الآتي: ماذا كان سيفعل ترامب حتى لو أنّ «طوفان الأقصى» لم يحصل، ولم تحصل الحروب المفتوحة منذ أربعة عشر شهراً في قطاع غزّة والضفة الغربية ولبنان!
لقد خبرنا ترامب خلال السنوات الأربع المنصرمة من وجوده في البيت الأبيض 2016 – 2020، خلال تلك الفترة اتخذ قراره بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة والاعتراف بسيادة الدولة العبرية عليها، ومنح الأخيرة حق السيادة على الجولان السوري المحتل، وساهم في فرض «السلام الإبراهيمي» على 4 دول عربية، وقدم « صفقة القرن » التي لا تتضمن قيام دولة فلسطين على الأراضي المحتلة العام 1967.
وبالنسبة لإيران، أوقف العمل بالاتفاق مع الدول الكبرى، وفرض عليها سلسلة طويلة من العقوبات الاقتصادية لإجبارها على التراجع عن برنامجها، ومنذ ذلك الوقت، أي 8 سنوات، بقي المشروع النووي الإيراني يُراوح عند حدود لا تتجاوز الخط الأحمر.
وفق المعروف عن ترامب، وتعييناته الجديدة المتطرفة التي تؤشّر على استمرار تطرّفه، وما هو معروف عن سياسة «الجمهوريين»، إزاء قضايا الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية على نحو الخصوص، فإنّ المراهنة على تغيير إيجابي، هي مراهنة صفرية خاسرة.
«على إسرائيل أن توقف الحرب»، هكذا أعلن ترامب قبل دخوله إلى البيت الأبيض، ما يعني أنّه يمنح دولة الاحتلال فرصة أكثر من شهرين لإنهاء المهمّة، ستتبعها بالتأكيد بضعة أسابيع إضافية قبل أن تتحرك الآلة الدبلوماسية الأميركية في اتجاه إنهاء الحرب.
لكن ترامب لن يضغط على دولة الاحتلال لإنهاء الحرب العدوانية بما لا يتفق مع مصالحها وأمنها، بل سيمنحها ما يلزم لتحقيق أهدافها.
ترامب ليس بايدن، فهو إن اتخذ قراره بوقف الحرب، فإنّ دولة الاحتلال لا تستطيع المراوغة، والمخالفة، ولذلك بدأ بنيامين نتنياهو بالمناورة، استعداداً للحظة اتخاذ القرار.
تحت الضغط العسكري المكثّف، قدم المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين ورقة تسوية متفقاً عليها مع دولة الاحتلال لوقف الحرب التدميرية على لبنان، أثارت بعض التفاؤل لدى أوساط معيّنة في لبنان، وفي الوقت ذاته أطلق جيش الاحتلال المرحلة الثانية من العملية البرّية بهدف تحقيق إنجاز ميداني على الأرض.
الورقة الأميركية الإسرائيلية لوقف الحرب على جبهة الجنوب اللبناني تنطوي على تعديلات على القرار الأممي 1701، وبروتوكول التنفيذ، بما يمنح دولة الاحتلال حرية العمل ضد لبنان وقتما تجد ذلك ضرورياً.
سنلاحظ أنّ دولة الاحتلال هي التي طلبت من الولايات المتحدة، وتسعى لتحقيق هذا الاتفاق تماماً كما جرى العام 2006، ما يشير إلى أنّها غير واثقة من إمكانية تحقيق أهدافها بالوسائل العسكرية.
لكن هذا الطلب الإسرائيلي يهدف إلى أمرين: الأوّل، إثارة الفتنة في لبنان وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة والضفة، وإعلان انتصار وهمي، وفي غزّة يكثّف جيش الاحتلال عمليات الإبادة الجماعية بالقتل والتجويع والترويع، لإخلاء شمال القطاع من سكانه بكل طريقة متجاوزاً المهلة التي منحتها له إدارة بايدن، التي لم تفعل شيئاً إزاء إدارة نتنياهو ظهره للطلبات الأميركية.
وبرأينا أنه من غير المحتمل أن يتمّ التوصل إلى اتفاق بشأن جبهة لبنان قبل أن يحقق جيش الاحتلال تقدماً ملموساً على الأرض يجعله في موقع من يفرض التسوية من موقع القوّة، وبهدف تجاوز الموعد الذي حدّده القضاء الإسرائيلي لمثول نتنياهو أمام المحكمة في قضايا الفساد المعروفة.
إيران بدورها بدأت تظهر تراجعاً عن تهديداتها للردّ على الضربة الأخيرة الموجعة التي تلقّتها من دولة الاحتلال، وألقت الحمل كلّه على لبنان حكومة ومقاومة.
قد يبدو الموقف الإيراني الداعم للبنان والمقاومة بشأن التسوية وكأنّه من باب عدم التدخّل أو الابتعاد عن دور الوصي، لكنه مؤشّر على استعداد إيران للتهدئة والمساومة لحماية مصالحها. والآن ماذا يمكن أن يقع بعد أن يبدأ ترامب ممارسة صلاحياته في البيت الأبيض؟
يعيدنا هذا السؤال إلى الأصول سواء ما يتعلق بما يعرفه الجميع، عن سياسة ترامب تجاه المنطقة، والقضية الفلسطينية، أو ما يتعلق بالأهداف الأساسية الأولى للحرب كما قدمتها دولة الاحتلال المدعومة أميركياً.
إذا كان الأمر يتعلق بما سبق أن عرفناه عن سياسة ترامب، خصوصاً مع تعييناته الجديدة، فلا أمل إطلاقاً بأيّ سياسة أو مواقف إيجابية لصالح القضية الفلسطينية، بل إنه قد يحقق المزيد من التقدم على «جبهة التطبيع» مع دولة الاحتلال.
أمّا بالنسبة للسؤال الثاني، فكان نتنياهو قد أعلن في الأيّام الأولى لحرب الإبادة الجماعية، أنّ الهدف تهجير سكّان القطاع إلى سيناء المصرية، وإشارات إلى تهجير الفلسطينيين في الضفة إلى الأردن.
أراد نتنياهو، أيضاً، أن تحقّق الحرب الهمجية هدف إعادة هيكلة الشرق الأوسط.
ما هي النتيجة التي حصل عليها سوى الفشل الذريع، فلا نجح في تهجير سكان القطاع إلى خارجه، وكذلك الضفة، ولا تغيّر شيء على جبهة الجغرافيا السياسية في لبنان.
نعم الثمن كان كبيراً الذي دفعه الشعبان الفلسطيني واللبناني، ولكن هذا الثمن لم يذهب هباءً، إذ شكّل الشعبان حائط صد منيعاً لإفشال أهداف الحرب الإبادية على البلدين وعلى المنطقة برمّتها.
وأيّاً كان ما سيفعله ترامب فإنّه لن يزحزح الشعب الفلسطيني عن أرضه وحقوقه، لكنها مرحلة رمادية على طريق إنجاز الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر