سورية بين ما كان وما سيكون
بسرعةٍ قياسيّة غير متوقّعة، تمكّنت «هيئة تحرير الشام»، المعارضة المسلّحة من إسقاط نظام الأسد، الذي استقرّ في الحكم لثلاثة وخمسين عاماً. المعارضة المسلّحة، لا تملك طائرات حربية، ولا طائرات مسيّرة، كالتي يملكها النظام المنهار، لكنها تملك الإرادة، وبالتأكيد تحظى بدعمٍ إقليمي، وفي ظروف صعبة يعيشها المجتمع السوري منذ 13 عاماً.
لقد أصاب الشعب السوري، ما أصاب الشعب العراقي بعد الغزو الأميركي واحتلاله العام 2003. عشرات آلاف المعتقلين، ومئات آلاف القتلى، وملايين من المهاجرين خارج بلادهم، وداخلها.
نظام الأسد، يترك البلاد ممزّقة بين قوى إقليمية، ومحلية ودولية، ذات أهداف وأطماع متضاربة، تقف خلف الكثير منها، أجندات غير وطنية، وبعضها يستهدف تمزيق الدولة السورية.
ما كان من الممكن لحلفاء النظام السابق، من إيران إلى روسيا، إلى «حزب الله» اللبناني، أن يتمكّنوا من وقف الطوفان، وإنقاذ النظام الذي فقد قدرته على الصمود، والمقاومة.
كيف لنظامٍ يقوده «حزب البعث العربي الاشتراكي» لعقودٍ طويلة ويملك جيشاً مدجّجاً، كان يعدّ نفسه، لتحرير جولانه المحتلّ من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، كيف لهذا النظام أن ينهار بسرعة أكثر من سرعة السيّارة بين شماله إلى العاصمة التاريخية العريقة دمشق؟
المعارضة المسلّحة، دخلت دمشق، من دون مقاومة تذكر لا من الجيش ولا من الحزب، ولا من الناس ما يمكن اعتبارها «ثورة بيضاء» بعد سنوات طويلة من القتل والتدمير والآلام.
هذا يعني أنّه لا يوجد حزب في الأساس بعد أن تحوّل إلى نخبة مترفة، مستفيدة، من الحكم، وأفراد ومسؤولين في الأجهزة الأمنية، التي لم ترحم معارضاً، حتى لو كان سلميّاً.
سقوط النظام يشكّل سقوطاً وانهياراً لحزب ميشيل عفلق، باعتباره حزباً قومياً، لكن قوميته انحصرت في سورية، بعد أن انقسم مع الحزب في العراق، الذي سبقه في الانهيار، وبالتالي لم يعد في السّاحة العربية حتى بقايا لهذا الحزب الذي شوّه النظام قوميته، ودوره الكفاحي.
إذا كان هذا هو حال الحزب، ولا شماتة، فإنّ حال الجيش السوري لم يكن أفضل، فلقد انهارت معنوياته، وانهارت قدراته بعد 12 عاماً من القتال الداخلي، مع تدنّي الرواتب، وصعوبة العيش في ظلّ مستويات معيشة متدنّية.
الجيش السوري الذي بني على عقيدة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي واستعادة أرضه المحتلة، غادر هذه العقيدة مبكراً، وأدخله النظام في حروب ومعارك جانبية لا علاقة لها بالاحتلال. وقد نخره الفساد، بسبب الفرص التي أُتيحت له، خلال المعارك الجانبية.
من الواضح أنّ بشّار الأسد، تفاجأ بسرعة وقوّة تقدّم المعارضة المسلّحة، وسقوط المدن والقرى والبلدات بيدها بسرعة شديدة، وبانسحاب جيشه من تلك المناطق. حين يحيط أيّ رئيس نفسه بثلّة من المريدين الذين يقدّمون له، ما يرتاح لسماعه، وإن قدّموا له غير ذلك، فإنّ مصيرهم القتل أو السجن، فإنّ البلاد تتحوّل إلى ديكتاتورية لا تخدم الديكتاتور، ولا تحمي نظامه.
أليس هذا هو حال معظم الحكّام العرب، من هم في الحكم ومن غادروه من قبل قتلى أو هاربين، قد أساؤوا فهم ما يجري من حولهم، فكانوا ضحايا جهلهم وأنانيّتهم؟
سقوط النظام السوري، يعني سقوط أحد أبرز حلفاء إيران وروسيا وربّما يحلو للبعض أن يعتبر ذلك سقوطاً لحلقة من أهمّ حلقات «محور المقاومة»، بما يشكّل خدمة جليلة لدولة الاحتلال وحلفائها، وربّما يمنح بنيامين نتنياهو الذريعة للحديث عن واحد من انتصاراته التي تتمثّل في تفكيك «محور المقاومة».
نتمنّى أن يدرك الزعماء العرب الدرس، وأن يدرسوا الأسباب، والقوى التي تقف خلف ما جرى لسورية، حتى لا يقعوا في الأخطاء ذاتها.
وأوّل هذه الأخطاء فقد البوصلة، وتجاهل أهمية تحديد العدوّ الرئيس، والتناقض الأساسي، الذي يستهدف بصبرٍ طويل تمزيق الأمّة العربية، وتهديدات كياناتها الوطنية.
الكلّ في الإقليم يبحث عن مصالحه، وأمنه القومي الإستراتيجي وربّما هذا ما يقف خلف الدعم التركي للمعارضة المسلّحة التي أسقطت النظام.
إيران تفعل ذلك، وتركيا تفعل ذلك، ودولة الاحتلال كذلك، والقوى الغربية، أيضاً، إلّا العرب الذين استمرؤوا الجهل، وانتظار الأقدار التي تتربّص بهم.
بل إنّ المصيبة أكثر من ذلك بكثير، فلقد انخرطت دول عربية في التآمر على أخواتها، في العراق والسودان، وليبيا، ولبنان، والآن في سورية، وقدّموا الدعم المالي والتسليحي لقوى المعارضة، لإحداث الفوضى فيما يحصد آخرون ثمار هذه المشاركات العربية.
لسنا نعلم إنّ كان نظام الأسد المنهار، يشكّل تهديداً وجودياً أو غير وجودي لأيّ دولة عربية، حتى يناصبه البعض العداء لخدمة أجندات لا تريد خيراً بالأمة العربية.
سورية دولة مواجهة، من دون مواجهة منذ «حرب تشرين ــ 1973»، حتى أنّ النظام، كان يحظر على أيّ فصيل سوري أو غير سوري أن يصل حتى للسياحة إلى منطقة الجولان السوري المحتل أو بالقرب من الحدود السورية الإسرائيلية.
ومنذ الأيّام الأولى لظهور الاحتجاجات، في سورية، تحوّل الجيش السوري، عن مواجهة الاحتلال، إلى مواجهة المعارضين، وظلّ كلّ هذا الوقت الطويل يرفض بعناد، الحوار، والذهاب إلى عملية سياسية تحمي سورية وشعبها، وتحول دون خدمة أصحاب الأجندات الخارجية.
نعم المعارضة المسلّحة، أسقطت النظام، ويبدو أنّها تتعامل بقدرٍ من الحكمة إزاء مؤسّسات الدولة، وبقايا الجيش، ومنتسبي الحزب والسلطة، وتتجنّب قتل المدنيين، ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ. استلام السلطة وإدارة البلاد شيء مختلف عن حمل السلاح والقتال، وقادتها يعلنون أنّهم سيحرصون على بناء نظام العدالة والقانون ولكن لا شيء يذكر عن الديمقراطية، وحكم الشعب. فهذا أمر مجهول حتى الآن.
وبالإضافة إلى أنّ المعارضة المنتصرة، لم يصدر عنها أيّ رؤية سياسية إزاء قضايا الصراع في المنطقة، بما في ذلك القضية الفلسطينية، والجولان المحتلّ، وانحيازاتها العربية والإقليمية، فإنّها، أيضاً، لم تصدر شيئاً يتعلّق بالوجود الأجنبي الأميركي، وغير الأميركي في سورية.
سقط النظام، ولم تنتهِ أزمة سورية الشعب والدولة، التي تمزّقها احتلالات، وميليشيات، وأجندات انفصالية، ونهب للثروات الوطنية كما لم تنتهِ أزمة ملايين المهاجرين والمهجّرين داخل البلاد وخارجها.
صفحة طُويت، ولكن فتح صفحة جديدة مختلفة لم يبدأ بعد مع تمنّياتنا بالحفاظ على وحدة أراضي الدولة السورية، واستعادة شعبها عافيته.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر