كيف حقّقت “إنفيديا” نموًّا صاروخيًّا خلال الأشهر الماضية؟
صعود نجم إنفيديا استغرق بعض الوقت، فقد واجه قطاع التكنولوجيا عامًا صعبًا في 2022، ولكنّ القطاع بدأ بالتعافي في عام 2023، على الرغم من عمليّات التسريح الكبيرة للعاملين في القطاع…
ترزح شركة “إنفيديا” Nvidia مؤخرًا تحت ضغط كبير ناجم عن محاولتها تلبية الطلب الكبير جدًّا على الرقائق من الملياردير الأميركيّ إيلون ماسك. في بريد إلكترونيّ حصلت عليها صحيفة وول ستريت جورنال، أبلغ أحد مسؤولي المبيعات في إنفيديا زملاءه أنّ طلب ماسك على الرقائق يضغط على سلسلة توريد عملاق الرقائق.
يأتي ذلك في وقت صرّحت به شركة إنفيديا على لسان أحد المسؤولين أنّ الشركة “تعمل بجدّ لتلبية احتياجات جميع العملاء”. مضيفًا أن إنفيديا “وسعت بشكل كبير كمّيّات الإنتاج” من رقائقها.
وأصبحت رقائق إنفيديا سلعة ساخنة بين شركات التكنولوجيا، الّتي تستخدمها لتدريب واستخدام نماذج الذكاء الاصطناعيّ الخاصّة بها. في كانون الثاني/يناير الماضي، قال الرئيس التنفيذيّ لشركة “ميتا” مارك زوكربيرج إنّ ميتا ستمتلك أكثر من 340 ألف وحدة معالجة رسوميّة من طراز Nvidia H100 بحلول نهاية عام 2024، “لقد بنينا القدرة على القيام بذلك على نطاق قد يكون أكبر من أيّ شركة أخرى. أعتقد أنّ الكثير من الناس قد لا يقدّرون ذلك”.
طفرة إنفيديا
شركة إنفيديا هي واحدة من أكبر الشركات المنتجة لوحدات معالجة الرسوميّات أو “كرت الشاشة” في العالم، ووحدات معالجة الرسوميّات هي شرائح كمبيوتر أو أشباه موصّلات تستخدم عمليّات حسابيّة لإنتاج صور وفيديو ومرئيّات. وتدير وحدة معالجة الرسوميّات أحمال العمل الرسوميّة، وتسرّعها وتعرّض المحتوى المرئيّ على جهاز مثل الكمبيوتر الشخصيّ أو الهاتف الذكيّ.
وتجاوزت تقارير أرباح إنفيديا التوقّعات طوال عام 2023 حيث بدأ الذكاء الاصطناعيّ في اكتساب زخم واهتمام كبيرين. ويمكن لشرائح إنفيديا المتقدّمة استخدام ومعالجة الكمّيّات الهائلة واللازمة لتدريب برامج الذكاء الاصطناعيّ التوليديّة، مثل “تشات جي بي تي” ChatGPT و “جيميني” Gemini. ونظرًا لأنّ إنفيديا كانت تهيمن على هذا السوق قبل الحاجة المتزايدة إلى الذكاء الاصطناعيّ، فقد نمت إنفيديا بشكل أكبر مع ارتفاع الطلب.
وأعلنت إنفيديا عن إيرادات بلغت 30 مليار دولار أميركيّ للربع الماليّ الثاني المنتهي في تمّوز/ يوليو 2024. وارتفعت هذه الإيرادات بنسبة 15% عن الربع السابق وبنسبة 152% عن العام السابق. وحقّقت الشركة إيرادات ربع سنويّة قياسيّة من مراكز البيانات بلغت 26.3 مليار دولار، بزيادة 16% عن الربع السابق وبزيادة 154% عن العام السابق.
وينفق عمالقة التكنولوجيا مثل شركات “آبل” و”مايكروسوفت” أموالًا طائلة على الذكاء الاصطناعيّ، بدورها، تجني إنفيديا تلك الأموال لتنتج الرقائق لتشغيل تلك تكنولوجيا. وتحتاج الشركات إلى أجهزة لدعم كمّيّات كبيرة من الطاقة مع موجة الذكاء الاصطناعيّ الّتي تجتاح العالم، ولكنّ هذه الرقائق المتقدّمة مطلوبة أيضًا للعالم الافتراضيّ وألعاب الكمبيوتر. وتصنّع إنفيديا رقائق للسيّارات أيضا مع استمرار تقدّم التكنولوجيا.
لم تتوقّف شركة إنفيديا عن النموّ، بل تسارع منحنى النموّ بشكل أكبر، حيث تجاوزت قيمة الشركة 3 تريليون دولار في حزيران/يونيو 2024، وفي نوفمبر 2024، أصبحت إنفيديا أكبر شركة أميركيّة مدرجة بناء على قيمة رأس المال السوقيّ متجاوزة شركة “أبل” بقيمتها السوقيّة الّتي بلغت أكثر من 3.6 تريليون دولار. في منتصف عام 2023 كانت أكثر قيمة من “أمازون” و”ألفابت”، الشركة الأمّ لجوجل. في غضون تسعة أشهر فقط، زادت القيمة السوقيّة للشركة من تريليون دولار إلى 2 تريليون دولار في شباط/ فبراير 2024، واستغرق الأمر ثلاثة أشهر فقط للوصول إلى 3 تريليون دولار في يونيو 2024.
يأتي ارتفاع القيمة الجنونيّ بعد أن شهد سهم إنفيديا ارتفاعات وانخفاضات، حتّى بعد الإبلاغ عن أرقام نموّ مثيرة للإعجاب، حيث انخفض سهم إنفيديا بنسبة 5٪ بعد تقرير أرباح الربع الثاني من عام 2024. وفي تشرين الثاني/نوفمبر، وصل سهم إنفيديا إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 148 دولار بسبب الطلب المرتفع على وحدات معالجة الرسومات اللازمة لعمل الذكاء الاصطناعيّ. وتعدّ أحدث شريحة من إنفيديا، بلاكويل، مطلوبة بشدّة لدرجة أنّه يتمّ طلبها بشكل مسبق وحجزها لمدّة تصل إلى 12 شهراً. ونظرًا للنموّ المطّرد لشركة إنفيديا، فإنّها ستحلّ محلّ منافستها إنتل في مؤشّر داو جونز. وتمتلك S&P Global مؤشّر داو جونز، وتختار لجنتها الأسهم المدرجة في مؤشّر داو جونز بناء على كيفيّة تأثير صناعتها على الاقتصاد الأميركيّ.
ولكنّ صعود نجم إنفيديا استغرق بعض الوقت، فقد واجه قطاع التكنولوجيا عامًا صعبًا في 2022، ولكنّ القطاع بدأ بالتعافي في عام 2023، على الرغم من عمليّات التسريح الكبيرة للعاملين في القطاع. ويعدّ “الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ” أحد المحرّكات الرئيسيّة لانتعاش القطاع، وتظهر سوق الأوراق الماليّة علامات على هذا التعافي. فقد أدّى صعود الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ بشكل عامّ إلى سوق صاعدة للتكنولوجيا، وهو وقت مناسب لتوسّع الشركات في سوق الأوراق الماليّة، كما يشير الخبراء.
في الوقت الحاليّ، تصنّف إنفيديا بشكل رسميّ مع عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتّحدة والعالم. وتعرف المجموعة الّتي تضمّ أفضل أسهم التكنولوجيا باسم “السبعة العظام” Magnificent Seven وتشمل ألفابت وأمازون وآبل وميتا ومايكروسوفت وتيسلا وإنفيديا. وفي الوقت الّذي ارتفعت أسهم شركات السبعة العظام بمعدّل 111٪ في عام 2023، ارتفعت أسهم إنفيديا بنسبة 239٪.
في حزيران/يونيو 2024، أكملت أسهم إنفيديا تقسيم أسهم 10 مقابل 1، وهي عمليّة تقوم بها الشركات لزيادة أسهمها المتداولة لجعل السهم أكثر جاذبيّة من المستثمرين. على سبيل المثال، بدلًا من تداول السهم بسعر 1000 دولار للسهم، فإنّ تقسيم الأسهم بنسبة 10 إلى 1 يسمح لها بالتداول بسعر 100 دولار للسهم، بينما يزيد عدد الأسهم المملوكة عشرة أضعاف، ولا يغيّر ذلك من القيمة الإجمالية للشركة. وهنا يجدر الإشارة إلى أن عمليّة التقسيم هذه ساعدت إنفيديا على الانتقال إلى مؤشّر داو جونز لأنّ سعر السهم الفرديّ هو أحد المكوّنات الرئيسيّة لمؤشّر داو جونز وليس القيمة السوقيّة الإجماليّة للشركة.
أسباب الصعود القياسيّ
يعدّ الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ أحد العوامل الرئيسيّة لارتفاع أسهم إنفيديا. ومع ذلك، هناك بعض الأسباب الأخرى الّتي أدّت إلى ارتفاع سهم إنفيديا بشكل كبير. مؤخّرًا بدأت أسعار أجهزة الكمبيوتر العملاقة “Supercomputers” بالارتفاع؛ بسبب الكمّيّات الهائلة من البيانات اللازمة لهذه التكنولوجيا المتقدّمة الّتي تشغلها تلك الحواسيب. وتستخدم شركات التكنولوجيا مثل ميتا الحوسبة العملاقة لجهاز الكمبيوتر AI Research SuperCluster الخاصّ بها، لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعيّ المعقّدة. كما بدأت تيسلا في بناء كمبيوتر عملاق يركّز على الذكاء الاصطناعيّ لمركباتها.
لا توجد أيّ علامات على تباطؤ الطلب على الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ، بل على العكس، إذ إنّ التوقّعات تشير إلى نموّ كبير في مجال الذكاء الاصطناعيّ، وأنّ إنفيديا على استعداد للنموّ مع اعتماد الأنظمة الجديدة. ومن المتوقّع أن تنمو صناعة الذكاء الاصطناعيّ بمعدّل نموّ سنويّ مركّب يبلغ 42٪ في السنوات العشر القادمة حسب بلومبيرج. لذلك، إنّ الطلب على منتجات الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ قد يجعل قيمة سوق الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2032.
وتستخدم شرائح وحدة معالجة الرسوميّات A100 من إنفيديا في تدريب النماذج لبرنامج تشات جي بي تي. وتستمرّ الشركات في التطوّر، فشركات مثل “أوبن إيه آي”، الّتي تستخدم كمّيّات كبيرة من البيانات لمهامّ مثل تدريب نماذج اللغة الكبيرة بسرعة تحتاج إلى عمليّات حوسبة أسرع. ويكفي فقط وجود تلك الحاجة إلى تدريب تلك أنظمة الذكاء الاصطناعيّ وتطوّرها بمزيد من البيانات لينمو الطلب على وحدات معالجة الرسوميّات من إنفيديا.
لقد لعبت إنفيديا دوراً في عالم الميتافيرس ومشهد الواقع الافتراضيّ والمعزّز من خلال منصّة “أومني فيرس” Omniverse. إذ تقدّم إنفيديا برامج نمذجة ثلاثيّة الأبعاد للمساعدة على بثّ محتوى الواقع الموسّع XR بكفاءة ويسر. ومع تطوّر الميتافيرس، يزداد الطلب على شرائح إنفيديا لتشغيل ذلك الواقع الافتراضيّ.
ويعدّ عالم الألعاب أيضًا من أكبر الأسباب التي دفعت الطلب على معالجات الرسوميّات الّتي تنتجها إنفيديا إلى مستويات تاريخيّة. إذ تحتاج ألعاب الفيديو إلى معالجات أقوى لتشغيل الصور عالية الدقّة، خاصّة مع انتقال المزيد من الألعاب إلى التخزين السحابيّ “cloud” وتقليل الاعتماد على التخزين على جهاز الألعاب. وتساعد وحدات معالجة الرسوميّات للألعاب من إنفيديا، مثل GeForce RTX 4070، في تشغيل ألعاب الفيديو بدقّة أعلى وسرعة أكبر.
وتمثّل إنفيديا جزءاً كبيراً من عالم العملات المشفّرة الّذي ينمو بشكل كبير. وتستخدم مناجم تعدين العملات المشفّرة معالجات إنفيديا لتعدين الرموز الّتي تعتمد عليها سلسلة “البلوك شين” Blockchain، وهو ما يتطلّب قدرًا كبيراً من الطاقة. ومؤخّرًا، كان هناك طلب غير مسبوق على معالجات إنفيديا لغايات التعدين.
المستقبل يعد بالمزيد
في الوقت الّذي تعتمد فيه معظم مراكز البيانات الّتي تعمل على تشغيل الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ على معالجات إنفيديا، لا تزال هناك بعض التحدّيات المحتملة في المستقبل، بما في ذلك المنافسة من شركات التكنولوجيا العملاقة لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعيّ الخاصّة بهم، وعدم اليقين الاقتصاديّ وارتفاع المنافسة.
من المتوقّع أن يستمرّ سوق الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ في النموّ، ولكن من المتوقّع وضع المزيد من القواعد واللوائح الّتي قد تؤثّر على رقائق الذكاء الاصطناعيّ. إذ تؤثّر القيود التجاريّة الأميركيّة على أشباه الموصّلات المتقدّمة في الصين أيضًا على نموّ إنفيديا، حيث كانت المبيعات الصينيّة جزءًا كبيرًا من مبيعات الشركة.
يشير الخبراء إلى أنّه من الصعب التنبّؤ بما إذا كانت إنفيديا ستواصل نموّها بالوتيرة الحاليّة. ولكن من المؤكّد أنّه إذا نما سوق الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ كما هو متوقّع، فستستمرّ إيرادات إنفيديا في النموّ، فقد بنت أساسات متينة في سوق الذكاء الاصطناعيّ. ولكنّ السؤال هنا هو: ما هي الحصّة السوقيّة الّتي سيستحوذ عليها منافسو إنفيديا. في الوقت الحاليّ والمستقبل القريب. على الأقلّ يعمل مزوّدو الخدمات السحابيّة مثل أمازون وجوجل ومايكروسوفت مع إنفيديا في مجالات معالجات الذكاء الاصطناعيّ. ولكن هناك عقبة أخرى قد تقف في طريق النموّ وهو مواجه إنفيديا انخفاض في مبيعات شرائح الذكاء الاصطناعيّ المتقدّمة الخاصّة بها لبعض البلدان لصالح الأمن القوميّ.
المصدر: عرب 48