سورية: مطرقة النظام وسندان المعارضة
كل عمل عسكري يأخذ بعين الاعتبار التوقيت المناسب للقيام به، وله أهدافه التي يريد تحقيقها من عمله العسكري الذي سيكلف ضحايا بشرية ومادية. فما هو التوقيت الذي انطلقت فيه “هيئة تحرير الشام” في هجومها على مدينة حلب والشمال السوري؟
بدأ الهجوم يوم الأربعاء الماضي في الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، وبعد أسبوعين من مؤتمر آستانة الثاني والعشرين في كازخستان، والذي يجري بين المعارضة السورية والنظام برعاية تركيا وروسيا وإيران.
في الجولة الأخيرة أدان المجتمعون في آستانة الحرب الإسرائيلية في غزّة ولبنان، وأدانوا إسرائيل ودعوا إلى دعم الشعب اللبناني ووقف إطلاق النار في غزة ولبنان. وأدانوا الهجمات الإسرائيلية على سورية، وشدد المشاركون على تنفيذ الاتفاقات الخاصة بإدلب، وبذل المزيد من الجهود لضمان التطبيع المستدام للوضع في منطقة خفض التصعيد بإدلب وما حولها، بما في ذلك الوضع الإنساني، وناقش المجتمعون الوضع في شمال شرق سورية، مؤكدين على الحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها، و”رفض جميع المحاولات الرّامية إلى خلق واقع جديد على الأرض، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي في شمال شرق سورية ومبادرة الانتخابات المحلية غير الشرعية”.
كما أكدوا معارضتهم لاستمرار الاستيلاء والنقل غير القانوني للنفط والموارد الأخرى التي يجب أن تكون مملوكة لسورية.
وإضافة إلى بنود أخرى، شدد المجتمعون في بيانهم على ضرورة تسهيل العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين والنازحين إلى أماكن إقامتهم في سورية، وضمان حقهم في العودة وحقهم في الدعم.
في الحرب الأخيرة على قطاع غزة كان حزب الله هو الوحيد الذي ساند مقاومة غزّة وضحّى بخيرة أبنائه وبنيته المدنيّة والعسكرية وبقياداته، ونجح في إشغال الجيش الإسرائيلي فترة طويلة، إضافة للدعم المعنوي الكبير الذي منحه هذا التدخل لدعم مقاومة غزة، ولا يقل أهمية خلق حالة من التعالي المذهبي للمقاومين أطلق عليه وحدة الساحات.
كان من الطبيعي أن يدعم النظام السوري حزب الله، وأن يحاول توفير الدعم اللوجستي له على طول حدوده مع لبنان التي تبلغ 375 كيلو مترا، ومن خلال أودية وطرق جبلية.
الأسد يردُّ بهذا جميلا لحزب الله، كذلك فهو يعلم أنّ إضعاف حزب الله وهزيمته هو إضعاف له، كذلك فإن طريق الدعم الإيراني الأساسي يمر من سورية.
بلا شك أن هذا أغضب إسرائيل، فالأسد الذي قبلت أميركا باستمراره في الحكم، والذي أعادته جامعة الدول العربية إلى صفوفها، تريده أسدًا ضعيفًا، أن يضبط الحدود من جهة، وأن يمنع وصول قوى معادية توقظ جبهة الجولان، وبهذا يحافظ على نظامه، ولا تتقبل أن يتحوّل إلى قوة قادرة على المواجهة أو على دعم وتعزيز تنظيم يخوض مواجهة مع إسرائيل مثل حزب الله.
نتنياهو حذّر الأسد أكثر من مرّة بألا يلعب بالنار، وقصد باللعب في النار دعم حزب الله.
النظام الذي تعرّض بصورة متواصلة لاعتداءات إسرائيلية إضافة إلى ضم الجولان، لا يستطيع إطلاق صواريخ على إسرائيل، كما فعلت إيران في ردها على اعتداءات إسرائيل على سيادتها، ولكنه قادر على السّماح بمرور هذه الصواريخ عبر أراضيه لاستخدام حزب الله، وقد تكون هذه الصواريخ من ترسانته هو نفسه، ولهذا كانت إسرائيل تقصف داخل سورية بين حين وآخر خلال حربها على لبنان.
المعارضة السّورية المتمثلة بجناح “هيئة تحرير الشام”، وهي الوريث المتدحرج لداعش ثم جبهة النصرة وقوى “جهادية” أخرى، إلى أن وصلت إلى صيغة “هيئة تحرير الشّام” بتشجيع أميركي، سواء مباشرة أو عن طريق قوى أخرى، حتى لو جرى تصنيفها بالغرب تنظيما إرهابيا.
يتساءل كثر عن توقيت هجوم “هيئة تحرير الشام” على قوات النظام وكأنه مرضي عنه أميركيا، وهل هو لإرباك ومعاقبة النظام على دعمه لحزب الله طيلة السنوات الماضية، وكذلك لعرقلة تقدم مسار منصة آستانة الذي يجري من غير مشاركة أميركية.
هناك من يقول إن من حق المعارضة السّورية أن تستغل الوضع الراهن لحزب الله، وأن تهاجم قوات النظام، ولكن هذا ما كان ليتم لولا موافقة ودعم أميركي.
في مقابل ذلك، هناك تخوّفات لدى السّوريين، سواء المعارضين للنظام أم مؤيديه، من هيمنة القوى الأصولية على المناطق التي “تحرّرها” (هـ.ت.ش) وتطبّق على السّوريين قوانينها الاجتماعية والسياسية والتعليمية، التي لا تتفق مع المزاج السّوري العام. موضوعيا، فإنّ “هيئة تحرير الشّام” تقدّم خدمة كبيرة لإسرائيل من ناحية، وتخرّب مساعي التهدئة في الشّمال السوري من جهة أخرى.
في كل الحالات، الشّعب السّوري يدفع ثمنا باهظا وقد تشرّد الملايين من أبنائه ثمنًا لبقاء النظام منذ العام 1970، مع غياب تام للحريات والتعدّدية الحزبية وحرية التعبير وتداول السّلطة. ودفع ثمنا لا يقل بسبب تشتّت المعارضة والصراعات بينها، سواء لدوافع أيديولوجية أو بسبب سيطرة قوى خارجية عليها تديرها كما ومتى شاءت.
السوريون ملّوا من الدكتاتورية والنظام الشّمولي القمعي وكفروا به، كذلك فإن الشّعب السوري بطبيعته وتعددية المذاهب والطوائف والاتجاهات الفكرية فيه لا يستطيع أن يتقبّل نظاما أصوليا لا يلبي طموحه وتوقه إلى الحريّة.
الحُكم الآن للميدان، النظام وروسيا وإيران من جهة، والجماعات الأصولية المسلّحة المدعومة أميركيًا بشكل مباشر أو غير مباشر ( أميركيًا يعني إسرائيليًا)، من جهة أخرى. ومن جهتها تتخوّف تركيا من إقامة كيان كردي مستقل على حدودها، تعتبره تهديدا لأمنها القومي، وتحاول أن تمسك عدة خيوط في المعادلة السّورية، وأن تضبطها وفق مصالحها هي الأخرى.
المصدر: عرب 48