إسرائيل وفلسطين ما بعد نتنياهو؟
أحدثت الحرب وما زالت تحدث تحولات جذرية في المشهد السياسي والاجتماعي الإسرائيلي، من بينها عودة رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت إلى الساحة السياسية وطرحه لنفسه كقائد جامع لتيار الصهيونية الدينية، حيث يركز برنامجه على تكثيف الاستيطان في “أرض إسرائيل”، ما بين النهر والبحر، ويرفض حل الدولتين أو أي حل مماثل مع الشعب الفلسطيني.
استنادا إلى نتائج استطلاعات الرأي، يظهر بينيت كمنافس جدي لنتنياهو على رئاسة الحكومة، ولحزب الليكود أيضا، بعدد المقاعد، وذلك على حساب الأحزاب الصهيونية الدينية والليبرالية المعارضة.
هذا يعبر عن انزياح المجتمع الإسرائيلي أكثر نحو اليمين، بالإضافة إلى الرغبة في التغيير والتجديد في القيادة. يمثل بينيت جيلا جديدا من القادة الشباب الذين يسعون إلى معالجة القضايا بطريقة مختلفة في مستوى الإدارة والسياسة، وهذا ما يتعطش إليه المجتمع الإسرائيلي، خصوصا بعد فشل السابع من أكتوبر وما تبعه من إسقاطات أدت إلى دفع المواقف الفردية والجماعية للإسرائيليين نحو العنصرية، والبوح بمواقف عدائية ضد جميع الفلسطينيين بين النهر والبحر دون تمييز.
في هذا السياق، بينت الاستطلاعات قبل وقف الحرب على الجبهة اللبنانية، أن نسبة الذين يرون في نتنياهو رئيسا للحكومة هي الأعلى بين جميع المنافسين، بما في ذلك نفتالي بينيت. لكن تغير الموقف بعد رفض بينيت الاتفاق، الذي جاء منسجما مع موقف بن غفير والمزاج الجماهيري العام، حيث عبر 85% من المستطلعين عن موقف يتراوح بين وصف نتيجة الحرب بهزيمة نكراء، انتصار جزئي، أو أن إسرائيل لم تنجح في هزيمة المقاومة اللبنانية. بعد الاتفاق، رأى 39% أن نفتالي بينيت هو الأنسب لرئاسة الحكومة، مقابل 33% لبنيامين نتنياهو و26% ليس مع أي منهما.
على مستوى المقاعد، حصل الحزب المفترض الذي سيترأسه بينيت على 23 مقعدا مقابل 23 لحزب الليكود برئاسة نتنياهو. هذا الانقلاب جاء على حساب كافة أحزاب الوسط واليمين، بما في ذلك الليكود وحزب الديمقراطيين (العمل وميرتس) بقيادة يائير غولان.
تؤخذ هذه النتائج على محمل الجد في ظل الموقف من غزة بعد الحرب، حيث نجد أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين (57%) من مؤيدي رئيس الحكومة، نتنياهو، وأحزاب ائتلافه تؤيد فكرة الاستيطان في غزة، وعلى مستوى الجمهور العام، يُؤيد ذلك 33%. وهذا ينسجم مع مواقف بينيت الذي قد ينفذ هذه الأفكار إذا وجد صمتا مجتمعيا ودوليا، بالإضافة إلى استمرار التواجد الإسرائيلي في غزة.
وهنا يبرز مربط الفرس بالنسبة لموقف المقاومة الفلسطينية، التي تصر على ربط إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من غزة بقضية صفقة التبادل، مستغلة الضغط على الحكومة الإسرائيلية، حيث يطالب 71% من عموم الإسرائيليين و56% من مصوتي نتنياهو بوقف الحرب مقابل صفقة تبادل أسرى كاملة.
من كل ما تقدم، تظهر استطلاعات الرأي أن الساحة السياسية الإسرائيلية تتسم بالتغير وعدم الاستقرار، حيث لا يمكن لأي من الشخصيات اليمينية، سواء كانوا زعماء حزب الليكود أو زعماء جدد مثل بينيت أو آخرين، ضمان استقرار دعم الجماهير الحالي حتى يوم الانتخابات. سيتعين على كلا الطرفين، نتنياهو وبينيت، التفاعل مع رغبات الجمهور ومحاولة تقديم رؤية واضحة للتعامل مع القضايا الكبرى، بما في ذلك الوضع في غزة وقرى غلافها، وحدود لبنان وعودة المستوطنين إلى قراهم ومدنهم، والاقتصاد، والأمن والأمان لتحقيق الاستقرار. مع كل هذا يجدر التنويه أنه على الرغم من وجود دعم قوي ومتصاعد لبينيت، لا يزال حوالي 26% من الناخبين غير متأكدين من الخيار الأنسب. وهذا يشير إلى حالة من عدم اليقين في المشهد السياسي الإسرائيلي، ويعكس الخوف من نتائج الانتقال إلى قيادة جديدة قد لا تكون قادرة على التعامل مع التحديات المعقدة التي تواجه الدولة.
خلاصة القول: فلسطينيا بيت القصيد هنا، أن الحكومة الإسرائيلية القادمة قد يترأسها بينيت برفقة حزب الليكود ومعظم أحزاب الحكومة الحالية، مما سيحولها إلى حكومة أكثر تطرفا وعنصرية. ستصبح الدولة يهودية أكثر ديكتاتورية منها ديمقراطية، وسيكون تركيب الحكومة في غنى تام عن القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس. الرسالة للأحزاب العربية واضحة: توحدوا، ولغزة لم يعد أمامك ما تخسريه سوى ورقة صفقة التبادل.
المصدر: عرب 48