عدوانية إسرائيل ومستقبل سورية
سجلت إسرائيل بحسب مفاهيمها، في الأسبوع ونصف الأسبوع الماضيين، إخفاقات أمنية في سورية بعدم توقعها هجوم المعارضة المسلحة على المدن السورية في شمال ووسط البلاد، وبعدم علمها بمدى ضعف نظام بشار الأسد وقواته، من خلال اعتراف الحكومة والجيش وأجهزة الاستخبارات في إسرائيل بأنها فوجئت بالتطورات وسرعتها في سورية.
وتضاف الإخفاقات في سورية إلى إخفاق إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر العام 2023، والفترة التي سبقته بعدم توقعها هجوم حماس على منطقة “غلاف غزة”. وفي كلتا الحالتين، كانت إسرائيل مطمئنة لجمود الأوضاع في قطاع غزة وكذلك في سورية، وحتى أنها كانت تعتبر أن نظام الأسد “مستقر”.
وردّت إسرائيل على إخفاقها في غزة بحرب إبادة وتدمير وتجويع وتهجير غير مسبوقة في القرن الواحد والعشرين، في محاولة لصرف أنظار شعبها عن الإخفاق ومسؤولية الحكومة والأجهزة الأمنية عنه، إلى جانب مصلحة بنيامين نتنياهو بعدم مواصلة محاكمته بتهم فساد وسقوط حكمه في انتخابات مقبلة، وفق جميع الاستطلاعات في السنة الأخيرة.
في سورية، ردت إسرائيل على إخفاقاتها ومفاجأتها بتحريك جيشها بهدف توسيع احتلالها في هضبة الجولان في الأراضي السورية، كي تبدو كأنها استخرجت “خطط دُرج” موضوعة مسبقا، وبغارات واسعة بزعم أنها تستهدف “أسلحة إستراتيجية” ومنظومات دفاع جوي لمنع وصول فصائل المعارضة المسلحة إليها.
ورغم أن المخططات الإسرائيلية في سورية وحجم المساحة التي ستحتلها ليس واضحا في هذه المرحلة، إلا أن الأمر الواضح هو أن إسرائيل تعتزم شن عدوان على سورية وتخطط لمنع مقاومته بأسلحة دفاعية وهجومية من خلال تدمير هذه الأسلحة، بذريعة وجود أسلحة كيميائية.
وهذه الأسلحة الكيميائية طورها واستخدمها نظام الأسد ضد الشعب السوري، وتم إخراج معظمها إلى خارج سورية بموجب اتفاق خلال ولاية الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما. والقليل منها الذي تبقى في سورية لا تشكل تهديدا على إسرائيل، لأنه ليس متوقعا أن تستخدمها فصائل المعارضة ضد الشعب السوري ولا ضد إسرائيل، لأنه في حال توجيهها نحوها قد ترد إسرائيل بأسلحة غير تقليدية بأنواعها المتعددة التي بحوزتها، وبينها الكيميائية والهيدروجينية والنووية التكتيكية.
وفيما تدعي إسرائيل أن توغل جيشها في سورية يهدف إلى منع فصائل المعارضة شن هجوم ضدها في الجولان المحتل، إلا أن هجوما كهذا ليس منطقيا ولا متوقعا في أعقاب تنفيذ الفصائل مهمتها الأساسية بإسقاط نظام الأسد، وفيما ينشغل السوريون بعد نجاح هذه المهمة بمستقبلهم ومستقبل وطنهم، ويسعون بطبيعة الحال إلى بناء دولتهم من جديد.
رغم ذلك، قال نتنياهو بشكل واضح خلال جولة في الجولان المحتل، أمس الأحد، إن إسرائيل تريد توسيع حدودها واحتلال مناطق أخرى في سورية. قال إن اتفاق فض الاشتباك من العام 1974 قد انهار، وأنه “أوعزت للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على منطقة عازلة وعلى مواقع السيطرة القريبة منه” في الجولان السوري وبضمن ذلك القمة الأعلى لجبل الشيخ، علما أن بإمكان إسرائيل منع أي مس لخط فض الاشتباك، من دون الاعتداء على الأراضي السورية واحتلال مساحات فيها، لكنها قررت فعل العكس بسبب نهجها وطبيعتها العدوانية.
وأحد تأثيرات العدوان الإسرائيلي الحالي على سورية قد يكون بامتناع قسم من اللاجئين السوريين عن تحقيق حلمهم بالعودة إلى وطنهم، في ظل انعدام وضوح المستقبل. وتأثير آخر قد يكون مباشرا على إعادة بناء الدولة السورية من جديد وعرقلة مشروع كهذا، وأن تستمر حالة الفوضى، وخاصة فوضى السلاح، كي تواصل إسرائيل مشروعها الاحتلالي، بعد أن تكون قد دمرت السلاح السوري الدفاعي والهجومي أيضا.
وليس واضحا بعد كيف ستتصرف المعارضة المسلحة، التي تتألف من فصائل جهادية وغير جهادية، لكن ليس متوقعا أن تقف “على الحياد” بعدما نفذت مهمتها الرئيسية بنجاح وأسقطت النظام، خاصة إذا كانت تهدف إلى إعادة بناء دولة لا يحكمها نظام استبدادي، مثل نظام الرئيس المخلوع.
وأعلنت إسرائيل أنها أبلغت إدارة بايدن بعدوانها على سورية مسبقا، ويبدو أن الإدارة وافقت بصمت على هذا العدوان مثلما فعلت بكل ما يتعلق بالحرب على غزة ولبنان، بينما ليس واضحا كيف سيكون موقف الإدارة المقبلة للرئيس المنتخب، دونالد ترامب.
وقال ترامب من باريس، أول من أمس السبت، إن “سورية في حال من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة. هذه ليست معركتنا. فلندع الوضع يأخذ مجراه. دعونا لا نتدخل”.
وخلال حملته لانتخابات الرئاسة، قال ترامب إنه يريد إنهاء الحروب، مكررا بذلك تصريحاته خلال ولايته الرئيسية السابقة، بأنه سينهي الحروب، وتبنى توجها انعزاليا أكثر، وسحب الجيش الأميركي من أفغانستان بعد اتفاق مع حركة طالبان. رغم ذلك، ليس واضحا كيف سيتعامل ترامب مع حروب إسرائيل، لكن خلال ولايته الرئاسية السابقة، كان لنتنياهو تأثير كبير عليه، مثل إقناعه بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران.
وإذا حاول ترامب توسيع “اتفاقيات أبراهام” بأن تشمل سورية، فإن مصيره الفشل، لأن أي نظام جديد سيكون في سورية في المستقبل المنظور على الأقل، وبغض النظر عن توجهاته، لن يوافق على التطبيع مع إسرائيل، التي تعزز بعدوانها الحالي رفض السوريين لها، إلى جانب رفضها المتواصل للانسحاب من هضبة الجولان المحتلة.
المصدر: عرب 48